اخر الروايات

رواية حين تهاجر الروح الفصل السادس 6 والاخير بقلم فراس النابلسي

رواية حين تهاجر الروح الفصل السادس 6 والاخير بقلم فراس النابلسي 



البارت السادس
وقف سادن ومهيار أمام الرجل الغامض، الذي بدا وكأنه يحكم شبكة كاملة من الخيوط غير المرئية. كانت كلماته الأخيرة ترن في أذهانهما:
"يا بتكونوا جزء من هاد العالم، يا بتختفوا منه."
مهيار (بغضب مكبوت): "هاد تهديد؟"
الرجل (يبتسم ببرود): "لا، هاد واقع. أنتو فتتوا عالم ما بيقبل نص خطوة… يا بتكملوا، يا بتتلاشوا."
كان القرار أصعب مما تخيلا. التراجع قد يعني مطاردتهم، والمضي قدمًا يعني الغرق في شيء لا يعرفون حدوده بعد.
سادن (بهدوء لكن بحزم): "ما رح نكون بيادق، بدنا نفهم كل شي."
نظر الرجل إليه نظرة عميقة، ثم أشار بيده لنيروز.
الرجل: "خديهم لعند 'الأب'، إذا قبل فيهم… فهنن صاروا جزء من العائلة."
تجمدت نيروز لثانية، نظراتها لمعت بشيء من القلق.
نيروز: "أكيد؟ الأب ما بيتعامل مع حدا جديد بسهولة."
الرجل (بابتسامة غامضة): "هاد اختبارهم الأخير."
قادتهما نيروز إلى مكان مختلف تمامًا عن أي شيء سبق أن رأوه. هذه المرة، لم يكن مطعمًا ولا مكتبًا، بل كان قصرًا صغيرًا على أطراف المدينة، تحيط به أسوار عالية وكاميرات مراقبة في كل زاوية.
مهيار (يهمس بسخرية): "هاد بيت ولا سجن؟"
نيروز (بصوت منخفض): "هاد مقر 'الأب'… أهم شخص بهاد العالم."
عند دخولهما، قادتهما نيروز إلى غرفة ضخمة، حيث جلس رجل ستيني ذو لحية بيضاء مرتبة، مرتديًا بدلة أنيقة، لكن نظراته كانت تحمل قسوة واضحة.
الأب (بصوت هادئ لكن قوي): "سمعت إنو في شباب جدد عم يدوروا عالفرصة."
سادن (بتركيز): "عم ندور على مكان نثبت حالنا فيه… بس بدون نكون مجرد أدوات."
ضحك الأب ضحكة قصيرة، ثم أشار إليهما بالجلوس.
الأب: "كلنا كنا أدوات بوقت من الأوقات، بس السؤال… كيف فيك تصير الشخص يلي بيمسك الخيوط بدل ما يكون جزء منها؟"
مهيار: "ونحنا كيف فينا نوصل لهالمرحلة؟"
تغيرت ملامح الأب، ثم انحنى للأمام وقال بصوت خافت:
الأب: "كل شي له ثمن، وشو ما كان الطريق يلي بدك تسلكه… لازم تكون مستعد تدفعه."
ثم أشار لنيروز، التي وقفت وأخرجت ظرفًا من حقيبتها، وضعته أمامهما.
الأب: "هاد آخر اختبار… إذا نجحتوا، بتصيروا جزء من العائلة. وإذا فشلتوا…"
لم يكمل الجملة، لكنه لم يكن بحاجة لذلك. سادن ومهيار تبادلا النظرات، ثم مد سادن يده وفتح الظرف.
في الداخل، كانت هناك صورة لرجل، مع تفاصيل عنوانه ومكان عمله.
مهيار (بصدمة): "هاد… عملية تصفية؟!"
الأب (بهدوء قاتل): "خليني أوضح شي… يلي بدو يكون له مكان هون، لازم يعرف إنو العالم الحقيقي ما فيه خير وشر، فيه ناس بيعيشوا… وناس بيختفوا."
وقف مهيار بغضب، لكن سادن أمسك بذراعه، نظراته كانت متجمدة وكأن العاصفة تدور في داخله.
سادن (بصوت منخفض لكنه حاد): "وأنا إذا رفضت؟"
الأب (يبتسم بخبث): "ما في شي اسمو رفض، يا بتكون مع العائلة… يا بتصير ضدها."
مرت لحظات ثقيلة، وكأن الزمن توقف. هذه كانت لحظة القرار… لحظة اللاعودة.
ساد الصمت بعد كلمات الأب الأخيرة، لكن التوتر في الغرفة كان كفيلاً بملئها بالكامل. مهيار كان على وشك الانفجار، بينما سادن كان أكثر هدوءًا، لكنه لم يكن أقل توترًا.
مهيار (بغضب مكبوت): "عم تقلي يا منكون قتلة… يا منكون ضحايا؟"
الأب (بهدوء شديد): "لا، عم قلك يا بتكونوا ناجحين… يا بتكونوا منسيين."
نظر سادن للصورة مجددًا، كان الرجل فيها يبدو عادياً، مجرد شخص يمشي في الشارع غير مدرك أنه قد يكون المستهدف التالي.
سادن (بتفكير عميق): "ليش هاد الشخص بالذات؟"
نظر الأب إلى نيروز، التي تقدمت خطوة للأمام وتحدثت بصوت هادئ لكن جاد:
نيروز: "هاد الرجل مو بريء متل ما بتفكروا، هو كان جزء من شبكة منافسة وعم يحاول يخرب شغل العائلة. ببساطة، إذا ما تحركنا نحنا، هو رح يتحرك أول."
مهيار (بانفعال): "ونحنا شو دخلنا؟ مو شغلتنا نقتل ناس ما منعرفهم!"
ابتسم الأب ببرود، ثم وقف واتجه نحو النافذة.
الأب (بصوت ثقيل): "كل شي بحياتكم له تمن… من يوم ما طلعتوا من بلدكم، كل خطوة خطيتوها كانت خطوة تجاه هاد العالم. اليوم… لازم تقرروا إذا بدكم تكونوا مجرد لاجئين عم يركضوا من المصير… أو رجال عندهم سلطة وقرار."
التفت إليهما بحدة، عيناه كأنهما تخترقان أرواحهما.
الأب: "عندكم 24 ساعة لتقرروا. يا بتنفيذوا المهمة… يا بتنتهوا."
ثم أشار لنيروز لتأخذهما للخارج.
خرجوا من القصر بصمت، لكن بمجرد أن ابتعدوا عن بوابته، التفت مهيار بغضب إلى نيروز.
مهيار (ينفجر غاضبًا): "كنتي بتعرفي كل هاد من الأول وما خبرتينا؟!"
نيروز (ببرود): "شو كنتوا مفكرين؟ إنو الشغل بهالمكان رح يكون مجرد توصيلات ورواتب؟ العالم مو بهالبساطة، يا بتكونوا جزء من اللعبة، يا بتكونوا ضحاياها."
سادن لم يقل شيئًا، كان يفكر… خياراتهم كانت محدودة، لكن لم يكن مستعدًا ليصبح قاتلاً مأجورًا.
سادن (بهدوء لكنه قاطع): "ما رح نقتل حدا."
نيروز ضيّقت عينيها وكأنها كانت تتوقع هذا الجواب.
نيروز: "إذا هيك، عندكم حل واحد بس… تهربوا."
مهيار (بصوت منخفض لكن مليء بالغضب): "نهرب؟ ونضل كل حياتنا هاربين؟"
نيروز: "أهون من تكونوا مطاردين من عائلة ما بتعرف الرحمة."
سادن فكر للحظة، ثم نظر إليها مباشرة.
سادن: "أنتِ… ليش عم تساعدينا؟"
ترددت نيروز للحظة، ثم تنهدت وأجابت بصوت خافت:
نيروز: "لأنو أنا كمان كنت متلكم… بس لما كان وقت قراري، ما كان عندي حدا يورجيني طريق تاني."
نظر إليها مهيار مطولًا، ثم قال بجدية:
مهيار: "إذا في طريق تاني… ورجينا ياه."
بعد ساعات طويلة من النقاش والتخطيط، قررت نيروز مساعدتهما على الهروب. كان لديها اتصال بشخص قادر على تهريبهما خارج المدينة قبل أن يكتشف الأب قرارهما.
لكن المشكلة كانت الوقت… إذا لم يتحركوا خلال الساعات القادمة، فقد لا يحصلون على فرصة أخرى.
نيروز (بحزم): "بكرة قبل الفجر… لازم تكونوا جاهزين. سيارة رح تاخدكم لمكان بعيد، بعدين بتكملوا لحالكم."
نظر سادن ومهيار إلى بعضهما البعض، كان هذا قرارهما الأخير…
إما الهروب والمجهول، أو البقاء والموت البطيء داخل هذا العالم.
الساعة كانت تقترب من الرابعة فجرًا، المدينة ما زالت نائمة، لكن قلوبهم لم تعرف النوم. وقف سادن ومهيار في الزاوية الخلفية للمبنى المهجور، حيث كانت نيروز تنتظرهما بجانب سيارة سوداء، محركها يعمل بصمت.
نيروز (بصوت منخفض): "عندكم خمس دقايق، بعدا لازم نتحرك."
كان الجو مشحونًا، يعرفون أن هذا القرار لا رجعة فيه. نظر مهيار إلى سادن، ثم إلى نيروز.
مهيار (بقلق): "إذا اكتشفوا يلي صار، رح يدوروا علينا بكل مكان."
نيروز: "لهيك لازم تضلوا خطوة قدامهم… ما توقفوا، ما ترجعوا لورا، وما توثقوا بحدا."
سادن لم يقل شيئًا، كان يشعر بأن شيئًا ما ليس على ما يرام، لكنه لم يكن قادرًا على تحديده. دخل السيارة دون تردد، تبعه مهيار بعد لحظة من التردد.
نيروز أغلقت الباب خلفهما وقالت للسائق:
نيروز: "امشي بسرعة، وما توقف لأي سبب كان."
السيارة تحركت بهدوء، تاركة خلفها المدينة التي أصبحت فخًا كبيرًا.
لم يكن الأمر بهذه السهولة… بعد أقل من عشر دقائق من التحرك، بدأت الهواتف في الرنين. نيروز نظرت إلى شاشتها، وعيناها اتسعتا.
نيروز (بصوت منخفض مليء بالتوتر): "اكتشفوا هروبكم."
قبل أن تكمل كلامها، انطلقت صافرات الإنذار في الشوارع الخلفية، وظهرت سيارتان سوداوين خلفهم بسرعة.
مهيار (بذعر): "لك شو هاد؟! كأنهم كانوا ناطرينا!"
سادن (بهدوء قاتل): "هاد يعني إنو لازم نطلع من هون بأسرع وقت."
السائق زاد السرعة، لكن السيارات الخلفية لم تكن تمزح. واحدة منهما اقتربت أكثر، وفتحت نافذتها الجانبية… كان هناك رجل يحمل مسدسًا.
نيروز (بغضب): "نزل راسك!"
قبل أن يفهم مهيار وسادن ماذا يحدث، أخرجت نيروز مسدسًا صغيرًا وأطلقت رصاصة أصابت إحدى عجلات السيارة الخلفية، مما جعلها تنحرف وتصطدم بالجدار.
لكن السيارة الثانية لم تتوقف، بل زادت سرعتها أكثر، حتى أصبحت على بعد أمتار منهم.
سادن (بحزم): "لازم نغير الطريق، إذا ضلينا بهالمكان رح يلحقونا بسهولة."
نيروز: "في نفق تحت المدينة، إذا وصلنا له قبلهم… فينا نضيعهم!"
لكن كان هناك مشكلة… المدخل كان يبعد عنهم دقيقتين فقط، ولكن
مهيار (بصوت مرتجف): "بس كيف رح نوصل؟ هنن أقرب مننا!"
كان الطريق أمامهم شبه فارغ، لكن السيارة السوداء التي تلاحقهم بدأت تقترب أكثر، وأصبح واضحًا أنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى النفق قبل أن يلحقوا بهم.
نيروز (بحزم): "إذا استمرينا بهاي السرعة، رح يلحقونا… لازم نعمل شي غير متوقع!"
سادن (بتفكير سريع): "إذا كان النفق تحتنا، لازم نلاقي طريق موازي… شي يبعدهم عننا قبل ما ندخل."
نيروز نظرت حولها بسرعة، ثم صاحت:
نيروز: "الشارع الجانبي… لفّ بسرعة!"
السائق انحرف بقوة نحو شارع ضيق بين المباني، لكن السيارة المطاردة لحقت بهم مباشرة. هنا، ضغطت نيروز على زر بجانبها، وفجأة، انفجرت عبوة دخانية صغيرة من خلف سيارتهم، محجبة الرؤية تمامًا للمطاردين.
مهيار (بذهول): "من وين جبتي هاد؟!"
نيروز (بابتسامة جانبية): "تعلمت شي من البقاء بهالعالم."
السيارة المطاردة تباطأت قليلاً بسبب الدخان، وهذا منحهم بضع ثوانٍ كانت كافية ليصلوا إلى مدخل النفق.
النفق كان طويلاً ومظلماً، الإضاءة فيه كانت شبه معدومة، لكنه كان طريقهم الوحيد للخلاص.
سادن (بصوت منخفض): "إذا تجاوزنا النفق بدون ما يلحقونا… رح نقدر نختفي تمامًا."
مهيار (بتوتر): "وإذا سبقونا للجهة التانية؟"
نيروز: "لازم نكون أسرع، وإذا اضطرينا… رح نقاتل."
السيارة تحركت بسرعة داخل النفق، والصوت الوحيد الذي يُسمع كان صدى محركها.
لكن فجأة، ظهر ضوء في آخر النفق… لم يكن الضوء الطبيعي، بل أضواء سيارات أخرى تنتظرهم هناك!
مهيار (بصدمة): "هاد فخ!!"
نيروز (بغضب): "كانوا متوقعين خطوتنا…"
السيارة توقفت بسرعة قبل أن تصل للنهاية، وكان عليهم الآن أن يتخذوا قرارًا مستحيلًا:
• المتابعة نحو الفخ، والمخاطرة بالمواجهة.
• العودة للخلف، حيث لا يعرفون إن كان المطاردون ما زالوا هناك.
• إيجاد مخرج سري داخل النفق.
سادن كان أول من تحدث:
سادن (بهدوء مفاجئ): "لازم نخرج من هون… بس مو من المدخل الرئيسي."
نيروز نظرت حولها بسرعة، ثم لاحظت فتحة تهوية على جانب الجدار.
نيروز: "هديك الفتحة… بس كيف رح نطلع عليها؟"
مهيار (ينظر لسيارتهم): "إذا صعدنا فوق السيارة، ممكن نوصل لها!"
لم يكن هناك وقت للتفكير، بدأوا التحرك بسرعة، فتحوا باب السيارة وصعدوا فوقها، ثم تمكن سادن من الإمساك بحافة الفتحة وسحب نفسه للأعلى. مد يده لمهيار، الذي تبعه مباشرة، وأخيرًا نيروز صعدت بعدهم بلحظات، قبل أن تقتحم السيارات السوداء المكان.
خرجوا من فتحة التهوية إلى سطح مبنى قديم، كانت الشمس بدأت تُشرق، معلنة عن بداية يوم جديد… لكن بالنسبة لهم، كانت هذه بداية حياة جديدة تمامًا.
مهيار (وهو يلهث): "ما بصدق إنو طلعنا من هاد كله أحياء…"
نيروز (تبتسم بهدوء): "لسا ما انتهى شي… هاد بس أول خطوة."
سادن نظر إلى الأفق، أوروبا كانت هنا… كانوا قريبين من الحياة التي حلموا بها، لكنهم كانوا يعلمون جيدًا أن كل شيء قد تغير.
لم يعودوا مجرد لاجئين… لم يعودوا مجرد هاربين…
كانوا الآن أناسًا بلا وطن، بلا ماضٍ، وبلا ضمان للمستقبل.
لكنهم كانوا أحياء.
وكان هذا أكثر مما حلموا به يومًا.
تمت
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close