رواية عشق لا يضاهي الفصل الثاني 2 بقلم اسماء حميدة
نظر الجميع في الغرفة الخاصة نحو الباب وكأن الزمن توقف لحظة وغمر المكان صمت ثقيل وكأنما الزمن قد تجمد... الأعين جميعها تتأمل ما سيحدث بعد تلك اللحظة المشحونة بالتوتر.
كانت سيرين أول من رأت ظافر الذي يقف في وسط الغرفة وعيناه متوهجتان بنقاء وصفاء وشعاع من الأمل يلمع فيهما الأمر الذي بدا غريبا مقارنة بما كان يعتقد وما كان جليا للأعمى هو أن ظافر لم يكن تحت تأثير الخمر كما كان يظن الجميع.
فجأة أدركت سيرين أنها قد سقطت في فخ الخداع الذي نصبته لها دينا وأن كل شيء كان مجرد تمويه لا أكثر.
وفي اللحظة التي التقت فيها عيون سيرين بعيني ظافر لاحظت انقباض حدقتيهما وكأنما ارتجفت نياط قلبه عند رؤية ما لم يكن يتوقعه.
إحساس غريب سيطر على الجميع شعور بالحرج لا يمكن إخفاؤه حتى طارق الذي كان أكثرهم إصرارا على إقناع ظافر بقبول اعتراف دينا في وقت سابق بدا مشوشا.
وتساءلت سيرين في نفسها كيف يمكن أن يكون الوضع بهذه الفوضى كيف لم تكتشف خداع دينا في الوقت المناسب ولماذا قررت التوجه إلى هنا
فجأة كسرت دينا الصمت الذي غلف المكان بحديثها محاولة تفسير الموقف
من فضلك سيرين لا تسيئي الفهم... طارق كان يمزح فقط... أنا وظافر مجرد أصدقاء
لكن قبل أن تتمكن سيرين من الرد نهض ظافر بسرعة واضعا حدا للكلمات الزائفة التي كانت تملأ الغرفة... مردفا بصوت جاف غير آبه بكل ما قيل
لا حاجة لشرح الأمر لها.
ثم اتجه نحو سيرين مباشرة وهو يحمل في عينيه نظرة من الاستفهام والريبة... يسألها بنبرة حادة
ماذا تفعلين هنا
أجابته سيرين بصدق رغم الارتباك الذي يملؤها
اعتقدت أنك كنت في حالة سكر فقررت أن أتي لأخذك إلى المنزل.
سخر ظافر في تهكم ثم أضاف وهو يكاد يخفي غضبه
أنت حقا لم تفهمي شيئا مما قلته لك أليس كذلك
ثم خفض صوته وأصبح أكثر هدوءا لكن كلماته كانت كالسياط على قلبها
هل جئت هنا لتذكري الجميع بأنني خدعت للزواج منك قبل ثلاث سنوات هل ظننت أنهم نسوا ذلك
سقطت كلمات ظافر كالصاعقة على رأس سيرين وكأن قلبها قد توقف عن الخفقان للحظة إذ بدت مذهولة تماما.
ألقى ظافر على سيرين نظرة باردة كان فيها قسۏة لا تخطئها العين قبل أن ينطق بكلمات مثل السم
توقفي عن البحث عن الاهتمام. أنت فقط تزيدين من كراهيتي لك.
ثم استدار مبتعدا تاركا إياها تقف هناك وحيدة في خضم صډمتها التي تجمعت في قلبها مثل حجر ثقيل.
لم يكن هناك من يرمقها بنظرة تعاطف في تلك الغرفة ولا حتى من الشباب الذين شاهدوا الموقف باستهزاء بارد.
حتى طارق الذي كان يتظاهر ببعض الشفقة لم يجد حرجا في أن يقول لدينا بصوت مليء باللامبالاة
أنت حقا لطيفة دينا. لم يكن عليك تبرير
أي شيء.
ثم أضاف وكأن قلبه خالي من أي ملامح الرحمة
لو لم تقم سيرين بخداع ظافر لكان قد تزوجك منذ البداية ولما كنت بحاجة للمعاناة في الخارج.
رغم الرنين الذي يدوي في أذني سيرين إلا أنها كانت قادرة على سماع كل كلمة بوضوح وكأنها رسمت على شفاههم.
سيرين تعلم جيدا أنها حتى لو لم تتزوج من ظافر فهو لم ولن يقدم على الزواج من دينا إنها حقا لم تكن لتستحق مكانة كهذه امرأة مثل دينا لا تستحق أن تكون زوجة نبيل مثل ظافر نصران.
دينا التي لم يكن لها من خلفية وأصل ونسب سوى كونها لا شيء دينا بذاتها كانت تدرك هذه الحقيقة كما تدركها سيرين لهذا اختارت دينا أن تبتعد عن ظافر مغادرة البلاد بحثا عن حياة أخرى.
كيف تحولت الأمور إلى كون كل شيء خطأ كانت سيرين هي المتسببة به كيف أصبحت هي الملامة
خرجت سيرين مسرعة من النادي وهي تحمل مظلتها وكأنها تسير في بحر من الظلام.
فجأة ظهرت بجانبها شخصية رشيقة تتحرك بخفة كالظل... كانت دينا التي ترتدي ملابس أنيقة وحذاء بكعب عال تعكس ثقة زائفة تتناثر منها.
قالت دينا بلهجة متغطرسة وكأنها تجيد استعراض انتصاراتها الصغيرة
إنها ليلة باردة أليس كذلك كيف تشعرين الآن بعد أن سخر منك ظافر بعدما جئت إلى هنا في هذا الوقت المتأخر لتبحثي عنه
لم تجب سيرين لكن دينا لم تكترث لصمتها بل استمرت في حديثها بلغة مليئة بالازدراء
أشفق عليك كما يفعل الجميع... لا بد وأنك لم تعرفي الحب الحقيقي قط أليس كذلك
ثم تابعت متلذذة بما تراه انتصارا
هل تعلمين أن ظافر كان يطهو لي الطعام بنفسه وعندما كنت مريضة كان يترك كل شيء من أجل البقاء بجانبي
وتنهدت بمرارة وكأنها تعيد فتح چرح قديم
هل أخبرك ظافر من قبل أنه يحبك انتظري.. لا أعتقد أنه يشعر بك من الأساس.. على العكس معي فهو دوما ما كان يقول لي الكثير من كلمات العشق والغزل طوال الوقت...
استمعت سيرين بهدوء إلى هذيان دينا بينما تسللت أفكارها إلى السنوات الثلاث التي مضت منذ زواجها من ظافر. طوال تلك المدة لم يدخل المطبخ ولو لمرة كأن تلك المساحة المقدسة لم تكن تخصه وعندما أصابها المړض لم تجد فيه عزاء ولم تر في عينيه تلك النظرة التي تخبرها أنه يحبها أو حتى تلك الكلمات التي تمنح القلب الطمأنينة.
في هذه الليلة التي كانت ثقيلة كأنها آلاف السنين لم تستطع سيرين أن تغفو فقد اكتشفت للتو أن الرجل الذي منحته قلبها طيلة اثني عشر عاما كان يعشق امرأة أخرى بكل جوارحه كما يعشق الشاب البكر حبه الأول بكامل نضجه واندفاعه.
في تلك اللحظة القاسېة سقطت على قلبها الحقيقة
الثقيلة كالصخر لقد حان وقت الفراق.
مرت على سيرين ليلة من الأرق العميق كانت فيها تحاول ترتيب مشاعرها ولم تجد لها سلوى لها سوى الحزن والعجز.
في صباح اليوم التالي عاد ظافر إلى المنزل وكانت نظرة عينيه إليها باردة كما العادة جبل من جليد خال من أي مشاعر أو اهتمامات.
ما مدى ارتباطك بأموال عائلة نصران تلك الآلة التي تدر عليك المال سألها بنبرة لا تخفي احتقارا.
اڼصدمت سيرين فقد كان السؤال مفاجئا لم تفهم ما الذي دفعه لطرح هذا السؤال في هذا الصباح الباكر.. لكن رد فعلها جاء عفويا كما لو أن غرائزها قد نطقت قبل أن تدرك.
قالت وهي تحاول أن تحافظ على رباطة جأشها
لم أكن يوما طامعة في أموالك.
لقد أرادت ظافر فقط بكل ما في الكلمة من معنى... ولكن هل لفاقد الحس أن يشعر.
ظافر بابتسامة ساخرة مشوبة بالازدراء رد قائلا
إذا لماذا جاءت والدتك إلى مكتبي وتوسلت إلي أن أمنحك طفلا
كانت سيرين متصلبة من وقع صډمتها بأمها التي حطت من كبريائها أمامه وأخذت تحدق في عيني ظافر بذهول إذ لم تتوقع أنه لم يكن غاضبا مما حدث في الليلة الماضية فعلى ما يبدو أن ظافر لم يرغب في إضاعة وقته معها فصاح بنبرة حادة
إذا كنت ترغبين في الاستمرار معي وضمان بقاء عائلتك على قيد الحياة فعليك أن تخبري والدتك بأن تتصرف بشكل لائق!
في نهاية المطاف لم يكن لسيرين حاجة في البحث عن سارة فقد جاءت سارة إليها بنفسها وقد تبدل أسلوب أمها من البرود والجفاء إلى التفهم واللطف وهذا أمرا لم ينطل على سيرين إذ لم تعهد والدتها على هذا النحو قط فهي اعتادت معاملتها بقسۏة كما جميع من حولها.
أمسكت سارة بيدي سيرين برقة وقالت بصوت هادئ
سيرين عليك أن تطلبي من ظافر أن يمنحك طفلا... ليس بالضرورة أن يكون الأمر بيولوجيا يمكنه اللجوء إلى الإجراءات العلمية.
سرت بسيرين رعشة من الدهشة وهي تحدق في سارة بينما استمرت الأخيرة في حديثها
أخبرتني دينا أن ظافر لم يقم بعلاقة معك منذ ثلاث سنوات.
كانت تلك الكلمات القشة التي قصمت ظهر سيرين فقد تساءلت في داخلها لماذا أخبر ظافر دينا بذلك... ربما كان يحبها بصدق شديد... مع هذا التفكير شعرت بالإحباط فقالت
اتركي الأمر يا أمي لا فائدة من ذلك.
توقفت سارة وعقدت حاجبيها بتعجب وقالت
ماذا
أجابت سيرين بنبرة متعبة أثر معانتها مع قلب جاحد لا يلين
أنا متعبة أريد الحصول على الطلاق. وقبل أن تتمكن من إنهاء عبارتها صڤعتها سارة بقوة على وجهها.
رواية عشق لا يضاهى تمصير أسماء حميدة لمتابعة مواعيد النشر يرجى الانضمام إلى جروب روايات الأسطورة أسماء حميدة أو صفحة الكاتبة أسماء حميدة.
اختفت تلك الواجهة الأمومية اللطيفة في لحظة... وأشارت بإصبعها إلى سيرين وقالت بحدة
ليس لك الحق في طلب الطلاق!
ماذا تعتقدين أنك ستفعلين بدون عائلة نصران من سيتزوج مرة أخرى مطلقة معاقة مثلك
شعرت سيرين بخدر يجتاح جسدها بسبب ما تفوهت به أمها... كلمات كانت كالسهم المسمۏم الذي غادر مشد القوس لينغرز بصدرها.
لم تكن سارة تحب سيرين أبدا حتى عندما كانت طفلة... كانت سارة راقصة مشهورة وإنجابها لطفلة تعاني من مشاكل في السمع كان أحد أكبر أسباب ندمها... لذلك أرسلت سيرين إلى مربية لتعتني بها ولم تسمح لها بالعودة إلى المنزل إلا عند التحاقها بالمدرسة.
كان الناس يقولون لسيرين إن كل أم تحب طفلها إذا كان مميزا لذا بذلت كل ما في وسعها لتتفوق في كل شيء على أمل إسعاد سارة.
وعلى الرغم من مشاكل السمع التي تعاني منها كانت سيرين من أوائل طلاب صفها في دروس الرقص والموسيقى والفن. ومع ذلك فرغم كل الجهود التي بذلتها لم تعتبرها سارة ابنة جيدة بل ظلت سيرين من وجهة نظر سارة ابنة غير محبوبة طفلة غير كاملة ليس فقط جسديا بل أيضا في الحب والعلاقات الأسرية.
بعد أن غادرت سارة استخدمت سيرين بعض الماكياج لتغطية البصمة الحمراء على وجهها فقد كان كل إصبع من يد سارة تاركا علامة ظاهرة على وجهها الطفولي البريء ثم بدأت بحزم حقائبها بهدوء.
ابتسمت سيرين بخيبة فحتى بعد مرور ثلاث سنوات على زواجها كانت جميع أغراضها الشخصية لا تتعدى حقيبة واحدة.
بعد أن انتهت من حزم أمتعتها جمعت شجاعتها وأرسلت رسالة إلى ظافر
هل أنت متاح الليلة أريد التحدث إليك.
لم يرد عليها ظافر... فأظلمت عينا سيرين فقد كانت تعلم أنه لا يريد الرد على رسائلها ولكن ما الجديد أنه لا يهتم لأمرها أبدا.
كل ما كان بوسعها فعله هو انتظار عودته إلى المنزل في الصباح... لقد ظنت أنه لن يعود إلى المنزل في تلك الليلة لكنه عاد عند منتصف الليل.
لم تكن سيرين نائمة في تلك اللحظة... فتوجهت نحوه بخطوات واثقة وأخذت معطفه وحقيبته بحركة عفوية تحمل الود والألفة وكأنهما زوجان عاديان.
وبصوت بارد كسر ظافر سلام وصفو اللحظة قائلا
لا ترسلي لي رسائل نصية سخيفة مرة أخرى.
بينما كانت سيرين تمسك بمعطفه ارتجفت يدها قليلا وتمتمت
لن أفعل ذلك مرة أخرى.
لم يلاحظ ظافر أي تردد في نبرتها فتوجه مباشرة إلى مكتبه كعادته عند عودته إلى المنزل... ربما كان يعتقد أن من يعاني من ضعف السمع يعيش في عالم صامت أو ربما ببساطة لم يهتم بأمر سيرين.
هذا ما يفسر توجهه الفوري لمناقشة استحواذه على مجموعة تهامي في مكتبه وكأن شيئا لم يحدث.
عندما أحضرت له سيرين بعض الحساء سمعت صوت ظافر يناقش العمل بحيوية مع موظفيه يتحدث عن الاستحواذ على شركة تهامي جروب شركة والدها جمال تهامي... لم تكن تعرف كيف تشعر حيال ذلك... إذ كانت تعلم أن شقيقها تامر
تهامي عديم الفائدة في إدارة الأعمال وفي هذه الحالة فإن الأمر مجرد مسألة وقت قبل سقوط مجموعة تهامي. لكنها لم تتخيل أبدا أن يكون زوجها هو المتسبب الأول في هذا السقوط.
كفى قاطعته.
أصيب ظافر بالصدمة وبسبب شعوره بالذنب أو ربما بسبب عاطفة أخرى أغلق الهاتف بسرعة وأغلق الكمبيوتر المحمول متظاهرا بالجهل فتقدمت سيرين إلى غرفة مكتبه ووضعت الوعاء أمامه.
تناول بعض الحساء ثم اذهب إلى الفراش قريبا... صحتك أهم من العمل. قالتها سيرين بحب حقيقي رغم خنجر خيانته وجفاءه الذي شق به ضلوعها بعدما سمعت مخططه الدنيء.
لسبب ما شعر ظافر بالاسترخاء عندما سمع صوتها الناعم ظنا منه أنها ربما لم تسمع شيئا.
وبصوت مرتبك أوقف ظافر سيرين قبل أن تتمكن من المغادرة يسألها مراقبا تعبيرات وجهها بتمعن
لقد قلت أنك تريدين التحدث معي... ما الأمر
عندما سمعت سيرين هذا التفتت إليه وقالت بهدوء
أردت فقط أن أسألك إذا كنت متفرغا في الصباح حتى نتمكن من الذهاب وتقديم طلب الطلاق.
رواية عشق لا يضاهى تمصير أسماء حميدة لمتابعة مواعيد النشر يرجى الانضمام إلى جروب روايات الأسطورة أسماء حميدة أو صفحة الكاتبة أسماء حميدة.
قد يعجبك ايضا