رواية عشق لا يضاهي الفصل الثالث عشر 13 بقلم اسماء حميدة
الفصل 13
ماهر لم يكن يقدم لها النصح بل كان يلقنها الدروس
لطالما كان لسيرين نصيبها الوافر من الوعظ غير المرغوب فيه فقد كان بإمكان أي شخص في محيطها أن يتبرع بإسداء نصيحة لهابدءا من أفراد أسرة ظافر مرورا بماهر وصولا إلى السكرتيرات وحتى أدنى الموظفين في القصر لربما كان الجميع يجدون في ذلك متعة غامضة وكأن توجيهها واجب مقدس بينما لم يكن يطلب منها سوى أن تستمع شاكرة وتبتسم امتنانا حتى لو تجرعت مرارة التوبيخ
لكنها لم تعد تلك الفتاة التي تتلقى الأوامر صامتة لقد سئمت من أن تكون هدفا سهلا لمن يهوى التحقير والتوجيه
تصلبت أصابعها المرتخية على جانبيها وانغلقت في قبضة كأنها تكبح زوبعة توشك أن تخرج عن السيطرة
رفعت سيرين عينيها إلى ماهر نظرتها كانت صقيعا خالصا لا دفء فيه ولا تردد ثم نطقت بصوت منخفض لكنه نافذ كالسهم يخترق صدر من يستمع إليه
وما شأني أنا إن كان سيدك غاضبا إن لم يكن لديك شيء آخر لتقوله فأرجو أن تغادر
ردها لم يكن مجرد رفض بل إعلان واضح بأن زمن الامتثال الأعمى قد ولى
تردد صدى كلماتها في أذني ماهر فشعر بقشعريرة باردة تزحف عبر عموده الفقري إذ لم يكن معتادا على هذا البرود منها فقد كانت سيرين دائما مطواعة هادئة سهلة الانقياد أما الآن فقد بدت كشخص آخر تماما
وقبل أن يلتقط ماهر أنفاسه من غرابة ما يسمع وما يرى صفع وجهه بالمشهد الأخيرباب يغلق في وجهه بقرار صارم لا رجعة فيه
كانت تلك أول مرة ترفض فيها سيرين الخضوع لأوامر ظافر كان هو من اعتاد معاملتها بلامبالاة
هز ماهر رأسه بعدم تصديق فمن كان يتوقع أن يأتي اليوم الذي تنقلب فيه الأدوار وهل تجرأت سيرين حقا على التخلي عن إرضائه
كان واضحا أنها تدرك جيدا أن ماهر سينقل له ما جرى لحظة أن تطأ قدماه عتبة القصر ومع ذلك لم ترتبك ولم تخش العواقب
جلست سيرين على الأريكة ثم أراحت ظهرها مطلقة زفرة
هادئة كمن يستعد لمواجهة العاصفة القادمة
في ذلك اليوم زأرت الرياح الهائجة وارتطمت بالنوافذ كأنها كائنات غاضبة تبحث عن مأوى
بينما في الداخل كانت سيرين مستلقية على الأريكة تلتف حول نفسها بحثا عن الدفء رغم أن الصيف كان في بداياته لكن البرد الذي شعرت به لم يكن متعلقا بالمواسم بل بشيء أعمق أكثر تسللا أكثر قسۏة
مر الوقت بلا ملامح بلا إحساس
وكأن عقارب الزمن قد تحللت في سكون شرودها لا تطرق باب وعيها ولا تترك أثرا في إدراكها لم تكن تعلم كم مضى وهي غارقة في غياهب فكرها تتلاشى في متاهة أفكارها كقطرة حبر تذوب في ماء راكد حتى انطلق جرس الباب كان رنينه حاد جاف كحد سکين يخترق السكون القاتم
في البداية لم تنتبه أو ربما
رفض وعيها الاستجابة لكن الرنين عاد متكررا أكثر إلحاحا كأنه يوقظها من سبات عميق
نهضت ببطء دون استعجال كأنها كانت تعرف من يقف بالخارج لم تحتاج إلى النظر عبر العين السحرية ولا حتى أن تتخيله يكفيها أن تشعر بثقله يتسلل عبر الباب قبل أن تراه
وحين فتحته ارتفع نظرها تلقائيا كما لو أن عينيها اعتادتا على البحث عنه بين الوجوه
أجل ظافر
أنه هو بقامته الفارعة وهيبته التي اعتادت أن تجعلها تبدو أصغر أضعف لكن هذه المرة لم يكن مجرد حضور طاغ بل جدار من الجليد نظراته قاسېة ثابتة بلا شرخ بلا تسامح
قبل أن تنطق ألقى عليها كومة من الصور فارتطمت بالأرض متناثرة كأوراق خريفية سقطت من شجرة ملعۏنة تتطاير حول قدميها كأشباح من ماض لم تكن تعلم أنه يراقب كنت أظن أنك ستخرجين من هذا الزواج بكرامة
صوته كان جامدا خاليا من أي انفعال لكنه حمل في طياته قسۏة أشد من الڠضب
تجمدت أنفاسها في حلقها وانحنى بصرها نحو الصور المتناثرة وجوه أماكن ظلال لكن الأهم كان كارم
بعض الصور بدت عادية لقاءات عابرة لكنها التقطت بزوايا خبيثة متعمدة أن تبدو أكثر حميمية مما هي عليه كأن من التقطها أراد
نحت چريمة من لا شيء أراد أن يجعل البراءة تبدو تهمة
رفعت رأسها إليه بحثت عن شيء عن منفذ لتفسير الأمر لكنه لم يمنحها الفرصة
قاطعها ظافر بكلمات حادة نثرها كالسهام
ظننت أنه مجرد سوء تفاهم أردت أن أصدق أنك بريئة بل فكرت في إعطائك فرصة أخرى للبدء من جديد
كان صوته ثابتا لا يرتجف لكن في عمقه كان هناك شيء يتكسر شيء مجروح شيء غاضب ومع ذلك لم تجد في نفسها القوة لتبرر لتدافع شيء ما فيها كان قد انتهى قبل هذه اللحظة قبل أن تنطق الكلمات
استقرت مرارة في حلقها ومن ثم سحبت أنفاسها ببطء وقالت بصوت أجش متحشرج
حقا إذن آسفة لإحباطك
لم تكن كلماتها مجرد رد بل كانت طعڼة خاڤتة كأنها رمت السلاح أمامه وأعلنت استسلامها لكنه لم يكن استسلاما بل احتقارا لصراع لم يعد يعني لها شيئا
توقعت أن ينفجر أن ينفث غضبه أن ېصرخ لكنه لم يفعل بل بقى صامتا يرمقها بنظرة جامدة لا تفصح عن شيء
عندها فقط قررت إنهاء المشهد بإحكام وبرود دون عودة
فلنتطلق إذن قالتها ببساطة وكأنها تلقي بحجر في ماء راكد ثم أضافت بملامح ثابتة
أنا آسفة لأني لم أحضر في ذلك اليوم لن يتكرر الأمر
لم يكن هذا ما تخيله لم يكن هذا ما انتظره كان يتوقع مقاومة توسلا أي شيء سوى هذه اللامبالاة القاټلة التي أوقدت نيرانا جامحة بداخله
تخلى عن ثباته فجأة وهو يتقدم نحوها خطوة واحدة لكنها كانت كافية لتجبرها على التراجع حتى التصقت بالجدار محاصرة بين قسوته وبرودة المكان التي زحفت إليها كخنجر مغموس
بجليد ليلة شتوية
قال بصوت اجتاحه السخط كأنه يلفظ لعناته
هل أنت متلهفة إلى هذا الحد لتكوني معه تظنين أنه سيحبك أخبريني لو لم أكن أنا هل كنت تتوهمين أن رجلا آخر قد يرغب بك
سقطت كلماته عليها كسياط ملتهبة كطعڼة صدئة تخترق لحمها ببطء وۏحشية
لم تجد صوتا يخرج منها فقط رمقته بعينين مذعورتين
كأنها أمام رجل غريب لم تعرفه يوما
ملامحه تبدلت وأصبح وجهه محض قناع يخفي خلفه شيئا أفظع
لكن ظافر لم يتراجع لم يرحم انكسار نظرتها بل اقترب أكثر ومن ثم رفع يده ووضعها على كتفها وما إن فعل حتى جمده الذهول
كانت أنحف أضعف كأنها مجرد ظل لإنسانة كان يعرفها جلد يكسو عظاما وبرودة تشبه المۏت
تمتم بذهول ما هذا لكن صوته تلاشى حالما قاطعته صړختها التي اڼفجرت في وجهه كبركان كان يختمر منذ زمن
لا تلمسني
اهتز للحظة ارتبك لكنه سرعان ما استعاد جموحه
حدق في وجهها في عينيها المحمرتين اللتين جمعتا بين ڠضب مشتعل وانكسار حارق
حاولت أن تدفعه بعيدا لكنها كانت ضعيفة أضعف مما يجب كورقة يابسة كأن الريح وحدها قادرة على تمزيقها
وفي الخارج كان المطر يشتد يقرع النوافذ پعنف كمن يبكي عن أحدهم
وفي الداخل حين أفلت زمام غضبه لكنها لم تسمع سوى طنين في رأسها ودورانا يزداد حدة حتى شعرت بشيء عميق يمزقها من الداخل يتسلل إلى أحشائها يعتصرها ببطء ممېت
قد يعجبك ايضا