رواية أسمنجون الفصل التاسع 9 بقلم مريم عبدالقادر
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
بقلم/ مريم محمد عبد القادر
وصلت زمرد الى التمثال المجنح وكان الليل قد جالس أركان المدينة بالفعل .. ألقت نظرة فاحصة على التمثال فوجدت ما توقعته .. هناك باب صغير بين يدي التمثال الحجري كان بالكاد يسمح لمرور شخص منه وهو يسير على ركبتيه واضعا يديه على الأرض
لمعت عيني زمرد وكأنهما جوهرتان انعكس عليهما ضوء نقي براق .. لقد كان تخمينها صحيحا هذه المرة .. ما قصده برسين بكلامه عن اليدين الحجريتين هو هذا التمثال المجنح وليس النافورة .. ولكن الى أين يؤدي هذا الباب ؟
اقتربت من الباب الحجري وحاولت فتحه لكن قاطعها صرخة ألم لرجل من مكان ليس بعيد فنظرت خلف التمثال فرأت ثلاثة أشخاص على مسافة بعيدة منها كانت بالكاد ترى تفاصيل وجوههم
رجلين واقفان بدىٰ من ثيابهم أنهما جنديان ورجل ممدد على الأرض ظهر أيضا من لون ثيابه التي عرفتها زمرد جيدا أنه أحد الرهائن الذين يعملون هنا وكان أمامه على
الأرض كيس قماشي يخرج منه بعض المجوهرات والتي من الواضح أنه قام بسرقتها
ركل أحد الجنديين العامل بقدمه وقال بغضب: هل تعتقد أن هذا القدر كافٍ لإخراجك من هنا ؟
ثم قام الجندي الآخر بإخراج سيفه وقتله به فصرخ عليه صديقه بتوتر: لماذا قتلته ايه الأحمق ؟!
فأجابه وهو يجمع المجوهرات في الكيس القماشي: إن لم أفعل هذا لكان من الممكن أن يفشي سر تهريبنا للعبيد مقابل المال
فور أن رأت زمرد هذا المشهد المريع تراجعت عدة خطوات واختبأت خلف التمثال واضعة يديها على فمها في فزع شديد جعل قدميها تشل حركتها فأصبحت عاجزة عن التحرك قيد أنملة
بعد أن أخفى الجنديان جثة الرجل شعرت بهم زمرد يقتربان منها فاستجمعت شجاعتها وأخذت في السير بهدوء محاولة الابتعاد عنهم ولكن ولسوء الحظ سمع الجنديان وقع أقدامها على الحصى فقال أحدهما: من هناك ؟
كاد قلب زمرد ينخلع من مكانه وبدون أي تردد اندفع جسدها للأمام راكضًا تحاول الهرب والجنديان خلفها يحاولان الإمساك بها .. كانت تركض وهي تسمع نبض قلبها في أسفل فكها حتى اصطدمت بشخص ثالث كان يقف أمامها .. كادت تقع إثر اصطدامها به لولا أنه أمسك بكتفيها
في تلك اللحظة كانت زمرد قد وضعت نهاية حياتها إلا أنها رأت ثياب الشخص الواقف أمامها فعرفته على الفور نظرت ببطئ إليه .. فكان الشخص المتوقع يقف أمامها ينظر إليها في ذهول .. ليڤون قائد الجيش
فور أن وقعت مقلتيها على وجهه هربت الدموع من عينيها فأسرعت بالنظر نحو الأرض لتخفي وجهها
وصل الجنديان يلهثان فسألهما ليڤون : ما الذي يحدث هنا ؟
فأجاب أحدهما: لا شئ مهم على الاطلاق فقط شعرنا بحركة مريبة أثناء سيرنا فكنا نستطلع الأمر .. ولكن هذه الفتاة....
قاطعه ليڤون قائلا: هذه الفتاة ليست شخصا مريبا .. إنها بصحبتي وكنا في الطريق الى منزلها .. ولكن ألستما الحارسان الشخصيان لرئيس الوزراء ؟... فما الذي تفعلانه في وسط المدينة في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟
كاد أحدهما يجيب فنكزه الآخر في جنبه وأجاب هو وقد كان هو من قتل العامل المسكين بسيفه قبل قليل : كان رئيس الوزراء يشكي من ألم في معدته .. فأرسلنا لنجلب له طبيبا
ليڤون : حقا ..!! ألا يوجد خدم لهذا ؟
أجاب الجندي في إرتباك: تعرف أن رئيس الوزراء لا يثق بأحد سوى حرسه
ليڤون : هكذا إذا .. فهمت .. أتمنى له الشفاء العاجل إذا
خيم صمت قصير قطعه ليڤون قائلا: ألن تذهبا ؟ أم أنكما تنويان إيصالنا الى المنزل أيضا ؟
أجاب أحدهما بالنفي ثم قاما بتحية ليڤون تحية الجند ورحلا يتهامسان
جندي¹ : هل تظن أنه كشف أمرنا ؟
جندي² : لو فعل لكان قطع رأسينا على الفور أنت تعرف ليڤون لا يعطيك الفرصة لتدافع عن نفسك
جندي¹ : معك حق .. من الجيد أنه لم يكتشف
*****
كان ليڤون يعرف أنهما يكذبان ولكنه تركهما يذهبان بعد أن أدرك خوف زمرد الشديد منهما .. فقد كان جسدها يرتجف بين يديه ونبض قلبها يدوي في كتفيها
ترك ليڤون كتفي زمرد ثم قال ضاحكا : ما الذي تفعله المشاغبة هنا ثانيةً ؟
لم تجبه زمرد وظلت مطأطأة الرأس واضعة يدها على قلبها .. فحاول ليڤون المزاح معها عله يخفف عنها حالة الخوف التي استشعرها حولها ولكنها لم تستجب له .. فانحنى بجذعه لينظر الي وجهها وفور أن رآها وقد احتقنت عيناها بالدموع شعر برجيف قلبه ولم يستطع أن ينبس ببنت شفه
بعد مدة قصيرة بدأت زمرد تسير بخطوات مرتجفه متجهة نحو البيت وماتزال خافضة عينيها الي الأرض وليڤون يسير خلفها صامتا .. حتى وصلت الى حانوت السيد هيرمان فدخلت اليه في هدوء وأغلقت الباب خلفها برفق لكن ليڤون ظل واقفا أمام الباب لبعض الوقت حتى غادر أخيرا وهو يلتفت بين الحين والآخر يلقي نظرة على الحانوت
كانت زمرد تشعر بالخوف مما رأت ليلة أمس ولكن كان يزاحم هذا الخوف في قلبها شعور أخر ربما هو إعجاب أو شئ كهذا فموقف ليڤون بالأمس وإنقاذه لها مازال يتردد صداه داخل عقلها .. ظلت تفكر طوال الليل ولم ينم لها جفن حتى قطع شرود ذهنها طرقات على باب غرفتها
فتحت الباب فإذا بالسيد هيرمان يقف أمامها وفور أن رآها اجفل من مظهرها فقد كان الخوف والقلق قد تمكن منها فبدت هزيلة ومتعبة للغاية
هيرمان : زمرد ما الذي حدث لك ؟
زمرد : لا شئ يذكر .. آسفة على تأخري سأنزل حالا لأبدأ بالعمل
كادت زمرد تخرج من غرفتها ولكن السيد هيرمان دفعها برفق الي داخلها مرة آخرى وهو يقول: الى أين ستذهبين وأنتِ في هذه الحالة؟ عليك أن تنالي قسطا من الراحة
زمرد : أنا حقا بخير .. لقد كنت أتكاسل مؤخرا لذا لابد لي من الانضباط في العمل الآن
هيرمان : ستأتي السيدة جومرا غدا بالأحجار الجديدة لذا سيكون لدينا الكثير من العمل فخذي قسطا من الراحة اليوم وغدا تعودين
زمرد : اعتذر إليك حقا على ازعاجك وأشكرك كثيرا على لطفك معي
خرج السيد هيرمان وأغلق الباب خلفه ونزل الى الطابق السفلي ليبدأ يومه وبعد فتره وجيزة من فتحه لحانوته دخل ليڤون من الباب كان يجول بعينه داخل الحانوت وكأنه يبحث عن شئ ما .. فقال له السيد هيرمان بصوته الضاحك: لن تعمل اليوم
ليڤون : المعذرة! !
هيرمان : أنت تبحث عن زمرد أليس كذلك ؟ هي لن تعمل اليوم فلا جدوى من البحث عنها
ليڤون : هل ماتزال تشعر أنها ليست بخير
هيرمان: هل تعرف ما بها ؟ لقد عادت في وقت متأخر ليلة أمس وكانت تبدوا متعبة للغاية هذا الصباح
ليڤون : قابلتها بالأمس وأنا أقوم بدورية في المدينة ..
كانت تبكي ولكنها لم تخبرني بما حدث
هيرمان : سيكون هذا صعبا فلا تبدو زمرد من النوع الذي يخبر أحدا عن ما يزعجها كباقي الفتيات هنا .. ولكن لماذا السيد قائد الجند يترك عمله ويأتي ليحوم حول فتاة صغيرة سترحل يوما؟ هل يعقل أنه يكن لها مشاعر من نوع ما ؟
ارتبك ليڤون وقال بصوت متوتر: أنا لا أحوم حول أحد .. إنه فقط ...
أردف هيرمان باستهزاء : الفضول
ليڤون : أجل .. إنه الفضول فحسب
ابتسم السيد هيرمان وربت على كتف ليڤون وقال: لا بأس عليك أيها الشاب فمازال أمامك الكثير لتمر به في الحياة ولا يوجد شئ خاطئ في إعجابك بفتاة ما فهذه هي سنة الحياة
صمت للحظة ثم أكمل مازحا: خاصة إذا كانت زمرد
لم يجب ليڤون على كلمات السيد هيرمان ثم رحل بعد وقت قصير للغاية وهو يفكر في زمرد وما حدث معها