رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع 7 بقلم سيلا وليد
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "
+
كأنَّكَ رسالةُ شوقٍ..
نسيَ ساعي البريدِ في أيِّ صندوقٍ وضعها..
قل لي برِبك..
أينَ يُباعُ الكره....
لأكرهكَ بحجمِ حبِّي لَك…
قل لي بربِِّك..
أينَ يُباعُ النِسيان..
لأستطيعَ نسيانَك…
بقدرِ إشتياقي..
قل بربِّكَ كيفَ أكونُ أنا بلا أنت...
تأخَّرَ شتائي..
أحتاجُكَ بالقربِ لتُمطر..
أعترِفُ لك ..
لاااأستطيعُ أن أتجاوزَك ..
فأنتَ وحدَكَ محطَّتي الأخيرةَ ولاشيئٍ بعدَك ..
وإن فقدُتكَ فليسَ لديَّ ما أخسَرهُ أكثر ..
وإن بقيتَ فلاااشيئٍ قد أتمنَّاهُ بعدَك ..
صرتُ أراكَ حينَ لاااأراك..
تبًّا لقلبٍ صارَ يهذي من هواك..
أيكونُ عِشقي ضربًا من جنون؟…
أهوَ جنونٌ إن لم أرَ في الدنيا سِواك؟…
+
أمام البوابة الرئيسية لفيلا السيوفي، ترجلت ميرال من سيارتها ، واتجهت تتطلع إلى امتناع الأمن عن دلوف رانيا للداخل، اقتربت متسائلة:
-في ايه ؟!.
أشار أحد رجال الأمن إليها
-المدام ممنوعة من الدخول ياهانم، وهي مصرة تدخل
رمقتها رانيا بنظرة سريعة
-أنا لازم أقابل فريدة أو إلياس السيوفي
+
توقَّفت ميرال:
نعم.. تعرَفي جوزي منين؟!..
اقتربت منها تطالِعها بتعمُّقٍ وأردفت متسائلة:
إنتِ بنتِ فريدة ولَّا…قاطعهما إسلام الذي وصلَ يحاوطُ كتفَ ميرال:
حبيبتي اتأخرتي ليه؟..
استدارت ترمقُ رانيا:
المدام كانت بتسأل على ماما..
ماما !! تساءلَ بها إسلام..بسطَ كفِّه:
أهلًا بحضرتِك..تعمَّقت بالنظرِ إليه:
إنتَ إلياس..هزَّ رأسهِ بالنفي فهزَّت رأسها متذكِّرةً صورتهِ يومَ زفافه، رسمت ابتسامة:
أه افتكرت ..قاطعها وتحدَّثَ بمغذى:
إلياس السيوفي تُقصدي ..
هوَّ أخوك ثمَّ أشارت على ميرال:
ودي أختك إزاي؟...اقتربَ منها وهو يضعُ كفَّيه بجيبِ بنطالِه:
هوَّ حضرتِك جاية تسألي عن شجرةِ العيلة!..آسف بس ليه بتسألي…
ابتلعت ريقها بصعوبة، وتلعثمت وعينيها على ميرال:
أبدًا كنت عايزة أسألُه عن حاجة.
حاجة، طيِّب ليه ممنوعة من الدخول، هيَّ ماما تعرفِك؟..
ماما!! قصدَك مين؟..
كانت تقفُ تطالعُها بصمتٍ وهي تتحدَّثُ مع إسلام إلى أن فجأة قطعت حديثها:
إنتِ تعرفي ماما فريدة؟..
هزَّت رأسها بالنفي واستدارت متحرِّكةً لسيارتها سريعًا...
استقلت السيارة ونظراتها على اسلام وميرال، ثم رفعت هاتفها
-عايزاك تعرف كل حاجة عن ولاد السيوفي، وكمان البنت اللي اسمها ميرال دي، دي اختهم ازاي وكمان مرات ابنهم الكبير ..قالتها وأغلقت الهاتف وهي تنظر إلى الفيلا
-مفكرة بيهم هتقدري تبعدي عن شري يافريدة، وحياة وجعي السنين دي كلها منك ومن راجح وجمال لاحرق قلبك عليهم كلهم، شكلهم بيحبوكي معرفش ليه، بس البنت دي ازاي بنتك، معقول تكون بنتي ..هزت رأسها
-لا لا ..ذهبت بذاكرتها تهمس لنفسها
-البنت شبه راجح وجمال فعلا، وبعدين، لازم اصرف اعمل ايه علشان اتأكد، البنت دي مش شبه فريدة
ضيقت عيناها تهز رأسها
-التحليل لازم اعمل التحليل ..
1
عندَ فريدة:
انحنى راجح يحاوطُ المقعدَ الذي تجلسُ عليهِ قائلًا:
دوَّرت عليكي كتير يافريدة، كنتي فين وإزاي عرفتي العنوان ...
دفعتهُ بحقيبتها تشيرُ إليهِ بغضبٍ اندلعَ من عينيها:
اسمعني ياراجح ..قالتها بدفعِ إلياس الباب َمع اعتراضِ السكرتيرة، توقَّفَ متسمِّرًا يوزِّعُ نظراتهِ بينهما، ووضعيةِ حقيبتها التي تدفعُ بها راجح ..اقتربَ منهما مع ارتجافِ جسدها من نظراتِ إلياس إليها، دلف للداخل باعتدال راجح
-إلياس باشا!!
دلف بخطوات مميتة لقلبها وهي تطالعه بصدمة كيف علم بوجودها، جذب المقعد مع بسط راجح يده للسلام عليه ولكنه تجاهله، رفع عيناه إلى راجح ثم أشارَ إلى السكرتيرة:
قهوتي سادة، وقهوة طنط فريدة مظبوطة، مش كدا ياماما فريدة؟..
قالها بعدما جلسَ يضعُ ساقًا فوق الأخرى، وأخرجَ سجائرهِ ينفثُها بهدوءٍ رغمَ احتراقِ داخلهِ من رؤيةِ راجح قريبًا منها ...
جلست فريدة وعينيها عليه، تعلمُ أنَّهُ لن يصدِّقها فصمتت تطبقُ على جفنيها للحظاتٍ تحاولُ أن تسحبَ نفسًا، بعدما شعرت وكأنَّ جدرانَ الغرفةِ أطبقت على صدرها..
رانَ صمتٌ مميتٌ بالغرفةِ إلى أن قطعهُ إلياس وهو ينظرُ إلى راجح:
الذي مازال متوقفًا مذهولا من دخوله بتلك الطريقة، استدار إلى مقعده وجلس عليه، ينظر إلى إلياس الذي طالعه وهو ينفث سجائره قائلًا بنبرة يشوبها الثقة والغرور
+
اتقابلنا تاني، بس ماعتقدشِ المرَّة دي هاتكون زي المرَّة اللي فاتت.
توقَّفَ راجح من مكانهِ واستدارَ يجلسُ أمامهِ بكلِّ عنجهية وتكبُّر، يهزُّ رأسهِ باستخفاف:
مكتبي نوَّر بيك ياحضرة الظابط..
نفثَ إلياس تبغهِ وعيناهُ تخترقُ استخفافَ حديثُ راجح، فتراجعَ مستندًا على المقعدِ وهتفَ بنبرةٍ ممزوجةٍ بالتعظيمِ والتكبُّرِ لشخصه:
طبعًا لازم المكتب ينوَّر، ومش المكتب بس الشركة كلَّها، هوَّ أنا قليل ولَّا إيه، اللي قاعد قدَّامك إلياس السيوفي ..
اتَّجهَ بنظرهِ إلى فريدة وتابعَ حديثهِ وعينيهِ تخترقُها:
وكمان عندَك مدام مصطفى السيوفي، ودي لوحدها يقفلَها الكل وانت اولهم، فريدة هانم السيوفي لوحدها مجرد اسمها في المكان الكل يقدم الولاء والطاعة مش كدا ولَّا إيه…
أومأَ راجح وأردف:
مدام فريدة الكل لازم يوقفلَها، أصلك ماتعرفش قيمتها بتكون إزاي، فيه حاجات ماتعرفهاش ياحضرة الظابط..
+
أحسَّ بقبضةِ تعتصرُ فؤادهِ ورغمَ ذلكَ رسمَ ابتسامة:
لا، عارف ومقدَّر مكانة ماما فريدة مش حضرتَك اللي هاتقول..
متأكِّد ياحضرة الظابط ..انحنى إلياس بجسدهِ يردُّ بصوتٍ خافتٍ ورغمَ هدوئهِ إلا أنَّهُ أخرجهُ كالرصاصاتِ التي تستقرُّ بالصدرِ حينما قال:
إعرَف قدرِ نفسَك ياراجح بيه..واحمد ربنا اني جتلك، اصلي لو بعت اجيبك هيكون فيها كتير
+
أفلتَ ضحكةً بعدما علمَ بذكائهِ وأردف:
عارف ومقدَّر ياحضرةِ الظابط، بس إعرَف إنِّ في أسد غزالتُه هربت منُّه، قالها بمغذى وهو يشيِّعُ فريدة بنظرةٍ خبيثة.
حرَّكَ إلياس فمهِ يمينًا ويسارًا ينظرُ إلى فريدة نظراتٍ لم تفهم معناها، لتتأرجح عيناها بحيرة لما يفعله، ابتعد بالنظر عنهاثمَّ التفتَ إليه:
أسد مريض بيجري ورا غزالة ضعيفة، حدجَ فريدة بنظرةٍ واستطرد:
العيب مش في الأسد المريض، العيب في الغزالة اللي ماعرفتشِ تبعد عنُّه لحدِّ مااستضعفها..
أخرجَ راجح سيجارتهِ ينفثُها ويطالعهُ بنظراتٍ توحي الكثير والكثير قائلًا:
مش يمكن الغزالة بتلعَب بالكل علشان تهرب زي ماهربت؟..
خنجر غرز في جدار كبريائه قبل صدره، ابتلع إهانته بغضب يحرق احشائه ظهر بنفور عروقه، ثم
فتحَ فمهِ للرد ولكنَّها توقَّفت تصرخُ بهما:
شغل المخبرين دا مش عايزاه، اتَّجهت بنظراتٍ محتقرةٍ إلى راجح وهتفت بصوتِ مرتفع:
إبعد عنِّي إنتَ ومراتك ياراجح، ماتخلنيش أطلَّع فيك ظلمِ السنين كلَّها، هبَّ من مكانه:
ظُلم، وقتلِك لبنتي دا إيه، أشارت بيديها بعدما فقدت أعصابها وحاولت إخفاءَ أمرَ ميرال لتهتف:
زي ماقتلت ولادي ..صرخَ بصوتٍ جهوري:
ولاد مين، ولادِك اللي بعتيهم علشان تهربي مع عشقيك… قست عيناه بوميض الغضب الذي تجلى بمقلتيه كالهيب مشتعل فهدر بصوت أفزع الأثنين:
+
بااااااس..قالها وانتفضَ من مكانهِ كالأسدِ الذي يريدُ أن ينقضَّ على فريسته، دنا من راحج وهتفَ من بينِ أسنانه:
+
أنا مابحبِّش أتكلِّم كتيير، أنا عارف الماضي كلُّه، وكلِّ واحد فيكم أخد حقُّه، توقَّفَ عن الحديثِ بعد دخولِ العاملِ بالقهوة..
هوت فريدة على المقعدِ وانتفضَ جسدها بالرُّعب، من تحوِّلِ إلياس وحديثهِ الذي علمت أنَّهُ النهاية، برودة اجتاحتها وهي تتابعُ حديثهِ ظنًّا أنَّهُ سيصدِّقهُ ويخذلها ...أشارَ إلياس إلى راجح بغضب:
+
هاتقرَّب على حد من العيلة همسحك من على وشِّ الأرض، إبعد عن عيلتي، الست اللي قاعدة قدَّامك دي مرات مصطفى السيوفي، انت فاهم يعني ايه، وكمان في مقامِ والدتي، ومهما عمَلِت هتفضل في مقامِ والدتي، أنا مارضتشِ أقرَّب منَّك وسايبك إنتَ والمدام اللي مش مبطَّلة تدوَّر ورانا، شكلها ماتعرفشِ مين همَّا عيلة السيوفي ..اتَّجهَ بنظرهِ إلى فريدة التي تطالعهُ بذهولٍ لم تكن تتوقَّعُ حديثه، اقتربَ منها وساعدها على الوقوفِ يحملُ حقيبتها التي سقطت من يدها وتحرَّكَ للخارج، توقَّفَ لدى بابِ المكتبِ واستدارَ إلى راجح:
عملت معاك واجب لمَّا عرفت ابنك مالوش في السياسة، ودا ماحدِّش بيعملُه في منصبي ماتخلنيش أتراجع عليه، وعايز أقولَّك صلة القرابة بس اللي شفعتلَك عندي، علشان كنت في يوم من الأيام جوزها، وأنا بشفع مرَّة واحدة..وبعدها أغطي عليك بالتراب واعدي وأنا بدوس كمان، بتكلم بعقلي، يكفيك شر جنان إلياس السيوفي لما بيخرج جنانه على حد، اقترب منه خطوة وعيناه تحرق وقوفه وهمس بفحيح اعمى
-هخليه عبرة لمن لا يعتبر، حتى لو كان أقرب الناس ليا، ابعد عن طريقي علشان مكرهكش نفسك، ومتفكرش سنك هيشفعلك، ياااا راجح بيه، وراك على النفس
قالها تحرَّكَ مغادرًا تاركًا راجح على لهيبٍ مشتعل..بدأ يحطم كل تطاله يده، حتى أصبح المكتب ، شظايا مبعثرة، اتجه سريعًا إلى هاتفه
-مستعد أعمل اللي عايزه النهاردة قبل بكرة بس تخلصي لي من واحد النهاردة قبل بكرة
صمت يستمع إلى الطرف الآخر قائلا
-هبعتلك كل اللي يخصه ..
جلس يمسح على وجهه بعنف
-حتة عيل يعمل في راجح الشافعي كدا، طيب يابن السيوفي لو محصرتش ابوك عليك ..مبقاش راجح
+
عند فريدة وإلياس
كانت تتحرَّكُ بجوارهِ تنظرُ إليهِ بسعادةٍ تنبثقُ من عينيها، ودَّت لو تضمُّهُ لأحضانها، ودَّت لو تصرخَ بأعلى صوتها تخبرُ الجميعَ بأنَّهُ وليدها قرَّةُ عينها.
+
فتحَ بابَ سيارتهِ وأشارَ إليها بالجلوس، مشيرًا للسائقِ الخاصِّ بها بالمغادرة، تحرَّكَ بالسيارةِ وهو يقطعُ المكانَ بسرعةٍ جنونيةٍ وكأنَّ أحدَهم يطوِّقهُ بطوقٍ من النيران، ظلَّ محافظٌ على تماسكهِ حتى لا يصلَ إليها ويلقيها صريعةً على أفعالها المتهوِّرة، فهو منذُ عودتهِ من شهرِ عسلهِ علمَ بزيارةِ رانيا من خلالِ فريقهِ الأمني، الذي أخبرهُ بأنَّها تبحثُ خلفَ فريدة.
+
نظرت لسرعتهِ الجنونيةِ فأردفت بخفوت:
حبيبي بالرَّاحة، العربية كدا ممكن تتقلِب، شيَّعها بنظرةٍ مع ابتسامةٍ ساخرة:
خايفة يحصلِّك حاجة وإنتِ معايا؟..
لا، خايفة عليك يابني ..توقَّفَ فجأةً حتى كادت السيارةُ تنقلبَ بسببِ سرعتهِ المتهوِّرة، ولولا تحكُّمهِ بالقيادةِ بعد دورانِ السيارةِ عدَّةِ مرَّاتٍ للقيا حتفُهما لا محالة..
توقَّفَ ينظرُ إليها بأنفاسٍ متسارعةٍ وكأنَّهُ بحلبةِ مصارعة، ثمَّ اتَّجهَ بأنظارهِ إليها:
أنا مش ابنك ولا عمري هاكون ابنك، مانكرشِ كنت بعتبرِك زي والدتي السِّت اللي فتحتلِك بيتها واعتبرتِك أختها وأمِّنتك على ولادها وإنتِ في الآخر طلعتي شيطانة، خطَّطي لحدِّ ماوصلتي للي إنتِ فيه.
انسابت عبراتها تهزُّ رأسها فتحدَّثت من بينِ بكائها:
ليه بتحمِّلني موتها ياإلياس، والدتَك كانت مريضة وإنتَ عارف إنَّها كدا كدا كانت ميِّتة..
+
أاااه كنت عارف أنَّها ميتة، زي ماكنت عارف إنِّك أطيب خلقِ الله، بس عملتي إيه.. كذبتي علينا وعليها، استخدمتي حنانها لغرضِك..
اسمعني اللي إنتَ سمعتُه مش الحقيقة..
ضربَ كفَّيهِ ببعضهما يردِّدُ كلماتها ثمَّ اقتربَ يغرزُ عيناهُ بمقلتيها:
ليه مش المدام ألِّفت على بابا أنَّهم قتلوا جوزها وعمِّ بنتها عايز يتجوِّزها غصب، مش المدام اللي خافت يوصلَّها طليقها علشان يبيِّن حقيقتها..
خلِّت بابا اللي عمرُه مااتَّبع طريق الشر إلَّا معاكي ..إيه يامدام مش تاخدي بالِك إن العيِّل الصغير كبر…
إلياس ..أشارَ بسبَّباتهِ محذِّرًا:
مش عايز أسمع حاجة، كفاية اللي سمعتُه الأيام اللي فاتت، دلوقتي علاقتي بيكي إنِّك أم مراتي وبس، وحق بابا عليَّا ماتطلبيش منِّي أكتر من كدا..أكتر حد بكرهُه في الدنيا الكدَّاب المخادع..
قالها وقامَ بتشغيلِ السيارة، وضعت رأسها على النافذةِ تنظرُ للخارجِ وانسابت عبراتها بصمت، تعلمَ أنَّها أخطأت في بادئِ الأمر ولكن كيفَ لها أن تثقَ بهم..
وصلَ بعد قليل، ترجلَّت من السيارةِ دونَ حديثٍ ودلفت للداخل ..بالأعلى بغرفةِ ميرال أنهت استحمامها، خرجت على صوتِ هاتفها.. توقَّفت أمامَ المرآهِ تبعدُ منشفتها عن خصلاتِها وأجابت:
أيوة يادودي..
ميرو أنا في المكتبة كنتي عايزة أجيبلِك إيه نسيت..تبسَّمت وهي تجذبُ كريماتها قائلة:
عايزة كتاب تشارلز ديكنز ياقلبي، لو لقيتيه ..
تمام ياجميلتي، اشتريت حاجات هاتعجبِك أوي، وجبت لإلياس هدية كمان بس إياكي تعرَّفيه.
فردت الكريم على يديها تنظرُ لنفسها بالمرآةِ وشعرت بالحزنِ قائلة:
ماتخافيش مش هاقولُّه حاجة ..قالتها وأغلقت الهاتفَ، جلست لبعضِ الدقائقَ ونظراتها على هيئتها بالمرآة حتى شردت بحياتِها دونَ أن تشعرَ بدلوفِه، توقَّفَ يطالعُها بنظراتٍ هائمةٍ وكلَّ الأشواقِ تناديهِ أن يسحقَ عظامها، أسبوعًا كاملًا عاقبَ نفسهِ وعاقبها بالبعد، حتَّى احترقَ داخلهِ من الاشتياق ..دنا منها وانحنى يحضنُها من الخلفِ دافنًا وجههِ بعنِقها، هبَّت فزعة حينما شعرت بأنفاسهِ الحارَّة
+
إشش إهدي أنا ..ألقت مابيدها وتراجعت مبتعدةً عنه:
عرفت أنُّه إنتَ، تجوَّلَ بنظراتهِ على جسدِها وهي ترتدي ثوبَ الحمَّامِ ليظهرَ معظمَ جسدها أمامه، توجَّهَ إلى غرفةِ ثيابهِ بعدما تراجعت تضمُّ فتحةَ روبها..
ماتخافيش مش هاقرَّبلِك، جيت آخد شوية هدوم…
شوية هدوم..قالتها بذعرٍ ظهرَ على ملامحها، تحرَّكت خلفهِ تجذبهُ من ذراعه:
طيِّب الأوِّل لمَّا كنت بتغيب عن البيت بقول علشان عايز تبعد عنِّي ومش طايقني، دلوقتي ليه بتبعد؟..
لنفسِ السبب قالها وهو ينزعُ قميصه، توقَّفَ بعدما فكَّ أزرارهِ ينظرُ إليها:
هتفضلي واقفة كدا عايز أغيَّر هدومي..
لحظات وهي تطالعهُ بنظراتٍ خلت من الحياة..استدارت للخارجِ دونَ حديث، وما إن اختفت عنهُ حتى اكتساهُ الحزنَ وسقطت ملامحُ بروده، لتتحرَّكَ بخطواتٍ متعثِّرة، ودموعها تفترشُ خطواتَها، اتَّجهت إلى مكتبها ودلفت للداخلِ تغلقُ البابَ خلفها ثم خرجت إلى الشرفة، فتحتها بدموعِ عينيها تنظرُ للخارجِ بضياع، ماذا فعلت لكي تجني ذاكَ العشقُ المتألِّم ..جذبت المقعدَ وجلست تضعُ ذقنها على ركبتيها التي رفعتها تستندُ عليها…
بالخارجِ ألقى مابيدهِ يزفرُ بغضبٍ على ماتوصلَّت الحياةُ بينهما، جلسَ يُرجعُ خصلاتهِ للخلفِ بعنفٍ حتى كادَ يقتلِعُها، تنهيداتٍ متحسِّرةٍ حتى شعر بتوقُّفِ دقَّاته..ورغمَ حربهِ مع نفسهِ ومايشعرُ من فوضى بداخلهِ لم يقوَ على التحكُّمِ باشتياقِه، ودقَّاتِ قلبهِ العنيفة، نهضَ واتَّجهَ إليها يبحثُ عنها، ذهبَ لغرفةِ مكتبها ولكنَّهُ وجدها مغلقة، دبَّ الذعرُ بأوصاله، طرقَ عليها الباب عدَّةَ مراتٍ ولكن لا يوجد رد، انهارت حصونهِ بالكاملِ وعقلهِ يصوُّرُ لهُ أشياءً مفزعةً لا يستطيعُ القلبُ تقبُّلها، دفعَ البابَ بقدمه بقوَّةٍ عدة مرات إلى أن انفتح، دلفَ يبحثُ عنها بلهفةٍ ودقَّاتُ قلبهِ كجرسِ معبدٍ للتعبُّد، ذهبَ ببصرهِ إلى جلوسها بتلكَ الطريقة، نزفَ قلبهِ حتى شعرَ وكأنَّ أحدُهم انتزعهُ من صدره، دنا منها بخطواتٍ متمهِّلة، وصلَ إليها وجلسَ خلفها يجذبها لأحضانهِ بقوَّةٍ حتى شعرت بسحقِ عظامها ..أغمضت عينيها تمنعُ دموعها التي تكوي جفنيها، أخرجها من أحضانهِ يحتضنُ وجهها:
زعلان منِّك، ومش قادر أزعَّلِك..
حاوطت عنقهِ وهنا انفجرت بالبكاءِ بعدما فقدت سيطرتها...نهضَ وحملها متَّجهًا إلى غرفتهما ليلبِّي نداءَ قلبيهما بالاشتياقِ الكامنِ بصدرِهما، ويعزفُ لها لحنهِ الأثيرَ ليعلِّمها أنَّ جميعَ لغاتِ المعاجمِ تخلو مما يشعرُ به الآن وهي بداخلِ أحضانه، لم يجد مايعبِّرُ به عمَّا ينتابهُ فلقد تسرَّبت واستوطنت ثنايا الروحِ والقلب…
همسةٌ ضعيفةٌ خرجت من بينِ شفتيها بإبعادهِ عنها، أسبلَ عيونهِ بوميضِ الغضبِ معتدلًا:
تاني ياميرال، تاني.. قالها وهو يجذبُ قميصه، تشبَّثت بذراعهِ تهزُّ رأسها:
إلياس أنا تعبانة، تعبانة منَّك ومن حياتي اللي ماعرفشِ إنتَ واخدنا على فين..
شهقةٌ خرجت من ثنايا روحها قبلَ قلبها ترفعُ أكتافها تنظرُ حولها بضياع:
عجبَك كدا، قولِّي إيه أهمية جوازنا، وإنتَ عايش بعيد عني ونبذني من حياتَك، قولِّي إيه فايدة جوازنا وأنا لوحدي وكأن مفيش حاجة اتغيَّرت بالعكسِ الأوِّل كان أفضل..
نهضت من مكانها وتوقَّفت أمامه:
ليه بتعاملني كدا، علشان غلطت، ماكلنا بنغلط إنتَ مبتغلطش، ليه منتظر مني غلطة واحدة علشان تمسحني من حياتَك، ليه الضغط والصراع دا، مش متحمِّل وجودي عرَّفني ووعد هبعد عنَّك بس أكون عارفة حدودي، رفعت كفَّيها وأدارت وجههِ إليها تنظرُ بعمقِ عينيه:
لو شايف قربي منَّك بيخنقَك ومش قادر تتحمِّل هبعد بهدوء ووعد محدش هيعرف بس أكون عارفة أنا عايشة إزاي، ولو خايف أعمل مشاكل وعد مني هانسحب ولا كأنَّك قرَّبت حتى..
جذبها بقوَّةٍ لأحضانهِ ولفَّ ذراعيهِ حولَ جسدها يضغطُ بقوَّةٍ على خصرها مما جعلها تتألَّم، ورغم آلامها تعلقَّت بعينيهِ التي تحدجها بلهيبٍ مستعر، انحنى من خاصَّتها يهمسُ بفحيح:
قدرِك قدري، إنسي إنِّي أتنازل عن اللي قهرتني، بلاش أسلوب الدموع دا علشان مفيش حاجة تشفعلِك عندي غير قلبك اللي بيدُق باسمي وبس، ووقت ما يوقف النبض باسمي، هقسمهولِك نصِّين، بلاش تشغلي نفسِك بالتفكير علشان هتتعبي، أنا سألتِك قبلِ ماأقرَّب منِّك موافقة نكمِّل حياتنا، وإنتِ وافقتي، خلاص مبقاش فيه رجوع إلَّا إذا حد مننا يموت…
ملَّست على وجنتيهِ وعانقت عينيه:
يعني هتفضل تعذِّب فيَّا طول حياتك، إنتَ كدا مبسوط، وسعيد ببعدَك عنِّي، عايز تعرَّفني إنَّك سعيد وإنتَ شايفني بنهار على بُعدك…
+
دفعها على الفراشِ خلفها وحاوطها بجسدهِ ينظرُ لجسدِها بعيونٍ راغبة:
مين قالِّك أنا سعيد، مين اللي قالِّك أنا مرتاح، اقتربَ منها واحتضنَ ثغرها بقبلةٍ عاشقةٍ ثمَّ وضعَ جبينهِ فوقَ خاصتها وأااه بأنفاسهِ الحارقةِ تلفحُ بشرةِ عنقها الناعمةِ يهمس:
افتكري قولتلِك حبُّك نار ياميرال، بتحرَق اللي يقرَّب منِّي، وإنتِ لعبتي على الوتر دا، متستخفِّيش بقلبي دا لو عايزة تفضلي بقلبي…
نظراتٍ جانبًا منها سعيد وجانبًا منها حزين لتهمس:
طيب لمَّا زعلان من البعدِ ليه بتبعد، قلبك مش قالَّك كفاية عليها عذاب، مصعبتِش عليك؟..
لا، مصعبتيش عليَّا قالها سريعًا، وهو يحرِّكُ أناملهِ على عنقها وفتحةِ صدرها التي ظهرت أمامهِ وعينيهِ تتعلَّقُ بعينيها وتابعَ حديثه:
مش إنتِ شايفة جوازي منِّك رغبة وبس، مش دا كلامِك، شايفة اشتريتِك جارية، ليه تصعبي عليَّا…
+
تحجَّرت عيناها بالدموعِ ليغمضَ عينيهِ حتى لا يضعفَ أمام فتنتها الهالكة لا محالة، حاوطت عنقهِ تهمس:
وحشتني أوي، فتحَ عينيهِ لتتعلَّقَ بعيونها السوداء التي تلوَّنت بالدماءِ لكثرةِ بكائها، رفعَ كفِّهِ يملِّسُ على خصلاتها:
وبعدين معاكي، عايزة منِّي إيه.. أقرَّب تقوليلي إبعد، أبعد تقوليلي قرَّب، ماهو لو ناوية تجنِّنيني فإنتي فعلًا جنِّنتيني..
سيبِك من جنانِك دا وإعقلي بقى..
تؤ..قالتها بهمسٍ خافتٍ لتقضي على تمسُّكهِ ولم تكتفي بذلكَ لتقرَّبَ رأسهِ تهمسُ له:
مجنونة بحبَّك مش محتاجة تجنِّني..
تعلَّقت الأعين وارتفعت النبضاتُ بالعزفِ وهي ترى مدى تأثيرها عليهِ حينما همست بحبُّهِ مرَّةً أخرى لتسقطَ أقنعةُ البرودِ وتعلنُ طبولَ القلوبِ بالعزفِ المنفرد، الذي عبَّرَ كلٍّ منهما بطريقتهِ الخاصة…
+
بعدَ فترةٍ ليست بالقليلةِ كانت تتوسَّدُ ساقيهِ وهو يعملُ على جهازه، وجدَ إشعار برسالةٍ لأحدهما على جهازه، مع صور أمامِه...تفحَّصَ الصورَ أمامهِ ليرسلَ إلى الآخر:
تراقبُه كويس، دوَّنها وقامَ بإرسالها، ذهبَ ببصرهِ للتي تهمس:
هدِّي المكيف بردت، جذبَ من جوارهِ غطاءٍ خفيفٍ ووضعهُ فوقها، ثمَّ ملَّسَ على خصلاتِها:
لو لسة بردانة أجبلِك حاجة تلبسيها، هزَّت راسها بالنفي تحتضنُ ساقيهِ قائلة:
وجودَك مدفِّيني، المكيف اللي كان عالي ..انحنى يهمسُ بجوارِ أذنها:
هخلَّص شوية شغل وأخدك في حضني..رفعت عينيها تنظرُ إلى وجهه القريب:
كويس إنَّك حسيت ببعضِ واجباتك..
أطلقَ ضحكةً مرتفعة:
ليه أنا مقصر في واجبي؟..هزَّت رأسها بإرهاق؛
هوَّ إنتَ عملت أي واجب أصلًا علشان تبقى مقصَّر ..ألقى جهازهِ المحمول وانحنى يحملُها قائلًا:
عندِك حق ماأنا اللي دلَّعتِك زيادة عن اللزوم، نظرت حولها برعب:
إلياس واخدني فين..أنزلها بكابينةِ الحمَّام وقامَ بفتحِ المياهِ دونَ قبل أن تعترض..
دا أوِّل واجباتي ياروحي كنت مقصَّر فيها، صرخت تحتَ المياهِ الباردة ولم تشعر بإغلاق الزجاجِ عليهما، برقت عيناها تطالعهُ بذهول:
إنتَ هتعمل إيه؟..
هعمل الواجب، مش أنا تلميذ فاشل، عندِك حق، قالها وهو ينزعُ ثيابهِ لتصرخَ تواليهِ ظهرها تضربُ أقدامها بالأرض..وضعَ كفِّهِ على شفتيها يجذبها إليه:
إشش هتفضحينا، بطَّلي غباء، واللهِ لأحمِّيكي ومش هخرج حتى لو لمِّيتي البيت كلُّه..
بعدَ فترةٍ كانت تغطُّ بنومٍ عميقٍ بعدما مرَّت بأيامٍ ثقال وهو يعاقبها بأشدِّ عقابه..أنهى بعضَ أعمالِه، نهضَ يضعُ أشيائهِ بمكانها المخصَّص، ذهبَ ببصرهِ لذاكَ الصندوقِ الذهبي، اتَّجهَ إليهِ وقامَ بفتحه، وجدَ بهِ ذكرياتِ طفولتها مع عائلتها، لمسَ صورةً وهي بالصفِّ الثالثِ الثانوي تُقبِّل مصطفى أثناءَ تكريمها لتفوِّقها ..ملَّسَ على ملامحها الطفولية مبتسمًا على ذاكَ اليوم..
عادت بعد تكريمها، كان يسبحُ بالمسبح، وصلت إليهِ وعقدت ذراعيها أمامَ صدرها:
ممكن أعرف مجتشِ حفلةِ التكريم ليه؟..
خرجَ من المسبحِ يجذبُ منشفتهِ وتحدَّثَ بنبرةٍ باردة:
مبروك، كنت هباركلِك هنا، وبعدين كلُّهم معاكي، مجتشِ عليَّا، اقتربت منهُ تطالعهُ بحزن:
وجودَك كان مهم ياإلياس، تحرَّكَ أمامها وكأنَّها لم تحادثهُ لبعضِ الخطواتِ ثمَّ توقَّفَ بعدما وجدَ وقوفها:
شايفِك اتكرَّمتي وجيتي من غيري فين الأهمية في وجودي..
تعلَّقت بنظراتهِ لبعضِ اللحظاتِ ثمَّ تحرَّكت للداخل:
آسفة إن كنت ضيقتِ حضرةِ الظابط..قالتها وتحرَّكت دونَ حديثٍ آخر..
استني عندِك، نظرت أمامها تضغطُ على شفتيها بقوَّةٍ حتى لا تنسابُ دموعها.
أنا قدمتلِك إعلام زي ماإنتِ عايزة مع إنِّي مش مقتنع بالمجال دا، وطبعًا هتختاري صحافة ..دنا ينظرُ بمقلتيها:
لو ناوية على الإذاعة هحولِك أي كلية تانية، علشان منتعبشِ بعض في كُترِ الكلام هتدخلي صحافة ..قالها وتحرَّكَ من أمامها دونَ إضافةِ شيئٍ آخر…
بعد أسبوعين ..استمعت إلى طرقاتٍ على بابِ غرفتها ثمَّ دلفَ بعدَ السماح..
دلفَ للداخلِ وجدها تشاهدُ بعضَ البرامجَ السياسية، اقتربَ وجلسَ بجوارِها بعدما تابعت التلفاز دون أن تعيرهُ اهتمام..
كلمِّت بابا يعينلِك سواق ياخدك بكرة علشان تخلَّصي الحاجات المرتبطة بالكلية من اختبارات معرفشِ محتاجينك ليه…
ظلَّت تتابعُ التلفازَ بصمت، تنهَّدَ يسحبُ نفسًا طويلًا ثمَّ أخبرها:
مش عايز صداقة مع حد مهما يكون، السواق هياخدِك ويجيبِك، مفيش عربيات دلوقتي، والعربية اللي بابا جابها مش هتركبيها قبلِ سنتين…
+
هبَّت من مكانها وتعمَّقت بالنظرِ إليه:
خلَّصت أوامرَك ياحضرةِ الظابط؟..
دي مش أوامر دا اللي المفروض تعمليه…
دنت تجذبُه من كنزتهِ التي يرتديها بعدما أضرمَ النيرانَ بداخلها:
ملكشِ دعوة بيَّا، أركب عربية مركبشِ.. أدخل صحافة أدخل إعلام، شيء ميخُصَكش، أنا ماقولتش للباشا يدخُل إيه يبقى هو مالوش يدَّخل في حياتي.
+
دنا منها فتقهقهرت للخلفِ حتى سقطت على الفراشِ فانحنى بجسده:
نفسِك دا مينفعشِ تاخديه من غير إذني، عايزة تكمِّلي تعليمِك تعملي اللي قولته..مش عايزة يبقى إتنيلي في البيت أهو تتعلِّمي حاجة في البيت..
اعتدلت تنظرُ بعمقِ عينيهِ وهدرت به:
اسمعني ياإلياس أنا مش هدخل صحافة حتى لو هتموتني..
ضغطَ على فكِّها واقتربَ يهمسُ بهسيسٍ أرعبها:
طيِّب لو جدعة عارضي أوامري ..لم تهتم بالقربِ المهلكِ لقلبيهما:
مش لسة هعارض ياإلياس أنا معترضة أصلًا، رجفة أثارت قشعريرةً أصابت جسدهِ من نفسها الناعمِ الذي لفحَ عنقه، حتى اهتزَّ ولم يشعر سوى بجذبِ عنقها يلتقطُ ثغرها في لحظةِ ضعفٍ لكلٍّ منهما..لحظاتٍ كانت من نارِ جهنم لكليهما ..اعتدلَ سريعًا وهرولَ للخارجِ يصفعُ قلبهِ بصفعاتٍ ناريةٍ على ضعفه، فتحَ بابَ غرفتهِ بعنفٍ وقامَ بتحطيمِ كلِّ ما تحتويه، يزأرُ على ضعفهِ الذي أهلكهُ بتلكَ الطريقة، استمعَ والدهِ للتحطيمِ فدلفَ للداخل:
إلياس فيه إيه ياحبيبي، جذبَ هاتفهِ وتحرَّكَ للخارجِ دونَ رد..
أمَّا هي فمازالت بمكانِها كما تركها تنظرُ لسرابِ خروجهِ بضعف، وجسدها مازالَ يرتجفُ من آثارِ قبلته، كيف فعلَ بها ولماذا اقتربَ منها بتلكَ الطريقة، مرَّت ساعاتٍ وهي لم تقوَ على الحركةِ أو الوقوفِ من مكانها، بعد يومين دلفت والدتها بطعامِها بعدما رفضت النزول فتساءلت عنه:
إلياس مارجعش، كنت سامعة عمُّو بيزعَّق ..ربتت على ظهرها:
رجع من عشر دقايق بس قفل على نفسُه، ماتحاوليش تقرَّبي منُّه، لحدِّ ماعمُّو مصطفى يعرَف مالُه ..قالتها فريدة وغادرت الغرفةَ نظرت للطعامِ الذي وضعتهُ والدتها، ثمَّ توقَّفت بهدوءٍ تحملُ الطعامَ واتَّجهت إلى غرفته، دلفت تبحثُ عنه، وجدتهُ يخرجُ من غرفةِ الرياضة، وضعت الطعامَ على الطاولة:
إلياس ..استدارَ إليها كالملسوع، ثمَّ اقتربَ يهدرُ بجنون:
إزاي تُدخلي هنا، وليه تدخلي أصلًا، أوعي عقلِك يوزِّك علشان اللي حصل يبقى خلاص إنِّك حاجة في حياتي، إمشي اطلعي برَّة، وإنسي أيٍّ حاجة..
استدارت وتحرَّكت بعدما ذُهلت من حديثهِ الذي شقَّ قلبها لنصفين، شهرًا كاملًا ولم يتقابلا بها…
+
مرَّت الأيام إلى أن جاءَ أوَّلِ أيامِ جامعتها، هبطت بجوارِ فريدة سعيدةً تتحدَّثُ مع فريدة بما ستفعلهُ اليوم، دلفَ من البابِ بعدَ غيابهِ أسبوعًا بعملهِ الأوَّل بعدَ تخرُّجه، توقَّفَ على بُعدِ بعضِ الخطواتِ ينظرُ إلى تلكَ الطفلةِ التي نضجت وأصبحت أنوثةً متفجرةً لقلبهِ الطاغي، قبَّلت والدتها وتحرَّكت تجمعًُ أشياءها، ثمَّ اتَّجهت إلى مصطفى تحتضنُه، كانت تتنقَّلُ بينهم مثلَ الفراشةِ على الزرع، لم تشعر بوجودهِ سوى من حديثِ إسلام:
أبيه إلياس جه، قالها إسلام الذي وصلَ إليه يحتضنُه، ضمَّ الأخوانُ بعضهما البعض ثمَّ تحرَّكَ إلى الجميعِ ملقيًا السلام..
تحرَّكت بجوارهِ دونَ أن تعيرَهُ اهتمامًا تشيرُ إلى والدتها، أوقفتها فريدة:
حبيبتي لمَّا توصلي طمِّنيني، وبين المحاضرات ياميرو ..قبَّلت والدتها في الهواءِ وتحرَّكت إلَّا أنَّها توقَّفت متسمِّرة على صوته:
استني ..توقَّفت تواليهِ ظهرها فاقتربَ منها:
السوَّاق بعتُه مشوار مهم أنا هوصلِّك، تحركَّت دونَ حديثٍ مع نظراتِ فريدة عليهما، جلست بجوارهِ بالسيارةِ تنظرُ للخارجِ بصمتٍ حمحمَ قائلًا:
مبروك الكلية، لو حد ضايقِك عرَّفيني بس وشوفي هعملِك فيه إيه..
استدارت برأسهِا تطالعهُ بسخرية:
ماحدش يقدَر يكسرني ويضايقني غيرَك ..توقَّفَ بالسيارةِ على جنبٍ ثمَّ استدارَ إليها بجسده:
اسمعيني قولتلِك اللي حصل إنسيه، وعلشان ترتاحي شبِّهتِك بحد عزيز ماحستشِ بنفسي وخاصة لمَّا شُفتِكو شبه بعض..
التفتَ برأسها تنظرُ للخارجِ بصمت…
أسبوع اخر لم يلتقيا، عاد ذات مساء بيوم ميلاد غادة واسلام، بحث عنها بعينيه لم يجدها اتجه لأخته
-كل سنة وانت طيبة يادودي
-حبيبي ياابيه، ميرسي، فتحت هديته وتعلقت بعنقه
-احلى أخ في الدنيا دا ولا ايه
ذهب ببصره لوقوفها بالحديقة مع أحدهما يتلاعب بخصلاتها مرة، ثبت بصره عليهما ثم تحرك إليهما..لم يشعر بنفسه وهو يجذبه يدفعه على الأرض وهو يراه يقترب منها ليقبلها
+
خرجَ من ذكرياتهِ على صوتها بعدما وجدها تجلسُ فوقَ الفراش:
الساعة كام ..وضعَ الصندوقَ بمكانهِ وتوقَّفَ مقتربًا منها:
الساعة أربعة العصر، قومي صلِّي العصر..وضعت رأسها على كتفهِ تهمسُ بإرهاقٍ تجلَّى بنبرةِ صوتها:
مش قادرة تعبانة ومرهقة، هنام ولمَّا أقوم ..انحنى ليحملُها ثمَّ اتَّجهَ للداخلِ يساعدُها في الوضوءِ قائلًا:
مينفعشِ تأجلي صلاة، أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ الصلاةُ بأوقاتها ..أغلقَ المياهَ وعادَ يحاوطُ أكتافها..
صلِّي ونامي براحتِك، بعدَ دقائقَ ألقت نفسها على الفراشِ بإسدالِ صلاتها، قامَ بنزعهِ مع إحضارِ قميصَ نومٍ من اللونِ الأسود، ونزعَ ذلكَ الروبِ وساعدها بارتدائه…
ألقت نفسها على الوسادةِ تهمسُ بحبِّه:
بحبَّك أوي ..استندَ بذراعهِ على الوسادةِ يخلِّلُ أناملهِ بخصلاتها، يبحرُ بعينيهِ فوقَ ملامحها مع دقَّاتِ قلبه التي تثبتُ لهُ أنَّها شريانُ نبضهِ في الحياة لا يعلمُ كيفَ وصلت لمرحلةٍ أنًَها أغلى من الروح ..تمدَّدَ بجوارِها واحتضنَ كفَّها يضعهُ تحتَ رأسهِ يهمسُ بنبرةٍ خافتةٍ بصوتهِ الأجش:
"بحبِّك" قالها ليسبحَ بنومٍ عميقٍ لا يشعرُ به سوى بأحضانها..
+
بعد فترةٍ تململت لتجدَ نفسها فوقَ صدرهِ العريان الذي لأوَّلِ مرَّةٍ تراهُ بتلكَ الهيئة، ظلَّت تحدجهُ للحظاتٍ تهمسُ لنفسها:
نفسي تبقى معايا على طول زي دلوقتي، رفعت رأسها إلى وجههِ تتجوَّلُ بعينيها عليهِ باشتياق، وأناملها تتحرَّكُ بهدوءٍ على ملامحه…
ليه يوم عن يوم حبِّي ليك بيزيد أوي كدا، داعبت وجههِ بأنفها تحتضنُ عنقِه..
إلياس بُعدَك بيعذبِني ماتبعدشِ تاني، قالتها وهي تمرِّرُ أناملها ترسمُ دوائرَ وهمية على صدرهِ ثمَّ استندت برأسها عليهِ تتطلَّعُ إليهِ تودُّ أنَّها لاتغلقُ عيناها أبدًا.
+
قبلَ قليل:
بأكبرِ المشافي بالقاهرة كانَ جميعُ الأطباءِ في حالةِ ترقبٍ من تشخيصِ حالةِ المريضِ الذي بين أيديهم فاقدَ الحياة، بعدما زأرَ إسحاق بهم…
جلست ملك بالخارجِ بأحضانِ والدتها تبكي:
بابا هيعيش ياماما صح ..نظراتٍ ضائعةٍ بكلِّ الأنحاءِ وهي تتذكَّرُ دخولَ والدتهِ عليه تصيح بحدة ارعبتها:
فاروق ملك مبقاش ليها قُعاد هنا، أنا هسافر انجلترا وهاخدها معايا..
إيه اللي بتقوليه دا ياماما، عايزة تاخدي بنتي مني ...ألقت بعضَ الأوراقِ التي حصلت عليها:
بنتي مش هتقعد مع ابنِ شوارع تاني، شوف مش دي تحاليل مراتَك، شوفت مراتك الزبالة عملت إيه، عيِّشتنا قراطيس، وطلعت مبتخلفشِ ومش بس كدا، لا..دي استأصلِت الرحم، عايز مني أسيب حفيدتي تربيها مع ابنِ الحرام اللي مانعرفشِ جبتُه منين..
+
دارت الأرضُ تحتَ قدميه، وشعرَ بألمٍ يضربُ صدرهِ بقوَّةٍ كأنَّهُ يتمزَّقُ من شدَّةِ اللطمةِ القوية..رفعَ كفِّهِ محاولًا فتحَ زرَّ قميصهِ وهو يشعرُ بالاختناق، ولكنَّ صوتَ والدته:
أنا تجبلي ابنِ حرام تلاتين سنة وتفهِّمني أنُّه حفيدي، بنتِ الشوارع تضحك عليَّا، والله لأطردُه من البيت وأفضحها بكلِّ مكان، حاولَ أن يتفوَّه، ولكن لسانهِ ثَقُلَ ولم يشعر بفمهِ الذي تعوَّج، ليهوى على الأرضيةِ يمسكُ صدره، هرولت صفية إليهِ ودموعها تحفرُ وجنتيها:
فاروق..لكزتها بعكَّازها:
إبعدي عنُّه ياحيوانة، شوفتي متحملشِ اللي عملتيه فيه..قالتها بدخولِ إسحاق يتحدَّثُ بهاتفهِ ويضحك، ولكنَّهُ توقَّفَ على صوتِ والدته:
إمشي اطلعي برَّة إنتِ وابنِ الحرام..هنا شعرَ وكأنَّ أحدَهم سكبَ عليهِ دلوًا من الماءِ البارد، ليشحبَ وجههِ يهمسُ باسمِ أرسلان، صرخت صفية باسمِ زوجها بعدما هوى بكاملِ جسدهِ وازرقَّت شفتاهُ وكأنَّهُ فقدَ الحياة، فاقَ إسحاق من صدمتهِ على ضمَّةِ صفية لزوجها وبكائها:
فاروق ..صرخت بها صرخةً تقشعرُّ لها الأبدان وكأنَّهُ تركها ورحلَ لتصبحَ وحيدةً كطفلٍ يتيمٍ فقدَ والديه.
+
اقتربَ إسحاق كالمجنونِ بعدما استمعَ ورأى أخيهِ بتلكَ الحالة، يصرخُ بالأمنِ الخارجي أشار إليها:
وصَّلوا ماما للمطار، مش عايز أشوف وش حدِّ فيكم لمَّا أعرف إنَّها وصلت لرحلتها..
إسحاق..نظرةٌ لها لأوَّلِ مرة يحدجُها بها:
أمي، صابر عليكي علشان إنتِ أمي ...قالها واتَّجهَ إلى أخيه، بعدما اتَّصلَ بالاسعافِ وحاولَ بعملِ إسعافاتٍ أوليةٍ لإعادةِ القلبِ للنبضِ مرَّةً أخرى، ضغطةٍ خلفَ ضغطةٍ وهو يصرخُ بصوتٍ أرعبَ الجميع:
فاروق لازم تعيش سمعتني، مش عايز تفرح بابنك ولا تقولِّي مبروك هتبقى عم .. فاروق قالها عدَّةَ مراتٍ مع ضغطهِ لعضلةِ القلبِ بوصولِ سيارةِ الإسعاف ...فاقت من شرودها على خروجِ الأطباء:
حالة غيبوبة منعرفشِ هيفوق إمتى.. قالها الطبيبُ وتحرَّكَ مهرولًا من أمامِ إسحاق الذي وقفَ كالأسدِ الذي يريدُ الانقضاضَ على فريسته ..وصلَ أرسلان مع حديثِ الطبيب ينظرُ بالوجوهِ كأنَّهُ يبحثُ عن والدهِ ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ لعمِّه:
بابا مالُه..سمعت صوتهِ ملك لتهبَّ من مكانها تُلقي نفسها بأحضانه:
بابي تعبان أوي يارسلان..
إهدي ياملوكة، بابا كويس حبيبتي، روحي عند ماما دلوقتي..
أرسلان الدكتور قال غيبوبة ..كانت عيناهُ على إسحاق الذي استندَ على الجدارِ خلفهِ يطالعهُ بعيونٍ حزينة..دفعَ البابَ إلَّا أنَّ الممرضة توقَّفت أمامه:
ممنوع يافندم ..دفعها بقوَّةٍ يُبعدها عنه، ثمَّ دلفَ للداخلِ بأقدامٍ متراخية،يريدُ أن يُطمئنَ قلبهِ أنَّ مايستمعُ إليهِ ماهو سوى ترَّهاتٍ فارغة، والدهِ بصحةٍ جيدة، هو يعلمُ أنَّ والدهِ لن يتركه ..هذا ماصوَّرَ لهُ قلبهِ الضعيف..
توقَّفَ يتطلَّعُ إلى جسدهِ المسجَّى على الفراشِ يوصلُ بهِ بعضُ الأجهزة، سقطت مقاومتهِ ونزلت دمعةٌ عبر وجنتيهِ يشهقُ بصوتٍ كالأطفال:
بابا..قالها متسمِّرًا ولم تقوَ أقدامهِ عن الحركة،هنا فاقَ الوجعُ قوَّةَ الاحتمالِ وهو يريدُ أن يُطلقَ العنانَ لساقيهِ لتصلَ إليهِ كي يلقي نفسهِ بأحضانهِ كطفلٍ عادَ والدهِ بعد فترةِ انقطاعٍ طويلة، ضاقَ صدرهِ وانسابت عبراتهِ يخطو بخطواتِ الطفلِ الذي يتعلَّمُ المشي، وصلَ إلى فراشهِ وجثى بجوارهِ وشهقةٍ خلفَ شقهةٍ ليحتضنَ كفِّهِ يقبِّله:
حبيبي إيه اللي حصل يوصَّلك لكدا؟..
تآذرَ الألمُ بداخلهِ وهو يرى والدهِ لاحولَ لهُ ولا قوَّة..دلفَ إسحاق ..سُكبَ الألمُ داخلهِ حتى كادَ أن يمزِّقَ أوعيته، تدحرجت دمعةٌ غائرةٌ على وجنتيهِ وهو يرى حالةَ أرسلان بتلكَ الطريقة، توقَّفَ وعينيهِ على الذي يجثو على ركبتيهِ بجوارِ أخيه، وهمسٌ مخيفٌ بداخله:
اللي يحاول يقرَّب منَّك همحيه من على وشِّ الأرض، حتى لو أمي نفسها، إنتَ ابنِ روحي قبلِ ماتكون ابنِ أخويا..
هزَّ رأسهِ يهمسُ بفحيحٍ لنفسه:
أرسلان فاروق الجارحي، وعد عليَّا الاسمِ دا يفضل لحد مايتكتِب في شهادة وفاتَك.
أخرجَ تنهيدةً على هيئةِ حممٍ بركانيةٍ كادت أن تحرقَ جوفهِ ورئتيه، تحرَّكَ إلى جلوسه، وضعَ كفِّهِ على كتفهِ يضغطُ عليه:
قوم وإسند نفسَك، إيه الضعف دا، أبوك ربَّى راجل، مش بنت علشان تبكي كدا، قوم ..أخرجها من بينِ شفتيهِ بقهرِ الألمِ الذي يشعرُ بهِ، توقَّفَ مهزوزًا يشيرُ إلى والده:
إيه اللي حصل يوصَّل بابا لكدا ياعمُّو، بابا طول عمرُه صحتُه كويسة..
+
حاوطَ أكتافهِ وتحرَّكَ للخارج:
مفيش شوية تعب في القلب الصُبح هيفوق، مش واثق من كلام عمَّك يالا، وبعدين من إمتى ضعيف كدا ..هزَّهُ من أكتافه:
اسمعني يالا أنا مكنتش بربيك وأطلَّعك راجل علشان في الآخر تطلع زي البنات تعيَّط كدا، فوق يابنِ فاروق علشان ماضربكشِ على وشَّك..
ألقى نفسهِ بأحضانهِ وارتفعت شهقاتهِ كأنَّهُ لم يبكِ طيلةَ حياتهِ يردفُ من بينِ بكائه:
هموت لو حصلُه حاجة، أنا قصَّرتِ مع بابا ياعمُّو، رميت كلِّ حاجة عليه وجريت ورا طموحي مفكرتِش في أبويا أنُّه لمَّا يكبر له حق عليَّا، خليه يفوق ياعمُّو وأنا أوعدَك مش هسيبُه تاني ..أخرجهُ من أحضانهِ يضمُّ وجههِ بين راحتيه:
اسمعني يارسلان، حبيبي كلِّ واحد مننا بيكون عندُه نقطة ضعف ونقطة قوَّة، أنا عايز نقطة قوِّتِك تبان قدَّام الكل وبس، ونقطة ضعفك دي ماتظهرهاش غير لنفسَك وبس،
إنتَ راجل ودموع الراجل غالية ماتنزلشِ قدَّام حد مهما كانت حالتُه،إرفع راسك وأقف وأصلب نفسك متنساش إنَّك خليفة الجارحي، دلوقتي الخبر هينتشر والكل هتلاقيه جاي، لازم تقابل الكل وإنتَ قوي مش حتة عيِّل ضعيف بيبكي علشان أبوه تعب شوية، إنتَ أرسلان الجارحي تتعامِل على كدا ..همسَ بجواره:
دا ظابط مخابرات، دا إنتَ على حالتك دي مش محصَّل مخبر حتى…
+
عندَ غرام:
بعدَ خروجهِ توضأت وجلست على مصلَّاها بعد تأديتها ركعتينِ للواحدِ القهَّار تدعو إليه بكلِّ خشوعٍ أن يوفِقهُ اللهُ بدربهِ وينجي والده..قطعَ خلوتها مع الله رنينَ هاتفها، نهضت تحملهُ وأجابت:
بابا حبيبي عامل إيه..
عاملة إيه حبيبة بابا..جلست بمسبحتها وأجابتهُ مبتسمة:
كويسة حبيبي، حضرتَك عامل إيه وزياد عامل إيه؟..
كويس يابنتي بيذاكر جوَّا، تكلِّميه؟..
لا..خلاص حبيبي..حمحمَ متسائلًا:
جوزِك عندِك حبيبتي ولَّا في شغلُه؟..
لا..هوَّ راح المستشفى والدُه تعبان شوية، وعمُّو إسحاق كلمُّه ونزل من ساعة تقريبًا.
نهضَ من مكانهِ مردِّدًا:
لاحولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العلي العظيم..مش المفروض تكوني جنبُه يابنتي..
إزاي بس يابابا، ومحدش يعرَف بجوازنا غير عمُّه..
ماشي يابنتي قولت أطمِّن عليكي، يبقى طمنيني عليه، لو مش خايف حد ياخد بالُه كنت رحت زرتُه..
تفهَّمت حديثهِ وأردفت:
أرسلان عارف كويس بيعمل إيه ..أنهت الحديثَ مع والدها ثمَّ قامت بمهاتفته:
كانَ جالسًا بجوارِ والدتهِ يضمُّها بينَ ذراعيه ..استمعَ لهاتفه، تذكَّرَ أنَّهُ لم يطمئنُها، نهضَ قائلًا:
هرد على التليفون حبيبتي..أومأت لهُ دونَ حديث، تحرَّكَ إلى حديقةِ المشفى وقامَ بمهاتفتها بعدما انقطعَ الرنين:
آسف انشغلت ونسيت أطمنِّك..
همهمت متسائلة:
والدَك عامل إيه..
لسة مفيش جديد، دخل غيبوبة ومحدش قال حاجة..
ألف سلامة عليه، ربنا يقوِّمه بالسلامة إن شاءالله..
صمتت لبعضِ اللحظاتِ ثمَّ تساءلت:
محتاج حاجة منِّي أعملها..
أيوة ..قالها بنبرةٍ مهزوزةٍ لأوَّلِ مرَّة أمامها، توقَّفت بعدما شعرت بالحزنِ الذي يسكنُ نبرتِه:
إنتَ فين؟..ابعتلي عنوان المستشفى..
إنزلي للسواق هيجيبِك لعندي..قالها وأغلقَ الهاتف ..هرولت للداخلِ بقلبٍ متلهف للوصولِ إليه.. دقائقَ معدودة لم تعلم كيف تجهَّزت وهبطت إلى السيارة، وجدت السائقَ ينتظرُها أمامَ السيارة ..استقلَّت السيارةَ تشعرُ بشيئٍ غريبٍ بداخلها، ودَّت لو أنَّها تمتلكُ أجنحةٍ لتصلَ إليه..استندت على نافذةِ السيارةِ وذهبت بشرودها لتلكَ الليلةِ التي تغيَّرت حياتها بها..
فلاش باك:
+
شعرت بارتفاعِ حرارتهِ فاتَّجهت تجلبُ إليهِ مبردَ الحرارة ..وضعتهُ فوقَ رأسهِ واستندت على ذراعيها تطالعهُ بحنو، إلى أن غفا، لتضع رأسها بجوارِ رأسهِ وتذهبُ بنومها..بعدَ فترةٍ فتحَ عينيهِ متأوِّهًا، حاولَ الاعتدالَ ولكن شعرَ بثقلٍ فوقَ ذراعهِ السليم..اتَّجهَ برأسهِ وجدَ تلكَ الحوريةِ التي ينفردُ شعرها على الوسادةِ وذراعيه، استدارَ بهدوءٍ يحدُجها بنظراتٍ صامتة، بسطَ أناملهِ يرفعُ شعرها من فوقِ وجهها، ظلَّ يحرِّكُها بهدوء، فتحت عينيها بتململ وكأنَّها تحلُم، استمعت إلى همسه:
لو حد قالي لمَّا تتصاب هتصحى تلاقي ملاك جنبَك كدا كنت دعيت اتصاب من زمان..هبَّت من نومها تعدِّلُ ملابسها، رفعت كفَّيها على خصلاتها، وجدت حجابها سقطَ من فوقِ شعرها..
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ ونهضت تبحثُ عنه ..انحنى يجذبُها من رسغها:
إهدي إنتِ بتعملي إيه، ناسية إنِّك مراتي، يعني من حقِّي أشوف كلِّ حاجة مش شعرِك بس..
رجفةً أصابت جسدها من أنفاسهِ القريبة، حاولت التحدُّثَ إلَّا أنَّها لم تقو..
أقعدي لازم نتكلِّم ..جلست تفركُ كفَّيها، اعتدلَ متأوِّهًا، نهضت مقتربةً منهُ وسندتهُ حتى جلسَ بطريقةٍ مريحة، وهو يتشبثُ بذراعها..
آاااه ..أمسكت دوائهِ وحاوطت كتفهِ ليستندَ عليها:
خُد الدوا فيه مسكنات قوية، رفعَ عينيهِ إلى ذراعها الذي يحاوطُ جلوسهِ حتى يستندُ عليه .. تراجعَ عليها بجسدهِ وكأنَّها أتت إليه كنجاةٍ للغريقِ بعدما فشلَ في إسنادِ نفسه..
رفعت الكوبَ إليهِ وحاوطتهُ بيدها الأخرى على يديهِ وهو يرتشفُ المياه:
بالشفاء إن شاءالله..
بتعملي معايا كدا ليه ..قالها وهو ينظرُ أمامهِ بشرود..
ابتسمت قائلة:
متنساش إنَّك جوزي، واجب عليَّا مساعدتَك..
واجب بس ..استدارت تطالعهُ بنظراتٍ مستفهمة:
يعني إيه ؟!
رفعَ حاجبهِ وابتسم:
ودي براءة ولَّا استهبال؟..
تأفَّفت وأجابتهُ بصوتٍ أجفلُه:
لا، استهبال..زمّّ شفتيهِ على كلماتها يهزُّ رأسهِ مستهزئًا حديثها:
طيِّب ياستِّ المستهبلة، أنا سألت عن جوازنا..
توقَّفت وقطعت حديثه:
أنهي جواز بالظبط ياحضرةِ الظابط؟..
ظابط إيه يختي بعيد الشر، أنا ممكن أكون ظابط الأداء في حاجات تانية..
توسَّعت عيناها ورمقتهُ تسبُّه بهمس:
سامعِك ياستِّ المستهبلة ..منعت ابتسامتها تهزُّ رأسها على حركاته ثمَّ اقتربت منهُ وانحنت تنظرُ إلى وجههِ لأوَّلِ مرَّة:
بس يابتاع الحج متولي إنت، أنا عملت معاك اللي ربِّنا أمر الزوجة بيه
غير كدا متتعشمش..
أتعشِّم، هو إنتِ هبلة يابت، ليه بتحسِّسيني إنِّك أختي الكبيرة وعايزة أقسمِك تركة أبويا ..العشم دا ممكن يكون في طبق بسبوسة بالمكسرات أو كوب آيس كريم بالشوكولا..
انفجرت بالضحكِ تضربُ كفَّيها مبتعدةً عنه:
فعلًا إنتَ ظابط في الأداء ..ظلَّ يطالِعها بعيونٍ لامعةٍ لأوَّلِ مرَّةٍ يرى ضحكاتها وعفويتها ..دقيقتانِ تلهو بحركاتها وضحكاتها وهي تتحدَّثُ ومازالت عيناهُ تخترقُ أفعالها ..توقَّفت عن الحديثِ بعدما وجدت صمتهِ ونظراتهِ إليها ..ارتبكت وتراجعت تجلسُ على المقعدِ بصمت ..قطعَ صمتها:
جوازنا حرام، هبَّت من مكانها:
إنتَ بتقول إيه، الجواز عند مأذون وكمان إشهار، حارتي كلَّها عرفت، أه والدَك مايعرفشِ بس دا ميديش أنه حرام..
جذبَ سيحارتهِ ليشعلها، اقتربت عليهِ سريعًا، تجذبها من فمهِ بعنف:
إنتَ مجنون، إزاي تشرب سجاير قبلِ الأكل وكمان واخد مضاد حيوي..
لحظة هجهزلَك حاجة تاكلها ..قالتها وتحرَّكت…
غرام ..توقَّفت وانتفضَ قلبها وهي تستمعُ إلى اسمها بصوته ..ظلَّت كما هي لم تستطع أن تستديرَ إليه:
أنا مبفطرش، ماليش نفس، تعالي عايز أتكلِّم معاكي في موضوع مهم..
+
هربت من أمامهِ حينما فشلت في السيطرةِ على رعشةِ قلبها لا تعلمُ مالذي يحدثُ إليها منذُ فترة..
عادت تحملُ بعضَ الطعامِ الذي أحضرهُ إليها قبلَ خروجهِ بالأمس، حتى لا تفتحَ البابَ لأحدٍ بغيابه.
وضعت الطعامَ على الطاولةِ المتحرِّكة،
لازم تاكل أيِّ حاجة علشان معدتَك متتعبشِ من المسكنات..
أومأَ لها حاولَ أن يحرِّكَ ذراعيه ولكنَّهُ تألَّم، قامت بتقطيعِ الطعامِ بأناملها تهربُ من نظراتهِ مردِّدة:
مبعرفشِ أقطع الطعام بالشوكة والسكينة، هينفع تاكل بطريقتي..
رفعَ كفَّها بيديهِ السليمة على فمه:
أممم حلو مش بطَّال، هبَّت من مكانها وابتلعت ريقها بصعوبة هجبلَك عصير ..
استني عندِك، استدارت تطالعهُ..
توقَّفَ وهو يضمُّ ذراعيهِ واقتربَ منها يجذبُ كفَّها:
تعالي لازم نتكلِّم..سحبت كفَّها وجلست مبتعدةً عنه:
سمعاك..جذبَ سيجارتهِ وقامَ بإشعالها ينفثُها بهدوئهِ المعتاد:
الجواز اللي لُه مدَّة محدَّدة باطل، أو محرَّم، علشان كدا يابنتِ الناس أنا سحبت كلمتي واعتبريني ماقولتش حاجة..عايز جوازنا يبقى عادي يعني..
التفتت إليهِ منتظرةً تكملةِ حديثه:
بصي يا غرام أنا مابحبِّش اللف والدوران، راجل دُغري، منكرشِ إنِّك جذبتيني ..تورَّدت وجنتيها، ابتسمَ على براءتها وتابعَ حديثه:
قبل ماتقولي حاجة نجرَّب جوازنا ونشوف هينجح ولَّا لأ، وأنا لسة عند وعدي، مش هقرَّب منِّك غير بأذنِك..
ابتعدت بنظرِها عنه..
توقَّفَ من مكانهِ وجلسَ بجوارها:
أنا قدَّامِك أهو واللي عايزة تسألي فيه وعد هجاوبَك…
اتَّجهت إليهِ متسائلة:
إنتَ اتجوِّزت كام مرة؟..
نفثَ سيجارتهِ وثبَّتَ نظراتهِ على حركاتِ جسدها متمتمًا:
هتفرق لو قولتلِك..
أكيد ..سحبت نفسًا مستطردة:
معرفشِ إيه الحكمة في مقابلتنا أو جوازنا، بس متأكدة إنِّ ربنا له حكمة في كدا بالخير، علشان كدا عايزة أعرف كلِّ حاجة عنَّك، وأولها إحنا بنعمل إيه هنا؟..
بنقضي شهر العسل..
أرسلاااااان..هتفت بها بنبرةٍ منزعجة..
ضحكَ قائلًا:
أحلى أرسلان في الدنيا أسمعها..
هزَّت رأسها تضحكُ عليه:
بتعرَف تغيَّر مود الواحد..
بجد، يعني يجي منِّي ...قطبت جبينها:
يعني إيه ...انحنى بجسدهِ واقتربَ منها غامزًا:
يعني هعرف أصالحِك لمَّا أضايقِك..
ابتعدت برأسها عنه:
إنتَ مشكلة والله
- حلِّيها..
-أحلِّ إيه !!..أفلتَ ضحكةً مرتفعةً وتوقَّف:
لا خام خام يعني ...توقَّفت متذمرةً من ردِّة فعله:
بتضحك على إيه ..توقّّفَ عن ضحكاتهِ يشيرُ بيديه:
خلاص خلاص..خطت للخارجِ تسبُّه، خرجَ خلفها يجذبُ ذراعها:
استنى يابنتي، ماتبقيش قفوشة..
دفعتهُ بقوَّةٍ بذراعهِ المجروح ، ليغلقَ عينيهِ من الألمِ شعرت بهِ فاقتربت متأسفة:
آسفة والله مقصُدش..أشارَ بيديه:
خلاص حصل خير، قالها وهو يضمُّ ذراعهِ مبتعدًا إلى الأريكة، تحرَّكت خلفهِ وجلست بجوارهِ بعدما أحضرت لهُ بعضَ الأدويةِ التي تُوضعُ على الجرح ..فكَّت رباطه، وأزاحت مايُضَّمدُ به..شهقةً خرجت من فمها بعدما رأته متسائلة:
-من إيه دا..؟!
تراجعَ برأسهِ يستندُ على الأريكةِ وهي ترفعُ ذراعهِ لتضعَ بعضَ الأدوية عليه،
أطبقَ على جفنيهِ بقوَّةٍ وكأنَّ هذه الطعنة مزَّقت عظامَ ذراعه..
ملَّست على الجرحِ بحنانٍ ونظرت إليهِ بأسى:
-بيوجَعك أوي صح ..هزَّ رأسهِ دونَ حديث:
آسفة..تمتمت بها بخفوتٍ وتجلَّى على ملامحها الحزن..
أشارَ إليها للجانبِ الآخر:
تعالي هنا، نهضت ظنًا أنَّهُ يريدها بأمرٍ ما، تفاجأت يجذبُ رأسها يضمُّها تحت ذراعه:
أنا متجوزتش قبل كدا، وجوزاي منِّك كان ضروري علشان أعرف أدخل المبنى دا، دي أسرار مينفعشِ أتكلِّم فيها، وطبعًا مينفعشِ أتجوِّز أي حد، وكمان مش من طبعي أرافق أيِّ بنت عندي حدود ربنا في الأوِّل ..ثانيًا عمِّي اللي رشَّحِك من بعد أوِّل مرَّة اتقابلنا فيها وهوَّ اللي يعرف عنِّك أكتر منِّي، وواثق فيكي جدًا، معرفشِ على أساس إيه خلاني آخد الخطوة دي، حقيقي اتجوزتِِك علشان كدا، وماليش أي علاقات تانية، وبعد جوازنا سمعت بالُصدفة إن الجواز المشروط حرام..كدا كدا أنا خلَّصت مهمتي، وممكن ترجعي لحياتِك، بس انا ميرضنيش حدِّ يتكلِّم عليكي وخاصةً الكل عرف في شُغلك إنِّك اتجوزتي، غير طبعًا أهلِك..
كانت تستمعُ إليهِ ولا تعلم ماذا يقول، كل ماتشعرُ به حنانهِ ودفئهِ من خلالِ حضنه، عيناها على حركاتِ وجههِ من حديثه، حانت منه التفاتةً إليها وجدها تحدجهُ بتدقيق، توقَّفَ عن الحديث وتعلَّقت أعينهم ببعضها للحظاتٍ ربَّما دقائق، انحنى برأسهِ عندما شعرَ بارتجافِ شفتيها أو هكذا خُِّيلَ له..
أغمضت عينيها وارتفعت دقَّاتهِ حينما شعرت بأنفاسهِ الحارة على وجهها، ارتعشَ جسدها بالكاملِ وهو يحاوطُ جسدها بذراعهِ ودنا لتختلطَ الأنفاسُ يهمس:
تعالي نجرَّب حياتنا مع بعض، قالها وتعلَّقت عيناهُ بعينيها التي فتحتها بعد همسهِ باسمها:
-غرام ..موافقة نكمِّل حياتنا مع بعض؟..
صمتت ولكن مازالت العيونُ متعلِّقة،
لمسَ بخاصَّتهِ وجنتها، مع طرقاتٍ على بابِ جناحهم، لتهبَّ من مكانها فزعةً مع تورُّدِ وجنتيها لتشعرَ وكأنَّها أمامَ موقدٍ من النيرانِ من شدَّةِ حرارةِ ماشعرت به..
خرجت من ذكرياتها على صوتِ السائق:
وصلنا يا هانم..ترجلَّت من السيارة، تنظرُ حولها تسألُ السائق:
ليه جبتنا من هنا، هو دا باب المستشفى؟..أجابها معنديش معلومات ياهانم.. الباشا قال أنزلِّك هنا، قالها وتراجعَ بالسيارةِ لوجهته، التفتتَ حولها وأتت لترفعَ هاتفها تكلِّمَهُ وجدتهُ يقتربَ منها، يتحرَّكُ بخطواتٍ ثقيلةٍ هرولت إليه:
أرسلان ...ألقى نفسهِ بأحضانها دون حديثٍ آخر ..حاوطت خصرهِ تضمُّه بقوَّة:
إن شاء الله هيقوم بالسلامة..تحرَّكَ يجذبُ كفَّها متَّجهًا إلى مكانٍ هادئٍ بالحديقة، بعدما أوصى أحدَ المسعفين بوضعِ أحدِ المقاعدَ المنفردة بذلكَ الركنِ المظلمِ الهادئ..
أجلسها وتمدَّدَ على ذلكَ المقعدِ الذي يشبهُ الأريكة يتوسَّدُ ساقيها:
تعبان أوي عايز أرتاح وبس..خلَّلت أناملها بخصلاته، وانحنت تطبعُ قبلةً على جبينه:
ارتاح..إنسى أيِّ حاجة وريَّح دماغك، وخلِّي عندك ثقة بربِّنا إنَّ بعدَ العسرِ يسر، أنا معاك مش هسيبَك غير لمَّا تقولِّي إمشي..
احتضنَ كفَّيها وأغلقَ عينيهِ يهمسُ بإرهاق:
ربنا يخليكي ليَّا ياأحسن حاجة حصلتلي..
+
بمنزلِ زين الرفاعي:
تصدحُ أغاني الأفراحِ بالمنزل، وتقوم الفتياتُ بالرقص، انتهت العروس من زينتها مع طرقاتِ أخيها على بابِ غرفتها، دلفَ كرم يُطلقُ صفيرًا:
حبيبة أخوها الصغيرة اللي بقت أجمل عروسة..
هرولت إليهِ تهمسُ باشتياق:
-كرم ..رجعتِ إمتى؟..
ضمَّها يدورُ بها وارتفعت ضحكاته:
من ساعة بس، آدم كلِّمني من يومين، أمسكَ كفَّها يلفَّها منبهرًا:
إيه الجمال دا ياروحي، لا…كدا لازم الواد آدم يدفع كتير..
دفنت وجهها بصدرِ أخيها خجلةً وتحدَّثت:
-وحشتني أوي، معرفشِ ليه مصر على البحرِ الأحمر، مصر مليانة مستشفيات.
قوَّسَ ذراعه:
يالَّه ياعروسة علشان العريس منتظر على نار وبعدين نتكلِّم..
+
هبطت بجوارِ أخيها مع ابتسامتها التي يتدفَّقُ من خلالها الحب بكلِّ ماتشعرُ به الآن، فاليومَ أخيرًا سوفَ تُزفُ لمتيمَ الروح..
+
وصلت إلى أسفلِ الدرجِ لفارسها الهُمام الذي ينتظرها بحلَّتهِ البيضاء ..ظلَّ يحرِّكُ عينيهِ على جسدها بالكامل، فتاة وضعَ اللهُ بها من الجمالِ مايجعلُها محطَّ أنظارٍ لدقَّاتِ القلوب ..من خصلاتها البنيَّةِ المموَّجةِ وعينيها التي تتلَّونُ حسبَ حالتها ولا يعلمُ أحدٌ بالتحديدِ لونها، نعم فهي فتاةُ العائلةِ الجميلةِ المدلَّلةِ لفظًا وليسَ حظًّا..
وصلت إلى عاشقِ الروحِ الذي تلقًّاها من أخيها بابتسامتهِ المشرقةِ وعينيهِ اللامعة، لا يعلمُ لماذا يشعر بكمِّ هذهِ الفرحة ..طبعَ قبلةً حنونةً على جبينها:
ألف مبروك ياإيلي..
احمرَّت وجنتاها خجلًا لتنظرَ إلى الأرضٍ مبتعدةً عن نظراته، انحنى يهمسُ إليها:
حلوة الأرض..لو أحسن منِّي تمام ...رفعت عينيها سريعًا إليهِ ليضمَّ كفَّها الناعمَ بين كفِّهِ الغليظ ويتحرَّكَ مع الموسيقى ليصلَ إلى مكانهم المخصَّص..دلفت رحيل تجاورُ يزن الذي يتابعُ الحفلَ بإعجاب:
خالِك باين عليه تقيل ..ابتسمت ثمَّ بسطت كفَّها:
موافق ترافقني بالحفل، علشان أبعد عن كلِّ اللي يحاول يستفزِّني ..ابتسمَ يبسطُ كفِّهِ بكفِّها ويتحرَّكُ بجوارِها بعدما لمحَ طارق بجوارِ مها حيثُ كانا يقفانِ بالقربِ من زين..
وصلت حيثُ وقوفهم:
خالو وحشتني ..ضمَّها زين وعينيهِ على يزن الذي يطالعُ زين بصمت…
فهمت رحيل نظراتُ زين فجذبت يزن من كفِّه:
الباشمهندس يزن شريكي في الأجنس ياخالو..
كانت مها تقفُ بجوارِ طارق الذي لمحَ دلوفَ يزن مع رحيل، وتابعهُ بعينيه:
أنا عايزة فرح زي دا ياطارق، لم يستمع إليها، فاحتضنت ذراعهِ بعدما وجدت صمته:
طارق مابتردِّش ليه، قالتها وهي تنظرُ للذي ينظرُ إليه..صدمة جعلتها لم تستطع الوقوفَ حينما شعرت وكأنَّ أحدَهم لطمها على وجهها بقوَّةٍ وهي ترى يزن بجوارِ تلك الفتاةِ الشقراء ويتحدَّثُ بضحكاتٍ كأنَّهما يعرفانِ بعضهما البعض منذُ سنوات..
حانت منهُ نظرةً تجاههما، مع التفاتِ راحيل إليهِ لتصطدمَ بهِ فيحاوطُ خصرها كي لا تسقط، مشهد جعلَ نيرانَ مها تزدادُ بداخلها، لتجعلها كتلةً ناريةً أوشكت على الانفجار، ولا يختلفُ الأمرَ لدى طارق، لمحت رانيا مشهدَ يزن ورحيل لتقتربَ متسائلة:
مين الواد اللي مع رحيل دا؟..
ألقى سيجارتهِ يدعسُ عليها قائلًا وهو يقتربُ منهما:
دا واحد جاي لقدرُه..وصلَ إليهما فاقتربَ من رحيل:
إزيك يابنتِ خالتي ...استغربَ يزن صلةَ القرابةِ بينهما بتصنع ليهتف:
دا قريبك!،،ابتسمت بمجاملةٍ لطارق:
أهلًا طارق عامل إيه..
كويس قالها وهو يرمقُ يزن بنظراتٍ يودُّ أن يلقيهِ صريعًا بها..
+
ظلَّت راحيل بالحفلِ لبعض ِالوقتِ تتنقَّلُ بينَ الأقارب، بينما جلسَ يزن يشاهدُ الجميعَ بأعينٍ ثاقبة، التفتَ للخلفِ بعدما استمعَ إلى صوتها:
مش عيب تقلِّ بأصلك وتطاردني يايزن..
ضيَّقَ مابينَ حاجبيه:
أطاردِك !..ليه إنتِ مين علشان أشيلِك من أرضِك..نصبَ عودهِ وتوقَّفَ بعدما وجدَ طارق متَّجهًا إليهما:
- أنا رميتِك من يوم ماخنتيني، ولو أعرف إنِّك موجودة هنا مكنتش جيت، مش علشان حاجة...تؤ، علشان بس مش عايز أفتكر أسوأ مرحلة بحياتي، وأندم على الوقتِ اللي الشيطان استغلِّني فيه وضيَّعتُه مع الخاينين ..وصلَ طارق يوزِّعُ نظراتهِ بينهما:
بتعملوا إيه؟..
ربتَ بقوَّةٍ على كتفِ طارق يرمقُ الأخرى باستهزاء:
- شكلَك مش مالي عينها فبتجري ورايا، لمَّها دا لو قدرِت ..التفتَ إليهِ سريعًا وهو يرفعُ كفِّهِ ليصفعَه، ولكن أطبقَ على كفِّهِ يزن:
- ولا ...فوق دا أنا أدفنَك في صندوق زبالة، ولا عاش ولا اتخلَق اللي يمدِّ إيده على يزن السوهاجي، قالها وهو يدفعهُ بقوَّةٍ ليسقطَ على الأرضِ أمامَ الجميعِ في حالةٍ ذهولٍ من البعض، ليحدثَ همهماتٍ مرتفعةٍ من الجميعِ بدخولِ راجح الذي شاهدَ سقوطَ ابنهِ ليقتربَ من يزن كقابضِ الأرواح:
إنتَ مين يالا علشان تعمل في طارق الشافعي كدا ..لم يشعر يزن بمسكةِ راجح إليه، ولم يشعر ولم يستمع سوى لبكاءِ والدتهِ وهي تقصُّ إليهِ مأساتها معه، نعم ذلكَ الرجلَ صاحبَ الصورةِ مع تغيُّرِ ملامحِ السن ..صفعةً قويةً على وجههِ من راجح يهزُّ يزن هادرًا بغضب:
اعتذر لسيدَك يالا...شهقاتٍ خرجت من الجميعِ وحدثَ هرجٌ ومرجٌ بقاعةِ الزفاف ..بينما توقَّفَ يزن مصدومًا محاولًا استيعابَ ماحدثَ أمامَ الجميع، اقتربت راحيل:
إيه اللي عملته حضرتَك ياعمُّو، توقَّفت بينهم تضمُّ ذراعَ يزن:
يزن عمُّو راجح مايقصدشِ، أكيد فهم الموضوع بالغلط..
راجح ..راجح ..ظلَّت الكلمة بأذنهِ كصدى صوتٍ مؤذي ليخترقَ سمعه، أبعدَ راحيل واقتربَ من راجح:
مطلعشِ ابنك بس اللي مايعرفشِ قيم وأخلاق الرجَّالة، باين هوَّ معذور علشان ملقاش الرجولة عند باباه
رفعَ راجح كفِّهِ ليلطمهُ مرَّةً أخرى،
ليمسكَ يدهِ يضغطُ عليها بعنفٍ وصورةِ والدتهِ وصوتِ بكائها أمامَ عينيهِ وكأنَّ هذا الرجلَ سببَ مأساتها..
همسَ بفحيحٍ أعمى:
أوَّل مرَّة أخدتني على خوانة، ظنًّا منِّي إنِّي واقف قدَّام راجل، بس من طبعِ الرجالة الصح الأمان مش الغدرِ والخيانة..قالها وابتعدَ يلتفتُ إلى راحيل وزين:
آسف بس مش طبعي أسكت عن اللي يقلِّ منِّي..قالها وتحرَّكَ للخارجِ سريعًا لتهرولَ رحيل خلفه..
كانت نظرات راجح النارية تتابع خروجه،ثم رفع هاتفه لأحدهم
-الواد اللي هيخرج مع رحيل عايزك تجبلي حياته، وانتظر مني الأمر
طالعت رانيا طارق بغضب، ثم حدجت راجح وهتفت بحدة
-يارب ابنك الغبي يرتاح ، شوفت البت كانت هتموت عليه ازاي، اهو جه يكوش على كل حاجة، على الله ابنك يرتاح
بعدَ فترةٍ انتهى حفلُ الزفافِ الذي شعرَ البعضُ به بالسعادةِ والآخرُ بالحزنِ والألمِ وآخر يخطِّطُ تخطيطَ الشياطين..
+
وصلت العروس لجناحها الخاص مع أختها بعدما اعتذرَ آدم لعملِ شيئٍ مهم..
قبَّلتها مريم:
ليلة سعيدة حبيبتي، خلِّيكي بفستانِك لمَّا عريسِك يجي ..أومأت لها فتحرَّكت مريم للخارج..
+
كعصفورٍ صغيرِ يشقشقُ فرحًا ببزوغِ نهارٍ جديد، جلست تملِّسُ على ثيابهِ مرَّةً وعلى فراشهما مرَّة.. تبني أحلامًا وردية ..لما لا واليومَ حياةٌ جديدةٌ مرتسمةً بنبضِ قلبها الذي تمنَّتهُ عبر السنين ..أخيرًا ستنالُ السعادةَ بحضرته، صبرت وصبرت إلى أن تُوِّجت باسمه، ابتسامةٌ عذبةٌ فوقَ ملامحها تنظرُ لنفسها بالمرآةِ نظرةً أخيرةً قبلَ دلوفه..كانت كالأميرةِ بفستانِ زفافها ....مرَّت عدَّةُ دقائقَ ودلفَ فارسها المغوار ..تحرَّكَ إلى جلوسها ورغم تحرُّكِه الهادئ إلَّا أنَّها شعرت بتضاعفِ نبضِ قلبها..
+
سحبَ نفسًا يزفرهُ بهدوءٍ يناظِرها بنظراتٍ متردِّدة، لايريدُ انطفاءَ بريقَ عينيها اللامعةِ ولكن كيفَ لهُ أن يتعايشَ مع تلكَ الحياة التي أُجبرَ عليها، هو ليس بالضعيف، بل رجلٌ صلبٌ قويٌّ لاينهزمُ أبدًا مهما تعثَّرت ظروفه، إلا أنَّهُ لن يصمدَ أمامها ويحطِّمَ قيودها ،ولكن هناكَ ما جعلهُ يخضعُ رغمًا عنه..
حمحمَ مردِّدًا اسمها ..فرفعت بريقَ عينيها اللامعَ الممزوجِ بلونِ البندق والعسل، لونها كلونِ لمعةِ بذورِ القمح، مع تغيُّراتهِ لبعضِ الأوقات ..ظلَّ للحظاتٍ غارقًا بلونِ عينيها ..فابتعدَ بنظرهِ سريعًا بعدما وجدَ ابتسامتها تنيرُ وجهها ليصبحَ كقمرٍ يلمعُ بألفِ فضاء، فتاةٌ رقيقةٌ أخذت من الرِّقةِ عنوانها ، ومنَ الأنثى متعةَ ملامحها..
أخرجَ سجائرهِ يهربُ من مواجهةِ القدر، وبدأ بإشعالها، لايعلمُ لماذا شعرَ أنَّهُ يريدُ إحراقَ صدرهِ بتلكَ اللحظةِ لإخراجِ غضبهِ بها…
اقتربت تربتُ على كتفهِ مردَّدةً اسمه:
آدم مالَك فيه إيه.. وبعدين مش عيب تبقى دكتور وتنصح مرضاك بالبعدِ عن التدخين وإنتَ بدخَّن، لازم نتِّفق أنا مبحبش ريحة السجاير، معرفشِ إيه اللي حبِّبك فيها ..علشان خاطري حاول تبطَّلها.
صدمةٌ قويةٌ نالت منهُ، هنا فاقَ الألمُ حدودهِ وشعرَ بأنَّ الكونَ يدورُ به ..جاهدَ بإخفاءِ اعتصارِ أضلعه، ولكن خانتهُ حالتها ليردفَ بهدوء :
عايزِك تتأكِّدي أنا حاولت أحافظ عليكي إنتِ ومريم من مرات أبوكي غير الطريقة دي ملقتش، متزعليش منِّي، بس أنا انجبرت مكنشِ قدَّامي حل غير دا..
زوت مابينَ حاجبيها تطالعهُ باستفهام :
أنا مش فاهمة قصدَك إيه؟!..
نصبَ قامتهِ القويَّة يسحبُ كفَّها متَّجهًا إلى الأريكةِ وأجلسها بجواره:
اسمعيني للأخر، أنا عارف إنِّك عاقلة وهتقدَّري موقفي وتعرفي أنا عملتِ كدا ليه، أوَّل حاجة علشانِك إنتِ ومريم..
ممكن تدخل في الموضوع..
+
أنا متجوِّز في النمسا ياإيلين، ومقدرشِ أخدعك، لازم تعرفي كلِّ حاجة قبل مانبدأ حياتنا، اتجوِّزت واحدة اتعرَّفت عليها وحبيتها، واتجوِّزتها قبلِ ما أنزل مصر بشهرين، جوازي منِّك انجبرت عليه، لازم تعرفي.. حاولت أفهِّمك بس...
سلَّطت عيناها عليهِ بقوَّةٍ، تريدُ أن تتأكَّدَ ممَّا ألقاه..هل خُيِّلَ لها ..هزَّت رأسها رافضةً مااستمعت إليه ..لا، أنا بس من تعبِ اليوم بقيت أتخيَّل حاجات ..
+
تجمَّعت سحبُ عيناها تحتَ جفونها فأغمضت عيونها لتسيطرَ على دموعها، ناهيكَ عن الرجفةِ التي اعترت صدرها عندما تابعَ حديثه:
صدَّقيني حاولت أرفض بس ..فتحت عيناها وألمًا ينخرُ ضلوعها لتهتفَ بقوَّةٍ لا تعلمُ من أينَ اكتسبتها:
بس إيه يادكتور، إيه طفل وخالو هدَّدك ..ولا أيكونشِ قالَّك هغضب عليك ولا إنتَ ابني ولا أعرفك…
+
استدارت إليهِ بنظراتها التي شعرَ وكأنَّها كأسهمٍ ناريةٍ تخترقُ صدره:
مش عيب تبقى دكتور طويل عريض ويجبروك بالجواز، طيِّب كنت اتجرَّأ وقولِّي وأنا كنت وقَّفت الجوازة دي ...لأوَّلِ مرَّة يشعرُ بالضعفِ ولا يجدُ مايصيغهُ من الحروفِ ليسكنَ حزنها الذي ظهرَ بمقلتيها التي يزيِّنها كُحلها الفاحمِ ليجعلَ عينيها كمغناطيس ..اقتربَ منها وحاولَ تهدئتها إلَّا أنَّها رفعت
+
كفَّيها وقامت بنزعِ طرحةِ زفافها تُلقيها على الأرض، ثمَّ تحرَّكَت تدوسُ عليها بأقدامها إلى أن وصلت إلى بابِ الغرفةِ تفتحه:
اطلع برَّة مش عايزة أشوف وشَّك تاني .. تسمَّرَ بجسدهِ ولم يعد لديهِ القدرة على التحكُّمِ بغضبها البائن فنهضَ من مكانه مقتربًا منها:
لازم تسمعيني ..قاطعتهُ هادرةً بعنفٍ تشيرُ للخارج:
برَّة.. إنزل قولُّهم أنا طلَّقت العروسة..
برقت عيناهُ يطالعُها بذهولٍ لما استمع:
إنتِ اتجننتي!!..عايزة الناس تاكل وشِّنا ويطلَّعوكي معيوبة!…
تشابكت عيناها بسوادِ عينيهِ ولم يرفَّ لها جفنًا وقالت بقوَّة:
أه ..خلِّيهم يقولوا معيوبة، أهون عليَّا لمَّا أعيش بلا كرامة قدَّام نفسي..
قبضَ على أكتافها وهدرَ بها:
متبقيش مجنونة، خلِّي الليلة تعدِّي ..صواعق بدأت تضربُ عقلها وقلبها معًا من ذاكَ الخائنِ كما وصفتهُ قائلة:
وأنا بقولَّك طلَّقني والليلة يادكتور، ولو مطلقتنيش هنزل تحت وهفضحك، فخلِّي عندَك كرامة وطلَّقني..
هاجَ صدرهِ بنيرانِ الغضبِ وهتف:
أنا مش هرد عليكي مراعاةً لظروفِك، بس نسيتي حاجة يابنتِ عمتي أنا أوِّل مارجعت من السفر قولتلِك أنا مستحيل أتجوِّز وأستقر في مصر..الغلط مش عندي، ودلوقتي إحنا اتحطِّينا تحتِ أمر لا مفرَّ منه، لازم تتعاملي مع الوضعِ دا لحدِّ ما أشوف آخرة باباكي إيه..
+
تآذر غضبها المحمومُ الذي كادَ أن يندلعَ من قلبها من حبيبِ عمرها لحديثهِ المهينُ لكرامتها فثبَّتت عيناها بقوَّةٍ بمقلتيه هاتفةً بصوتٍ كالرعدِ زلزلَ كيانه:
وأنا بقولَّك طلَّقني..
بحركةٍ قاسيةٍ جذبها من خصرها يقيِّدها بينَ ذراعيه:
صوت يابنتِ عمِّتي، لسانِك هقطعه، مش علشان بكلمِّك بهدوء تعلِّي صوتِك عليَّا أنا ..
+
أزاحت يديهِ بقوةٍ تخرجُ من قبضتهِ ثمَّ تحرَّكت للأسفلِ سريعًا، وهي تهتُف:
أنا مستحيل أفضل دقيقة واحدة على ذمِّة راجل زيك.. تحرَّكَ خلفها، هبطت للأسفلِ حيثُ منزلِ خالها، وصاحت بغضبٍ باسمِ خالها ممَّا أخرجَ الجميعُ من غرفةِ المعيشة ..
+
عندَ إلياس:
باليومِ التالي عادَ من عملهِ وصعدَ إلى غرفتهِ بإرهاق، دلفَ فتسمَّرَ بوقوفهِ وهو يرى تزيينَ الغرفة، ورائحتها الخلَّابة، مع طاولةٍ دائريةٍ يُوضعُ عليها أصنافًا من الطعام ..خطا يبحثُ عنها، خرجت من غرفةِ الملابسِ ترتدي تلكَ المنامةِ التي أذهبت ثباتهِ ليقتربَ إليها وعينيهِ تتجوَّلُ على ملامحها الأنثوية:
دا إيه المفاجأة الحلوة دي، أوعي تعملي زي الستات الهبل وتبقي عاملة كدا علشان عايزة طلب..
لكمتهُ بصدرهِ وهتفت بنبرةٍ مستاءة:
وكمان نسيت أنا عاملة كدا ليه، قامَ بنزعِ جاكيتَ بذلتهِ وألقاها بإهمال:
أهو زي ماقولت، دارَ بكفَّيهِ وعينيهِ بالغرفة، إلى أن توقَّفَ على تلكَ الورودِ الموضوعةِ على الفراش ..استدارَ يشيرُ إليها:
إيه شغلِ المراهقين دا، ورود على السرير، زارعة حديقة على السرير..قالها وهو يجذبُ مفرشهِ يلقيهِ على الأرض:
ميرال مبحبش شغلِ البيئة دا، قالها ودلفَ للداخلِ ينزعُ ثيابه، هوت على مقعدِ طاولةِ الطعامِ دونَ حديثٍ فلقد كسرَ فرحتها بعيدِ ميلادها الأوَّل وهي زوجته، ضغطت على شفتيها كي لا تبكي، وفعلت مثلما أقنعها قبلَ ذلك..
+
نظرَ لجلوسها بتلكَ الهيئةِ وشعرَ بالحزنِ عليها، جذبَ المقعدَ وجلسَ بجوارها يضمُّها لصدره:
متزعليش منِّي، بس بجد أكتر حاجة بكرهها شغلِ المراهقين دا، وإنتِ عارفة وأنا مبحبش الورد، تقومي تُحطِّيه على السرير، نظرَ للطعامِ يشيرُ إليه:
عاملة أكل وجيباه هنا ليه، كشفَ الأغطية ينظرُ إليه متسائلًا:
إيه دا ..نسيَت ما فعلهُ بها، فأشارت مبتسمة:
محشي وفراخ وحمام ..انكمشت ملامحهِ ينظرُ للطعامِ مشمئزًّا يردِّد:
فراخ ومحشي الساعة سبعة بالليل!..
وكمان في الأوضة، هقول إيه يعني بعد حديقةِ الزهور بتاعةِ السرير، فعادي أنتظر منِّك الأصعب..
أمسكت الشوكةَ تضعُ بعضَ المحشي بفمِها مستلذَّةً بطعمها:
أممم، الله الله ..طيِّب دوق، دا أنا وقفت مع أنطي أمينة وحطِّيت البهارات عليه يعني تعبت..
أغمضَ عينيهِ وشعرَ بالنفورِ من رائحته:
ياربي البتِّ دي أموتِها ولَّا أعمل إيه، يعني أنا مابكلشِ الرز تجبلي محشي وكمان بالليل…
كتمت ابتسامتها وهي تستمعُ إلى حديثه، رفعت الشوكةَ مرَّةً أخرى تلوكُ الطعامَ باستمتاع..
بااااااس بتحسِّسيني إنِّك بتاكلي سلطة، بالرَّاحة ياماما إحنا بالليل وهتتخني، ثمَّ أشارَ إلى جسدها:
وإنتِ مش ناقصة..هبَّت من مكانها تصرخُ بوجههِ بنبرةٍ غاضبة:
دا اللي ربنا قدَّرك عليه، يعني مش كفاية ناسي عيد ميلادي..لا، عمَّال تسمَّعني كلام يوجِع قلبي..
طرقَ على طاولةِ الطعامِ بقوَّةٍ رافعًا رأسهِ يرمُقها بنظراتٍ غاضبة وهدر بها بحدة اجفلتها:
صوتِك يامدام، صوتِك بقى أعلى من صوتي، إيه نسيتي نفسِك..
ألقت الشوكةَ على الطاولةِ وتحرَّكت للحمَّامِ دونَ حديثٍ آخر..
تعالت أنفاسهِ وشعرَ وكأنَّها أشواكًا تخربشُ رئتيه، كيفَ لهُ أن ينسى يومَ ميلادها، نظرَ لهاتفهِ وجدهُ صامتًا، نعم لقد وصلهُ إشعار ولكنَّهُ لم يراه ..نهضَ متَّجهًا إلى الشرفةِ وقامَ بمهاتفةِ أحدِهم لبعضِ الدقائقَ ثمَّ خطا إليها وجدها تجلسُ بجوارِ حوضِ الاستحمامِ تنظرُ بشرودٍ بنقطةٍ وهمية، أمالَ بجسدهِ يرفعها ثمَّ وصلَ إلى الحوضِ وقامَ بغسلِ فمها مع كفَّيها ليجففهما بعد الانتهاء..
حاوطَ خصرها وتحرَّكَ للخارجِ متَّجهًا إلى خزانةِ الملابسِ ينظرُ بين فساتينها إلى أن وقعت عيناهُ على ذلكَ الفستانِ الأزرق، جذبهُ بطاعةٍ منها وهي تقفُ حائرةً لما يفعلُه، نزعَ حمَّالةَ منامتها ليهبطَ لأسفلِ قدميها بحركةٍ سريعةٍ منهُ خجلٍت من حركته، تضمُّ جسدها بكفَّيها، تابعَ مايفعلهُ قائلًا بنبرة جامدة:
بدَّاري إيه، دا أنا حافظ كلِّ حتَّة أكتر منِّك، إلبسي وبطِّلي الغباء اللي إنتِ فيه..دفعتهُ غاضبة،
-ايه البرود دا ياخي اللي تعدمه يارب
ضمَّها مقهقهًا عليها، ليزدادَ غضبها وحنقها منه،
-ياربي على الألفاظ البيئة بتاعتك صحفية ايه دي
-وسع انا زعلانة منك وهخاصمك قبلةً عاشقةً بجوارِ شفتيها:
إجهزي هنخرج مشوار، أنا هدخل ألبس في مكان تاني قدَّامك عشر دقايق..توقفت معترضة
-مش عايزة أخرج..أشار بسبباته يشير للساعة
-عدى دقيقة من العشرة ياله
1
بعدَ دقائقَ معدودةٍ كانت تطوِّقُ ذراعهِ وتهبطَ للأسفلِ، قابلهُ مصطفى يوزِّعُ نظراتهِ بينهما:
على فين العزم ياحبايبي؟..
-رحلة قصيرة ليومين ياحضرةِ اللوا، ظبَّط غياب ابنك...قالها وتحرَّكَ يسحبُ ميرال التي تردِّدُ حديثه:
فسحة ليومين إزاي؟..
-ربنا يسعدُكم حبيبي..وصلَ بعدَ قليلٍ لمطارِ القاهرة، نظرت حولها بجهل:
إحنا مسافرين!..خلَّلَ أناملهِ بكفِّها بعدما ترجَّلَ من السيارةِ وتحرَّكَ متَّجهًا إلى طائرةٍ خاصةٍ ستقلعُ بهم لوجهتِهم.
+
بعد ساعاتٍ وصلوا لذاكَ المكانِ الذي يُعتبرُ جزيرة بوسطِ البحرِ بأحدِ الأماكنِ الإندوسية..وصلا إلى ذاكَ الشاليه الذي حجزهُ منذُ ساعاتٍ لاحتفالهِ الخاص على طريقتهِ بعيدِ ميلادها، دلفَ للداخلِ مع ذلكَ العامل الذي يشيرُ إليهِ على كافَّةِ التجهيزاتِ متسائلًا:
هل لديكَ شيئًا آخر تريدُه:
أشكرك..غادرَ الرجل، بينما هي التي توقَّفت بالخارجِ تنظرُ إلى المكانِ حولها بانبهارٍ على تلكَ الجزيرة، سحبَ كفَّها للداخلِ مع إغلاقِ الإضاءةِ ولم يترك سوى شمعةً واحدةً بأحدِ الأركانِ ليصلَ لكعكةِ عيدِ ميلادها المعدَّةِ بالطريقة التي تعشقها ..احتضنت ذراعيه:
إنتَ ليه طافي النور، مفكَّر نفسَك في مصر، دي جزيرة ممكن يخرُج منها ثعبان ..توقَّفت أمامَ أحدِ الطاولاتِ التي تُوضعُ عليها كعكةِ عيدِ الميلاد، ليشعلَ شمعةً واحدةً ويتَّجهَ إليها يحتضنُها بعينيه:
كلِّ سنة وإنتِ طيِّبة ياميرو ..نظرت حولها بذهولٍ مع تساقطِ الورودُ الحمراءُ التي تعشقها، ابتعدَ عنها حينما وجدها تضعُ كفَّيها على فمها ودرات بفستانها مع الورود التي تساقطت حينما أشعلَ الشمعة، لمعت عيناها بالسعادةِ وكأنَّها لم تفرح من قبل...هرولت إليهِ تُلقي نفسها بأحضانهِ ليرفعها من خصرها يدفنُ أنفاسهِ بعنقها يقبِّله:
كلِّ سنة وإنتِ دايمًا سعيدة ..اعتدلت تعانقُ عينيه:
كلِّ سنة وإنتَ حبيبي وفي حضني، لمست وجنتيهِ واقتربت تطبعُ قبلةً عليها:
بحبَّك أوي ياإلياس، أووووووي..
ضمَّها لصدرهِ وأغمضَ عينيهِ يشعرُ بالسعادةِ لسعادتها، ثمَّ تحرَّكَ بها وهي مازالت بأحضانه:
طفِّي الشمعة ..أشارت بكفَّيها:
شمعة واحدة ...ليه؟!..
اقتطفَ قبلةً من عسلها المصفَّى، يضمُّها مغمضَ العينين:
علشان دي أوَّل سنة من جوازنا، بعد كدا عيد ميلادِك بعددِ سنين جوازنا..
حاوطت عنقهِ ورفعت نفسها:
عارف دلوقتي أقدر أقول وأنا كلِّي ثقة، مستحيل أخلِّيك تبعد عنِّي ولا لحظة، مش مسموحلَك حتى التفكير، وضعت كفَّها موضعَ نبضَ قلبه:
ودا طول مابيدُق يكون باسمي أنا بس، أموِّتك ياإلياسو لو بس فكَّرَت تبعد قلبك عنِّي..
كانَ يستمعُ إليها بدقَّاتِ قلبٍ عنيفة، ماذا فعلت به تلكَ الجنيَّة التي قضت على كلِّ مالديهِ ليقعَ صريعًا لغرامها، استدارت إلى الشمعةِ ثمَّ انحنت لتطفئُها..أمسكَ السكين يشيرُ إليها:
قطَّعيها ..وضعت كفَّها فوقَ كفِّهِ تُقرِّبها من الكعكة:
إحنا الاتنين هنقطَعها..قطعت قطعةً صغيرة، وسحبت أحدِ الأطباقِ تضعُ قطعةً به..ثمَّ أمسكت الشوكةَ وهو يراقبها إلى أن رفعت الشوكةَ على فمه، أدارها إليها يطعمُها ثمَّ اقتربَ يلتقطُها بطريقتهِ الخاصَّة، لتنهارَ كلَّ الدوافعَ وينحني يحملُها ليعزِفَ لها أبدعَ المعزوفاتِ الموسيقيةِ التي تعزفُها نبضُ القلوب، ليلة ولا ألفِ ليلة تحكي الكثير والكثير، وتزيلُ الكثيرَ من الشكوك، كلٍّ منهما أخرجَ مايكفي الآخر لأعوامٍ وكأنَّهم يشعرونَ بما سيحدثُ لهما فيما بعد..
+
فترةٍ أقلُّ ما يقالُ عنها أنَّها فترةً من الجنة ..
بالصباحِ الباكرِ فتحت عيناها بإرهاق، تنظرُ لنفسها متناسيةً ماصار، إلى أن وجدت نفسها محاصرةً بين دوافعِ حبِّه، ابتسمت قائلة:
لو خيَّروني بينَك وبين امتلاكِ العالم صدَّقني هختارك وأنا مغمَضة، مرَّرت أناملهِا على وجهه:
أجمل راجل في الدنيا
+
استمعَ إلى كلماتها القليلة، شعرَ وكأنَّهُ امتلكَ العالمَ ومابه، وقلبهِ كالمضخة التي ستقتلعُ ضلوعُ صدره ..تحرَّرَ من صدرها نفسًا ناعمًا أنهى ثباتهِ مما جعلهُ يلفُّ ذراعيهِ حولَ خصرها يضمُّها بقوَّةٍ لأحضانهِ متمتًمًا:
بتعاكسيني وأنا نايم..رفعت رأسها تنظرُ لعينيهِ المغلقة:
هوَّ إنتَ تتعاكس، فتحَ عينيهِ نصفَ فتحةٍ مبتسمًا:
ليه مش حلو ومعجبش، ازدادت دقَّاتُ قلبها حينما حرَّكَ أناملهِ على وجهها البهي وتابعَ حديثه:
وحش..أشوف حد أعجبُه بدل مش عاجبِك..
تعثَّرت الكلماتُ على شفتيها وكأنَّ حديثهُ سيصبحُ حقيقة لتشعرَ بغصَّةٍ تمنعُ ابتلاعَ ريقها، وحاولت الابتعادَ عن أحضانه، إلَّا أنَّهُ كان المتحكِّمُ والمسيطرُ وهو يضغطُ على خصرها بقوَّةٍ آلمتها، وهتف:
-لمَّا تبقي في حضني إياكي تحاولي تبعدي من غير إذني ..أظلمت عيناهُا بنجومها التي تحجَّرت من شدِّةِ قبضتهِ
على خصرها، لتبتلعَ ريقها بصعوبةٍ تتمتم:
-إلياس بتوجعني، قالتها لتنسابَ عبرةٌ حرَّرتها من جفنيها ..رفعَ ذقنها يتجوَّلُ بأعينهِ على ملامحها، ليهبطَ إلى عسلها المذابُ فوقَ شفتيها يجني من ثمارها مايجعلهُ كطائرٍ يغرِّدُ بين الأشجارِ فرحًا بفجرٍ جديد..ظلَّ لحظاتٌ ربَّما لدقائقَ لم يشعر بكمِّ الوقتِ الذي مرَّ عليهما وبداخلهِ يُقسمُ لنفسهِ أنَّهُ لن يحرمَ نفسهِ من تلكَ الجنَّةِ التي لم يشعر بتذوُّقها سوى بين يديها، انتهت دقائقُ جنتهِ مطبقَ الجفنينِ مانعًا نفسهِ ألا ينساقُ خلفَ رغبتهِ الجامحةِ بأكثرِ من ذلك، بينما ظلَّت كما هي دافنةً رأسها بصدره، لم تقوَ على الابتعاد، وكيفَ تبتعدُ وهو الأقربُ من حبلِ الوريدِ لنبضِ قلبها ..خلَّلَ أناملهِ بخصلاِتها وتحدَّثَ بصوتهِ الأجش المتنعمَ بحبِّها لأوَّلِ مرَّة:
فتحت صندوق ذكرياتِك وإنتِ نايمة، في الفيلا عارفة افتكرت إيه؟..ظلَّت كما هي تستمعُ إليهِ بصمت، انحنى واستطردَ
أوَّل بوسة بينا، البوسة اللي قلبت حياة إلياس وحوِّلِته من عدو لأحبِّ الناس لقلبه، رجفة أصابت جسدها بالكامل حينما علمت بمعنى حديثه، رفعَ رأسها ينظرُ لعينيها:
افتكرتي ولَّا لسة، قطبت جبينها وبشفتينٍ مرتجفتين:
إنتَ اللي فهمت غلط، حاولت أفهِّمك والله بس ..وضعَ أناملهِ على شفتيها وتغيَّرت نظراتهِ إليها بل ظلَّ يمرِّرُ أناملهِ على شفتيها بقوَّةٍ وأكمل:
صدَّقيني اللي رحمِك منِّي يومها بابا، لو مش بابا كنت ناوي أقتلِك..ابتسمت من بينِ دموعها:
كنت بتحبِّني من وقتها صح..علشان من يومها وحياتنا اتقلبِت، بس والله هو ماقرَّب منِّي ولا لمسني..
أطبقَ على جفنيهِ وذاكَ المشهدُ يضربهُ بقوَّة، كوَّرَ قبضتهِ بقوَّةٍ حتى نفرت عروقهِ.. حاولَ السيطرةَ على أعصابهِ حتى لا يؤذيها..شعرت بما يشعرُ بهِ، رفعت نفسها الى أن أصبحت بمستوى جلوسه، لمست وجنتيه:
إلياسو..فتحَ عينيهِ ونظرةُ عشقِ الماضي يطالِعها بها لتكمل:
حبَّك مدفون من زمان يمكن من قبلِ الموقف، معرفشِ إزاي، بس صدَّقني إنتَ أوَّل راجل في حياتي..قالتها وهي تطالعهُ بابتسامةٍ بريئة:
ضمَّ رأسها لأحضانه:
وآخر راجل ياميرو، عارف كنت قاسي معاكي بس دا غصبِ عنِّي، متزعليش منِّي.
رفعت رأسها مردِّدَة:
-حد يزعل من روحُه ..ابتسمَ يضعُ خصلاتها المتشرِّدة خلفَ أذنيها:
-غالي أنا أوي؟..هزَّت رأسها و ابتسمت تدفنُ رأسها بعنقهِ تلكمهُ بخفَّة:
بس بقى علشان هتزعل ...قهقهَ بصوتٍ مرتفعٍ عليها، يضمُّها وهي تطالعهُ بسعادة:
إضحك على طول بتكون زي القمر..
زوى حاحبيهِ وأردف:
وأنا مكشَّر بكون وحش؟..
- أوي أوي ..قالتها سريعًا، توسَّعت عيناهُ
متذمِّرًا ليدفعها على الفراشِ وترتفعُ ضحكاتها تهزُّ رأسها تهتفُ من بينِ ضحكاتها:
خلاص خلاص حلو وزي القمر ..حاوطها بينَ ذراعيهِ وأبحرَ بعينيهِ عليها:
وإنتِ أجمل بنت شافتها عيوني ..رفعت ذراعيها تعانقُ رقبته:
أخيرًا أبو الهول نطق وسمَّعني حاجة زي العشاق، هوَّ مش زي العشاق بس أهو أحسن من مفيش..
ارتفعت ضحكاتهِ يدفنُ رأسهِ بصدرها:
يابنت همَّا شدوكي من لسانِك ..خلَّلت أناملها بشعره:
عمري مااتخيَّلت أعيش معاك لحظات زي دي ..أجابها وهو مازالَ على وضعه:
ولا أنا ..كنت حلفت أدفن قلبي وأبعد ونويت متجوزش..
يااااه..دا إنتَ شايل في قلبك أوي..تمدَّدَ بجوارِها على ظهرهِ وأخرجَ تنهيدةٌ متألِّمة:
مش علشانِك، عندي أسبابي.. عادي ..استندت على ذراعها وتحدَّثت متسائلة:
إلياس عايزاك تتكلِّم معايا، إيه اللي مخبيه وواجعَك أوي كدا ..نزلت برأسها تهمسُ بالقربِ من خاصتهِ وعينيها تحتضنُ عيناه:
لو معتبرني مراتك حبيبتَك ريَّح قلبي حبيبي...
حبيبي..نزلت على صدرهِ كقطرةِ ندى بصحراءٍ جرداءٍ جافية..ظلَّت العيونُ متعلِّقةً ببعضها إلى أن هتفَ بخفوت:
بتحبيني قدِّ إيه ياميرو؟..ملَّست على وجههِ وعينيها متعلِّقة بعينيه:
كتير أوي حبيبي..اعتدلَ يحتضنُ كفَّيها بين راحتيهِ ثمَّ رفعهما إلى فمهِ يقبِّلِهما ثمَّ رفعَ رأسهِ ينظرُ إليها:
+
عايزِك على قدِّ حبِّك ليَّا تسامحيني..
أسامحَك..ردَّدتها متعجِّبة ثمَّ هزَّت كتفها متسائلة:
عملت إيه علشان أسامحَك عليه..نهضَ من مكانهِ واتَّجهَ إلى الحمام
+
بعدين تعرفي..قومي إجهزي علشان هاخدِك رحلة في البحر..
هاتنزلِّني البحر؟..
أومأَ برأسه:
فيه مفاجأة حلوة هتعجبِك..
+
بعدَ فترةٍ على أحدِ شواطئِ البحر الهادئة، توقَّفَ اليختُ الذي قامَ باستئجارهِ لتلكَ الرحلة، فتحَ حقيبتهِ ينظرُ لوقوفها بالخارجِ وهي تغمضُ عينيها تستمتعُ بنسيمِ البحر..وضعَ اللبسَ الخاص بالغطس، ثم اتَّجهَ إليها..
حاوطَ جسدها من الخلفِ يضمُّها لصدره:
شايف البحر منسِّيكي كلِّ اللي حواليكي، تراجعت برأسها على صدره:
إنتَ عارف قد إيه بعشق البحر، نظرت إليهِ من فوقِ أكتافها تنظرُ لعينيهِ متمتمة:
بس أكيد مش أكتر منَّك..سحبها للداخل، توقَّفت تنظرُ للثيابِ الموضوعةِ بجهل:
إيه دا حبيبي..استندَ بذقنهِ على كتفها وأردفَ بخفوت:
أهو علشان حبيبي اللي كلِّ شوية بتقوليها هاخدِك رحلة للبحر..
هنغطس، قالتها بذهول ..أومأَ لها بالموافقة..هرولت للملابسِ كالطفلةِ السعيدةِ بملابسِ العيد.
بعدَ فترةٍ كان يتجوَّلُ بها في قاعِ البحر ..ظلَّا لفترةٍ إلى أن أُنهكت تشيرُ إليه بالخروج..
+
ظلَّ اليومُ بينهما هادئًا بينَ نظراتِ العشقِ والسعادة، ليكملَ مساءهِ بأحدِ المطاعمِ المشهورةِ بذاكَ المكان..
تناولت الطعامَ متحدثة:
ماتيجي نرقص زي اللي بيرقصو دول..
رفعَ رأسهِ لساحةِ الرقص، ثمَّ اتَّجهَ إليها:
لا ..مش حابب جوِّ العريان، معرفشِ إيه غاية الستِّ إنَّها توقف بالطريقةِ المقرفة دي، ولَّا إزاي الراجل قابل على نفسُه كدا..
مش يمكن لسة عرسان ياإلياس..المكان دا مشهور لقضاءِ شهر العسل.
يعني إيه عرسان، عرسان في أوضة النوم ياميرال، حانت منهُ نظرةً لتلكَ الفتاةِ التي تعانقُ أحدِهم وتقبلهُ مع حركاتِ أناملِ زوجها على منحنياتها الأنثويةِ المؤذيةِ للعين، التفتَ إليها وجدها تنظرُ عليهما، نهضَ من مكانهِ وأمال يسحبُ كفَّها:
اتخنقت من المكانِ المقرف دا، قومي نرجع الشاليه..
هنرجع دلوقتي إحنا لسة واصلين!..
رمقها بنظرةٍ توحي بالغضبِ الذي تجلَّى بعينيه، فتوقَّفت متذمرة، وتحرَّكت رغمًا عنها ..عانقَ كفَّها وتحرَّكَ على الشاطئِ بنسيمِ البحرِ العليلِ قائلًا:
مش أحسن لراحةِ العين..صمتت ولم تردَّ عليه..جذبها يحاوطُ أكتافها:
مش كلِّ خلاف بينا تتقمصي، ميرال إنتِ مبقتيش صغيرة، لازم يكون فيه عقل، عجبِك المناظر اللي شوفناها جوَّا..
+
تحرَّكت دونَ حديثٍ إلى أن وصلَ إلى الشاليه، دلفَ للداخل، طالعها قائلًا:
هعمل كام تليفون، اطلعي غيَّري هدومِك، فيه حاجات كويسة فوق شوفي اللي يعجبِك ..تحرَّكت للأعلى دونَ حديث، دلفت الغرفةَ وجلست على الفراشِ لبعضِ الدقائقِ تحدِّثُ نفسها:
كان عندي أمل تتغيَّر شوية ياإلياس، ياربي أعمل معاه إيه، والتحكم اللي بيفرضُه عليَّا، بحاول أضغط على نفسي وأتقبلُه علشان بحبُّه، بس تعبت وحاسة أنُّه بيخنقني أوي…
مسحت على وجهها تزيلُ شيطانها مستغفرةً ربها ونهضت إلى الخزانة، توسَّعت عيناها تنظرُ لتلكَ الملابسِ الخاصةِ بالنوم:
الحاجات دي جابها إمتى، قليل الأدب، أومال لو مش عامل تقيل..تخصَّرت تطالعهُم بتدقيق، ثمَّ اقتربت تقلِّبُ بهما، متذكِّرةً جلوسهِ وهو يقلِّبُ بإحدى المجلاتِ التي كانت على متنِ الطائرة..
معقول يكون جابُهم بالليل بعد ماوصلنا، وقعت عيناها على المنامةِ ذاتِ اللونِ الأرجواني، التي لاتسترُ شيئًا، أفلتت ضحكةً وهي تحرِّكها بين كفَّيها:
- ودي شافها إزاي، جزَّت على أسنانها متذكرة تفحصه للمجلة فهدرت تدور حول نفسها:
- أه المحترم أكيد شافها على موديل، طيِّب يابنِ السيوفي، عجبِتك على الموديل ..هشوف هتعجبَك على مراتك ولَّا لأ…دقائق حتى انتهت ماتفعله، مع لمساتها التجميليةِ الخفيفةِ التي طغت على جمالها
عندهُ جلسَ يحادثُ أرسلان..
+
عندَ أرسلان فتحَ عينيهِ على رنينِ هاتفهِ اعتدلَ يعدِّلُ من نومه، يهزُّ رأسهِ يشعرُ بتشنُّجِ عنقه، جلسَ إسحاق بجواره:
إرجع بيتك ريَّح شوية، مراتّك اتصلت بيك بس قفلت في وشَّها علشان ماتصحاش، إنتَ من امبارح منمتش..
أرجعَ خصلاتهِ يمسحُ على وجهه:
اطَّمن على بابا الأوَّل، تساءلَ عن والدتهِ وأخته..
نايمين جوَّا متقلقش، وكلِّمت والدتَك قالت هتستنى الدكتور تطمِّن وتروح علشان ملك.
التفتَ لهاتفهِ الذي قامَ بالرنينِ مرَّةً أخرى ..
دا إلياس السيوفي شكلُه عرف خبر بابا..ربتَ على كتفهِ ونهضَ قائلًا:
رُد عليه وأنا هشوف الدكتور..
ألفِ سلامة على والدَك، لسة شايف الخبر ..
متشكِّر ..هو َّعامل إيه دلوقتي..تساءلَ بها إلياس..
- في غيبوبة، توقَّفَ إلياس واتَّجهَ إلى النافذةِ الزجاجية:
- أنا برَّة القاهرة، وقتِ ماأرجع أكيد هزوره ..
شكرًا إلياس..
لو محتاج أي حاجة كلِّمني ماتتكسفش، إحنا خلاص بقينا أصدقاء، ماتنساش وعدَك ياحضرةِ الظابط.
تنهيدةً مؤلمةً أخرجها من آلامِ مايشعرُ بهِ قائلًا:
متشكِّر بجد ياإلياس، تليفونَك فرق معايا، ومنتظر زيارتَك أكيد
إن شاء الله..قالها وأغلقَ الهاتفَ ينظرُ للخارجِ بشرود، ليلتفتَ للخلفِ بعدما استمعَ إلى كعبها الذي ينقرُ بالأرض، توقَّفَ يطالعُها وأقسمَ بداخلهِ أنَّ نقراتَ كعبها التي تتدلَّى بحركاتهِا، يشعرُ وكأنَّهُ ينقرُ فوقُ نبضِ قلبهِ ليتوَّقفَ عن النبضِ من تلكَ الجنيةِ التي قضت عليه.
+
وصلت إليهِ وتوقَّفت أمامهِ تشيرُ على نفسها:
مكنتش أعرف ذوقَك حلو كدا..كانت عيناهُ تفترسها برغبةِ رجلٍ عاشَ طيلةَ حياتهِ زاهدًا بالنساءِ لتخرجَ لهُ تلكَ الحوريةِ لتجعلهُ قديسًا لعشقها ..رفعت ذقنه تنظرُ بداخلِ عيونهِ بتجبُّرِ أنثى عاشقةِ حدَّ النخاع قائلةً بخفوت:
-إيه رأيك أنا ولَّا الموديل اللي شوفتُه عليها ..جذبها بقوَّةٍ لتصطدمَ بصدره.. شهقةً خفيضةً أخرجتها من قوَّةِ جذبه، تهمسُ اسمهِ بخفوت.. ارتجفت أوصالها بين ذراعيهِ وهي ترى صمتهِ وأنفاسها المرتفعةَ التي جعلت نبضاتهِ تخترقُ صدرهِ تحت كفِّها، رفعت عينيها إليهِ وتلاقت الأعينَ وليتها لم تلتقِ ليضمَّها بوقاحةٍ يتحسَّسُ جسدها بكفَّيهِ وكأنَّهُ يعدُّ فقراتها، همست بارتجافٍ من قبضتهِ عليها:
إلياس..تحرَّكَ ليقومَ بتشغيلِ الموسيقى الهادئة لتصدحَ بخفوتٍ بالمكانِ وأغلقَ الإضاءةَ ثمَّ اتَّجهَ إليها
يتراقصُ بجوارِها وهتف:
مش كنتِ عايزة ترقصي، دلوقتي أقدر أقولِّك أرقصي واعملي كلِّ اللي نفسِك فيه..
قشعريرة اختلجت كيانها لتتملَّكها عاطفةً قويةً وهي ترى تغيرهِ وعينيهِ التي لا تريدُ سواها..ناهيكَ عن إحساسهِ الصادقَ بكلِّ شيئٍ يفعلُه ..ظلَّ لوقتٍ يتراقصُ معاها وعينيهِ لم تنزاحَ عن جمالها ...إلى أن فقدت القلوبُ السيطرةَ لينعمَ كلًّا منهما بالآخر.
+
بعدَ يومين:
انتهى من ارتداءِ ثيابهِ وجمعَ أشيائهِ الخاصة للذهابِ لعمله، خرجت تجمعُ خصلاتها على جنب:
إلياس عايزة أروح بعدِ الشغل أغيَّر العربية، هتيجي معايا ولَّا أروح لوحدي؟..
استدارَ إليها قائلًا:
هعدي عليكي..توقَّفَ عن الحديثِ بعدما ذهبَ ببصرهِ على ماترتديه:
+
غيَّري الفستان دا، مش هتنزلي بيه، ارتدى نظارتهِ وهمَّ بالمغادرة، أوقفته:
إلياس الفستان حلو ليه أغيَّره، التفتَ يحدجها بصمتٍ ثمَّ تحرَّكَ دونَ أن يضيفَ شيئًا آخر.
+
عندَ يزن:
ترجَّلَ أحدهم من سيارتهِ يشيرُ إليه:
العربية بتعمل صوت ممكن تشوفها، أشارَ إليهِ اسماعيل:
أنا جاي أشوفها، الباشمهندس مبقاش شغَّال هنا يابني.
اقتربَ منهُ ياسر:
ليه يايزن استغنيت عن الحاج اللي خيرُه عليك، اتَّجهَ إلى السيارةِ وأوقفَ صاحبَ الورشة:
ارتاح ياعمُّو اسماعيل هشوفها أنا لحدِّ مالعربية توصل..
قلَّبَ بالسيارةِ يشيرُ إليها:
العربية مفيهاش حاجة صوت إيه، شغلَّها كدا..شغَّل المحرِّك، اقتربَ منهُ يزن:
عربيتَك حلوة مفيهاش حاجة لو مش مصدَّق ممكن تاخدها لحد يشوفها غيرنا.
+
استقلَّ الرجلُ السيارةَ وابتسمَ ساخرًا ثمَّ قادها وتحرَّك، نظرَ يزن إلى اسماعيل:
الواد دا مالُه، عمرُه ماصلَّح عندنا حاجة..
العلم علمَك يابني، والغريبة إنَّك متخانق معاه إمبارح ويجي عايزَك تصلَّح العربية.
+
عندَ آدم بعد يومين قضتهما تغلق على نفسها الباب ولا تريد الحديث مع احدًا استيقظَ من نومهِ ثمَّ اتَّجهَ إلى الغرفةِ يطرقُ عليها:
إيلين افتحي الباب عايز أغيَّر علشان أنزل الشغل..فتحت بعدما تجهَّزت وتحرَّكت متَّجهةً إلى مكتبها تحملُ كتبها وهمت بمغادرة المكانَ دونَ أن تهتمَّ بوجوده..
أوقفها بصراخ:
إنتِ رايحة فين كدا، كانت تواليهِ ظهرها وهي ترتدي نظارتها السوداء حتى لا يرى انتفاخَ عيناها من البكاء..
اللي ليك عندي قدَّام الناس جوزي، إنَّما هنا زيك زي أي حاجة في الشقة مالهاش لازمة غير ساعة ماأحتاجها.
استدارت ترمقهُ قائلة:
برَّة معرفكشِ ولا تعرفني، حتى لو قابلتني صدفة في الكلية كأنَّك مشفتنيش ..قالتها وتحرَّكت من أمامهِ سريعًا.
+
عند أرسلان فتحَ بابَ شقتهِ يبحثُ عنها كانت بالمطبخِ تعدُّ الطعام، اقتربَ منها يحاوطُ جسدها من الخلفِ لتهبَّ فزعةً تضعُ كفَّها على صدرها:
-حرام عليك يارسلان خضتني..
سلامتِك ..استنشقَ رائحةُ الطعام:
إيه دا مراتي بتعرَف تطبُخ ياللهول..
أفلتت ضحكاتٍ ناعمةٍ على طريقتهِ ممَّا جعلتهُ يبتسم ..سحبَ كفَّها وخرجَ إلى الأريكة:
جعان نوم عايز أنام ساعتين علشان أنزل المستشفى وكمان أعدِّي على الشركة من وقتِ تعب بابا ومعرفشِ حاجة عن الشغل..
وضعت الوسادةَ تشيرُ إليه:
طيِّب نام هنا وأنا هخلَّص الأكل وأجيلك..هزَّ رأسهِ بالرفض،
ليتمدَّدَ ويجذبَها إليهِ يضمُّها ويدفنُ رأسهِ بعنقها:
لا ..خلِّيكي معايا، قالها وذهبَ بسباتٍ عميق، ظلَّت بجوارهِ تتطلَّعُ إليهِ بحب تهمسُ لنفسها:
معقول ربنا بيحبِّني أوي كدا علشان يرزقني بيك، تذكَّرت حديثها مع زياد أخيها أن يبحثَ عنهُ ويعلمَ كلَّ شيئٍ يخصُّه.
رفعت كفَّها وظلَّت تُمرِّرها مرَّةً على وجههِ ومرَّةً على خصلاته، دنت من وجههِ وطبعت قبلةً على وجنته:
شكلي حبيتك ياحضرة الغامض..استمعت إلى رنينِ جرسِ الباب ..تسحبَّت بهدوءٍ من جوارهِ واَّتجهت تفتحُ البابَ وجدت فتاةً يافعةَ الطولِ شقراء ترتدي ثيابًا فاضحة كما تخيَّلتها غرام، خلعت نظارتها ترمقُ غرام باستهزاء:
فين سيدِك يابت؟..
ضيَّقت غرام عينيها متسائلة:
إنتِ مين وعايزة إيه؟..
تحرَّكت للداخلِ هاتفة:
أنا مرات البيه اللي جوَّه، وصلت لنومه:
الله الله الباشا نايم ولامعبَّرني ومخلِّيني ألف عليه الدنيا كلَّها، حضرة المشاغب أنا جيت..
فتحَ عينيهِ على صوتها، ثمَّ اعتدلَ يهمسُ اسمها:
طمطم ..
1
عندَ راجح:
هتعمل معاه زي ما عملتِ مع مالك، لكن تأكَّد لو فشلت هدفنك، الراجل دا أسمع خبرُه وإلَّا هموتك..
حاضر ياباشا، المرَّة دي جايب قنَّاص خبير ، الولد المهندس دا عملت الخطة زي ما اتفقنا
-أيوة ياباشا.أشارَ إليهِ بالخروج، فاتَّجهَ إلى مقعدهِ وفتحَ هاتفهِ ينظرُ إلى صورةِ فريدة:
خلاص يافري باقي تكّة واحدة ونتقابل تاني، وأرجع آخد حقِّي اللي حرمتيني منُّه، وخلِّي اسمُه إيه ينفعِك.. أه اللي عامل فيها بارم ديلُه إلياس ينفعك، عايز أشوفه بعد اللي هعملُه، أنا أتهدِّد من حتِّة عيِّل بتاع امبارح ،قالها وارتفعت ضحكاته..
+
بالجريدةِ عند ميرال:
كانت منشغلة على جهازها، استمعت إلى دفعِ البابِ وجدتهُ أمامها:
إلياس فيه حاجة، انحنى يُطبقُ على كفِّها يسحبها ويتحرَّكُ للخارجِ دونَ حديث..
حاولت الحديثَ ولكنَّهُ كان صامتًا، من يراهُ يظنُّ أنَّهُ سيفتعلُ جريمة ..دفعها بالسيارةِ بقوَّةٍ أذهلتها وقادَ السيارةَ بسرعةٍ جنونيةٍ بحالةٍ من الصمتِ المقتولِ الذي جعلَ قلبها سيتوقَّفُ من الخوفِ من هيئته، وصلَ إلى المنزلِ وسحبها للداخلِ بعنفٍ قابلتهم فريدة:
فيه إيه، مالكُم؟!..
إلياس سيب إيدي بتوجعني، وصلَ لجناحهِ وصفعَ البابَ بقوَّةٍ حتى كادَ أن يسقطَ متحطِّمًا ..دفعها بقوَّةٍ حتى سقطت على الفراشِ ثمَّ توقَّفَ يدورُ بالغرفةِ كالمجنونِ محاولًا السيطرةَ على أعصابه، اتَّجهَ إليها منحنيًا بجسده:
أنا مش حذَّرتك متنزليش بالفستان دا..
تراجعت بجسدِها خوفًا من هيئتهِ تهزُّ رأسها تهمسُ بتلعثم:
أنا قولتلَك حلو وإنتَ مردِّتش..
ضغطَ على فكَّيها بقوَّةٍ حتى شعرت بتحطيمها:
هوو إنتِ ليه متعوِّدة أقول الحاجة مليون مرَّة، قولتِ مرَّة يبقى تتسمِع، انسابت عبراتها من قوَّةِ آلامها:
إلياس بتوجعني، أوقفها بعنفٍ يهزَّها بجنون:
أوجعِك، هوَّ إنتِ لسة شوفتي وجع، إيه عاجبك جسمِك ماشية تعرضيه على الكل..نظرَ إلى منحنياتها التي أبرزها الفستان بطريقةٍ أذهبت عقله، وقصره الذي أظهر ساقيها، قبضَ عليهِ بعنفٍ وبكلِّ قوَّةٍ لديهِ شقَّهُ لنصفين، ليرتجفَ جسدها من فعلته، ثمَّ دفعها بقوَّةٍ بعدما سيطرَ عليهِ شيطانهِ يهمسُ بفحيح:
أنا هخليكي بعد كدا تحرَّمي تفكَّري تكسري كلامي، قالها وهو يهجمُ عليها كأسدٍ مفترس، ليجعلها تذوقُ من مرارِ عنفهِ مايجعلُها تشمئزُّ من حياتها بالقربِ منه، بعدَ فترةٍ ليست بالقليلةِ انتهى من مايفعلهُ دنا يهمسُ لها:
إفرحي بقى بحلاوتِك يامدام، مبقتشِ هتكلِّم، وكل ماتخالفي اوامري هتلاقي أصعب ماتتخيليه
قالها واتَّجهَ إلى متحركًا إلى الحمَّام ..توقَّف يشيرُ إليها:
أخرُج من الحمَّام مالقيش الفوضى دي..
اعتدلت تلملمُ الغطاءَ على جسدها، شعرت بتكسيرِ عظامها، احتضنت نفسها متألِّمةً تبكي بصمتٍ على ما فعلهُ بها، خرجَ بعد دقائقَ معدودةٍ واتَّجهَ يرتدي ثيابهِ وتوقَّفَ أمامَ المرآةِ بكلِّ جبروتهِ ينظرُ إلى نومها:
مفيش شغل بعد كدا، خروج من الفيلا هكسرلِك رجلك..قالها واتَّجهَ يجمعُ أشيائهِ ثمَّ اقتربَ يديرُها إليهِ ينظرُ إلى علاماتهِ التي تركها على جسدها:
شكلِك كدا أحسن، علشان تلمِّي نفسِك وماتنزليش بلبسِ عريان قدَّام إسلام مع إنِّي حذَّرتِك قبلِ كدا..
وأه، كلِّ هدومِك دي..الشغالة هتطلع تنزلُهم وأنا هجبلِك على ذوقي، دنا لشفتيها:
مش أنا ذوقي حلو حبيبي، صح قالها وهو يخترقُ عينيها بنظراتٍ توحي الكثير من عذابِ الحبِّ لدى الاثنين..
مرَّرَ أناملهِ على شفتيها المتورِّمة:
عندِك كريمات يبقى حُطيها، شكلِك كدا مش حلو..قالها واعتدلَ وتحرَّكَ للخارج.
مساء اليوم التالي
2
عند مصطفى خرج من مكتبه يتحدث بهاتفه:
-ايوة هو راجح الشافعي، اممم، برافوو عليك، ظبط الدنيا وبكرة اسمع عنه زي ما سمعت زي زمان..توقف بجوار سيارته مردفًا
-جودت الراجل دا آذاني كتير، وبيحفر ورا إلياس وبيخطط له، شركته بكرة اسمع أنه خسر كل حاجة، وتجبلي طليقته دي، اشوف حكايتها ايه، وايه اللي سمعناه دا، ازاي يعني ياخد ولادها بالتهديد ..ظل لدقائق يشير إلى السائق الذي قام بفتح باب السيارة ليستقلها ومازال يتحدث بهاتفه
-ودي بتراقب ميرال ليه، انت لسة جاي تقولي ياجودت، الست دي عايزة توصل لايه، جودت مش عايز الموضوع يوصل لإلياس، عارف لو ابني عرف هيعمل ايه، مش هيرحمه، خلينا نلمها من غير مايعرف
توقفت سيارته فجأة وطلقة نارية اخترقت رأس السائق، لتتحرك السيارة بسرعتها مع الطلاقات النارية عليها
+
عند إلياس قبل قليل عادَ إلى المنزل:
تسلَّلَ على ضوءِ الإضاءةِ الخافتةِ إلى أن وصلَ لفراشها ثمَّ وضعَ مابيدهِ واتَّجهَ ينظرُ إليها بنظراتِ الاشتياق، فمنذ أمس لم يعود، حرك أنامله على وجنتيها التي بها آثار من الدموع،
انحنى يطبعُ قبلةً بجوارِ شفتيها وهمسَ لها بعضَ الكلماتِ
+
-قولت لك حبك نار ياميرال، شوفتي خلتيني أذيكي وأذي نفسي ازاي، لا قادر ابعد ولا قادر أقرب، خلاص مبقاش ينفع نقرب من بعض تاني، كدا كفاية أوي على اللي عشانه، مكنتش مخطط اعيش دا كله معاكي، بس لأول مرة أضعف، ولو أنتِ هتضعفيني كدا يبقى بلاش منك، كل واحد يرجع لحياته، بس هتفضلي باسمي لحد ما اموت ..طبع قبلة مطولة على جبينها، استيقظت على إثرها، ولكنها مازالت مغلقة الجفنين ظل للحظات يحتضنها بعيونه ثم تحرَّكَ للخارجِ كما دخل ..فتحت عينيها بعد خروجهِ وانسابت عبراتها المتحجِّرةِ تحتَ جفنيها تهمسُ لنفسها:
طلعت قاسي أوي ياحبيب عُمري ومن قساوتَك قسِّيت قلبي عليك.. وكرهتيني فيك، استلم بقى ياإلياس انت اللي جبرتني على كدا
هبط الدرج استمع إلى رنين هاتفه اخرجه، ولكن توقف على صوت فريدة
+
- إلياس ..صاحت بها فريدة، استدارَ إليها دونَ حديث، يغلق الهاتف الذي عاد رنينه، اقتربت منهُ تطالعهِ باشتياقٍ قائلة:
ليه يابني بتعمِل في مراتَك كدا؟..
نعم ..وحضرتِك بصفتِك إيه تدَّخلي في حياتنا، دنا خطوةً إلى أن وصلَ إليها:
إنتِ مرات أبويا وأم مراتي آه، لكن حياتي أنا حُر فيها، ولو زعلانة على بنتِك خُديها عندِك مضربتهاش على إيديها..
يعني إيه يابني لو مش عجبني، إنتَ مش شايف قساوتك مع مراتك..
-مدام فريدة لمَّا بنتِك تشتكيلِك يبقى تعالي حاسبيني هيَّ اشتكتلِك؟..
انعقدَ لسانها من قساوته، لتقتربَ خطوةً قائلة:
والدَك هيرجع النهاردة تفتكر هيسكُت على معاملِتك دي؟..
توسَّعت عيناهُ ينظرُ إليها بذهول:
- نعم .. والدي، ليه هيَّ حياتي ولَّا حياته، بصي يامدام فريدة علشان منتعبشِ مع بعض، أنا قولت مش عايز أتجوِّز، ورغم كدا ماحترمتوش رغبتي..اللهُ أعلم قولتي لبابا إيه، علشان تدبِّسوني في الجواز ، وكمان أنتوا اخترتوا العروسة وماكان عليَّا
إلا إنِّي أوافق ماهيَّ العروسة مش بعيدة عنِّي، اقتربَ منها…
حب دفنتُه جوايا لعشر سنين بسببِك، والفرصة جاتلي على طبق من ذهب من جهة أعيش حياتي مع اللي اختارها قلبي ومن جهة أحسَّرك عليها إيه رأيك…لا وخدي التقيلة بنتِك هتفضل معزَّزة مكرَّمة لحدِّ ماتجيبلي وريث، بس أنا ناصح ومش هستنى منها تبيعهُم وتهرب زي غيرها، لأنِّي وقتها هولَّع فيها أو أدفنها حية، أو اعمل فيها ابشع ماتتخيلي، كفاية اني وافقت اتجوزها بعد مغامراتك العبقرية، والصراحة مش هخبي عليكي عجباني وكمان بتحبني ورامية نفسها عليا، ليه متهناش معاها شوية، دنى خطوة أخرى حتى لم يفصل بينهما شيئا
-تعرفي على قد حبي ليها على قد كرهي لها كل ما افتكر إني اتجوزت بنت اكتر ست كرهتها في حياتي، بس مش مهم باخد تعويض برضو
لطمة قوية فوق وجنتيه، تنظر إليه بشراسة مع تجمد جسده من فعلتها، دفعته بصدره
-إنت مين يالا، انت مستحيل تكون ابن جمال، جمال ابنه مش حقير ولا واطي
كدا ، انت حيوان ..قالتها بصرخة اذابت ضلوعها وهو يطالعها بشحوب لا يعلم بماذا تهذي
+
صرخةٌ خرجت من فمِ غادة على صوتِ ارتطامِ جسدِ ميرال ليتدحرج من الدرج بعد استماعها لحديثه حتى وصلت لاخر سلمة..لتحيطُها غمامةً سوداء وتشعر بدوران الأرض بها ناهيك عن الآلام التي اخترقت صدرها لتضع كفيها على بطنها تهمسُ بتقطُّع:
"يارب أموت "
+
مساء الخير
اكبر فصل اكتبه وتعبني جدا جدا
يارب يعجبكم ومنتظرة ارائكم وأكيد متنسوش تدعموني بالضغط على النجمة
+