رواية عقاب ابن البادية الفصل السادس 6 بقلم ريناد يوسف
رواية عقاب ابن الباديه الفصل السادس بقلم ريناد يوسف
❈-❈-❈
عادت مكاسب إلي خيمتها وقد اقسمت أن القادم سيكون دماراً على سدينة وحرباً لن تنتهى إلا بإستسلامها التام وتركها لقصير وعدم العودة إلى الاساليب الملتوية، فإن كانت هي سدينة إبنة عمران فالاخرى مكاسب إبنة مهدي، ولو على كيد النساء فهذا عندها اسهل من شربة المي.
نظرت إلى صغيرتها التي استيقظت تبكي من جوعها، وهمت ان ترضعها ولكنها تراجعت وهي تنظر اليها وهمست لها ولنفسها:
- سامحيني يارجوه من اليوم مافي حليب من صدري، صار لابد من فطامك حتى يجف الحليب ونحبل يمكن الله ينصفني ونجيب الوليد اللي يرجعلي قدري بقلب ابوكي، ويرجعلي هيبتي اللي بدت تروح علي يد سدينه.
انهت جملتها وغادرت الخيمة وذهبت عند المكان الذي فيه الماعز وبدات في حلب احداهن، وعادت بالحليب للصغيرة وبدات في محاولة إطعامها منه، فوجدت نفوراً من الصغيرة وبكاء مرير وهي ترفض هذا الحليب ولا تستسيغ طعمه، ومع ذلك لم يرق قلب مكاسب عليها واخذت تحاول مراراً وتكراراً.
استيقظت معزوزه وشقيقاتها فيحاء ودره على صوت بكاء رجوه اختهم، ولما رأت معزوزه ماتقوم به أمها اخذت الصغيرة منها وهي تهتف لها بلوم:
والله مسكينه هالصغيره من توها بدت تعاني وتشيل شيلة اكبر منها، بدتها بالضرب والهنوبة بالجوع والحرمان، مظلومات بنات البوادي اذا كانو والديهم كيف قصير ومكاسب.
مكاسب بغضب:
-صكري خاربك ولا انسكتك بطريقتي يامعزوزه، افطني.. من اليوم ماتحاسبيني ولا تعترضيلي على شي، انا نعرف ويش انسوي ماناقصني غير ضنوتي يقفن لي ويعلمني الصواب من الخطأ.. وشوفي يامعزوزه رجوه من اليوم اعليكي تربايتها، هي من توها ترضع حليب ماعز يعني ماعادت بحاجتي، نومتها وهدمتها وكلها وشرابها رعايتها كلها تخصك انتِ متكفله بها، وبعديها عني ان كنتي تخافين عليها وتحبيها.
نظرت معزوزه لشقيقتها واردفت وهي تراها تتلوى جوعاً وتضع يدها في فمها وتقوم بمصها عسى ان تأتى لها بحليب:
زين يمي اني من توي متكفلة بشقيقتي، انتي بعد ماعاد لك شان بيها.
مكاسب:
اي زين.
نهضت مكاسب وغادرت الخيمة وخرجت تزرع رمال الصحراء ذهاباً وإياباً وهي تفكر من اين ستكون بداية تأديب سدينة على يديها، غير آبهة ببكاء الصغيرة التي تطالب بالرحمة وتصرخ من جوعها، أما قصير فأنتبه على بكاء الصغيرة بهذه الطريقة العجيبة وهم ان ينهض ليرى ماذا هناك، ولكن سدينه تعلقت بذراعه وهمست له متسائلة:
وين رايح وتاركني بروحي قصير؟ قصير:
بس اروح اشوف الصغيره من ايش تصرخ وراجعلك، ماهي عوايدها تبكي بهي الطريقة.
سدينه:
يانبض قلبي ونظر عيني انت حكيتها من حالك، ان الصغيره اول مره تبكي هالقد؛ ، معناها مكاسب مبكيتها بس لتخليك تتركني وتروحلها لانها عشمانة اليوم انت عندها.
قصير:
مكاسب مافيها الخبث ياسدينه.
- ياروح الروح الحين كل شي تغير واختلف، هي اليوم عندها ضره واذا ماكان عندها خبث قبل اليوم عالاكيد صار عندها، وبعدين خلينا لا نقول خبث خلينا نسميها غيره وجكر.
نظر اليها قصير لبرهة ثم ازاح يدها بحركة بطيئة ونهض غير آبه بكل ماقالته، وارتدى ملابسه وخرج متوجهاً لخيمة مكاسب، فدلف ليجد معزوزه تحمل الصغيره التي تصرخ وتحاول اطعامها، وبجانبها اختيها، وبحث عن مكاسب في الخيمة فلم يجدها فتوجه بالحديث لمعزوزه متسائلاً:
يش بيها خيتك تعوي هيك، ووين امك لوين راحت بهالوقت وسيبت الخيمه؟
معزوزه:
امي تركت الصغيره وقالت من اليوم صار فطامها وتركت الخيمه وطلعت.
رفع قصير حاجباه وهو يشعر بالغرابة واردف:
صار فطامها؟ كيف هالشي والبنيه ماصار عمرها غير شهرين؟
معزوزه:
فطمتها ورمتها لجل تحبل مره تانيه وتجيبلك الولد.. رمت هالمسكينه لتجيب اللي راح يحرر البلاد ويفتح بلاد العربان ويعاودلها محمل بالغنايم..وكأن اللي كاعندها وليد ما تسوا شي لا هي ولا بنياتها.
قصير:
صرتي تحكي حكي اكبر من عمرك يامعزوزه.. اسكتي ولا تحكي هيك مره تانيه، واعطيني الصغيره ونامي انتي وخياتك.
معزوزه:
لوين بدك تاخد الصغيره؟
قصير:
هندور على امها ونعطيها لها ونخليها تعقل شوي وترضع البنت من حليبها وتفكنا من عمايل الصغار والمكاليب .
اخد الصغيرة من معزوزة، وقبل ان يغادر الخيمة ويخرج في الظلام نظر لابنته النظرة الاولي، فتبسم وهو يراها واردف :
ويش هالسماحه كلها يابنت مكاسب من وين جبتيها، والله مامرت اعليا متل عيونك الوساع اللي كيف عيون الريم ولا هالملامح السمحه!
تحرك بها للخارج، واقترب من مكاسب التي انتبهت لقدومه علي صوت الصغيرة وتوقفت عن المشي والتفكير وحين اقترب منها ووقف امامها نظرت اليه والي الصغيرة في يده ثم ربعت يديها امام صدرها وحدثته بغضب:
ويش جابك وطلعك من خيمة عروسك ياعريس، ماخايف تغضب عليك سدينه؟
قصير:
هندير روحي ماسمعت كلامك اللي ماله عازه بس لاجل الغيظ اللي ناضره بعيونك، غير هيك كنتي بقاع البير من بدري عم تلفظي اخر انفاسك. لتتحاكي مع لموات بدل ماتحاكيني
اشاحت مكاسب بنظرها بعيداً فهتف بها قصير:
مدي يدك احملي الصغيره ورضعيها وبلا تفكيرك الخايب، اصبري لتكمل البت سنه وافطمي واحبلي ماحدا راح يعترض، بس الحين مايصير.
مكاسب:
لا بيصير ويصير واللي بدي ياه بيصير ياقصير، ولا لان سدينه راح تجيبلك الوليد ماعاد تريده من مكاسب، بس انا راح اجيب ولد لبنياتي يشدون ضهرهن بيه ويصير سندهن بس يكبرون، لان ولاد سدينه عرفنا ماراح يكونو حزام ضهر، اللي امهم حربايه من الحرابي مابينشد بيهم ضهر.
قصير:
غلطتك التانيه وماعدى عالأولي ديقايق يامكاسب، اللي تغلطين فيهم قبل لايجوا ع الدنيا ولادي، ضنوتي من صلبي، واللي ينقص من قدر ضنوتي كنه نقص من قدري.. وانا ماتعودت عليكي ماتراعين الأصول بقول او فعل يامكاسب، ولا الظاهر انك عن جد بديتي تتغيرين وتتبدل طباعك وماعدتي سدينه البنت اللي نعرفها.
مكاسب بغضب:
اسمي مكاسب ياقصير، سدينه هنااااااك بخيمتها تستناك، عديلها وماعليك بمكاسب كيف كانت وكيف صارتك لانك نسيت طبعي اكيد متل مانسيت اسمي.
قصير:
ذلة لسان يامكاسب وقصير حتى اذا لسانه ذل ماتحاسبه حرمه، خدي بتك وعاودي خيمتك وانا بس يطلع الضي راح اجيكي ونحكي بكل شي.
مكاسب:
مافي حكي ياقصير، عاود بالبنيه واعطيها لاختها معزوزه، وانا شوي ونرجع الخيمه، واعمل حسابك من غدوه المبيت راح يتقسم مابيني وبين سدينه بحق الله، ياهيك ياما بشكيك لعمي الشيخ منصور.
قصير:
تسويها يامكاسب؟
-اسويها ياقصير.
نظر اليها بسخط ثم عاد ادراجه واعطى الصغيرة لشقيقتها وعاد لخيمة سدينة وهو يفكر في عقاب لمكاسب على كل ماتفوهت به وطريقتها في الحديث معه، وحين دخوله للخيمة وجد سدينة هي الاخري قد تبدلت ملامحها للغضب، وبدأ يدرك انه بصدد مواجهة صراعات النساء التي لا يكره في الحياة اكثر منها، ولكنه تذكر أن هناك من سيجنبه كل هذا الهراء.. عمته "عوالي" شيخة القبيلة واخت الشيخ منصور التي ستعود من الحج قريباً مع اخيها نصير.. وهي الوحيدة التي تمسك زمام نساء البادية بيد من حديد ولا تجعل مثل هذه النزاعات بين الضراير أو السلايف ولا تجعلها تصل للرجال نهائياً.
تجاهل سدينة وتجاهل كل شيئ وارتمى على الفراش وغط في النوم فغداً يحمل له الكثير من الجهد ولا ينقصه مثل هذه الخلافات.
أما سدينه فظلت مستيقظة تنظر اليه وتغلى من قهر تجاهله لها، ونظرت للسلة فوجدت ثعباناً يخرج منها فنهضت وقامت بالقبض عليه وإرجاعه لمكانه وإغلاق السلة جيداً، فثعابين قصير اصبحت هي المسئولة عنهم وعن ضياعهم الآن، ولن تعطه سبباً لتوبيخها وجعل مكاسب تتشمت بها.
❈-❈-❈
في اليوم التالي خرج قصير للخلاء مع بعض الاطفال وآدم معهم بالطبع، واليوم كان درس التصويب بالأسلحة والرصاص الحي، ومحاولة اصطياد الطيور المحلقة.. واحرز آدم المركز الأول في هذا التدريب ايضاً مقارنة بأقرانه من حديثي التعلم، وها هو نجاح جديد يضاف إلى نجاحاته.
وعاد بهم في نهاية اليوم وهو يتطلع لبعض الراحة بعد يوم عصيب، فصدم بخبر جعل الدماء تغلي في عرقه، فقد حدثت معركة بين زوجاته على اعين جميع النساء واطفال البادية، وعلى اثرها فقدت سدينه حملها وكسر ذراعها وأصيبت مكاسب فى عينها إصابة قد تكلفها عينها وتنطفئ نهائياً.. فوقف وعلي مرأى ومسمع من الجميع هتف:
سدينه تعاود لخيمة ابوها عمران وماتعاود الا ابت في أمرها.
اما مكاسب فمن اليوم للعام القادم متل هاليوم تحرم اعليا خيمتك ومجلسك وقربك وحديثك.
والحين انا راح اختار عروس تالته لان الاتنين اللي تزوجتهم مابيهم خير.
انهى حديثه وترك المكان لمكاسب وسدينة تتعالى اصواتهم بالنحيب وكل منهما تشعر بالندم يأكلها على تصرفها الأهوج.
جلس قصير بجانب الشيخ منصور وبدون مقدمات قال:
شيخي انا راح اتزوج الثالثه.
منصور:
هدي ياقصير ماتاخد قرارات بلحظة غضب.
قصير:
لا ياشيخ قراري مدروس زين، انا ودي مره عاقله وراسيه ماراعية مشاكل.
عمران:
افهم الغلط من مين بدا ياقصير وماتظلم.
قصير:
مابدها فهم ياعمي، المره اللي ماتنتظر راجلها لياخذلها حقها وتاخذه بدراعها مالها اعذار، وذنبها مايقل عن اللي بدت المشاكل لأنها كانت تقدر تمنعها من عندها وتصير صاحبة حق لكنها ضيعته وعم عليها الذنب.
صمت الجميع وتركوا لقصير المجال حتى ينفث عن غضبه في هيئة زفرات متتالية، فنظر منصور لمهدي وسأله:
متى تعاود الشيخه عوالي يامهدي؟
مهدي:
ايام ياشيخ وتعاود.
منصور:
الله يردها بالسلامه، الباديه صارت هوسه من بعدها والصبايا بدن يتفرعنن.
قصير:
حتى لو عاودت وادبت الحريم راح اتزوج.
منصور:
وانا راح اشوف مين اللي بيعطيك مره بعد مالشيخ منصور يصدر أمره ان ماحدا يعطيك واعمم الخبر بكل القبايل.
قصير:
ليش هيك ياشيخ؟
منصور:
لا تتهبل قصير، زوجناك لتجيب ولاد موش لجل كل شوي ترمي مره وتتزوج الثانيه.
قصير:
ياشيخ هاد حقي.
منصور:
لا هاد طيحان حظ . وعقل خارف مو حقوق
أما في قصر محمود..
-ايه يا يحيى مالك فيك ايه متوتر كده ليه؟
يحيى:
مش عارف يا فريال حاسس ان قلبي مقبوض وحاسس ان امرنا هيتفضح ومش هيحصل لنا طيب.
فريال:
لا انت بس قلبك بقى خفيف ما تخبيش ولا تنكر وبعدين انا قلت لك ما تخافش مش هيموت محمود هيفضل عايش كل الحكايه انه هيتعب شويه بس وصحته هتتدهور وده علشان يكون قدامك فرصه انك تحط ايدك على الشركه والفلوس والاملاك وبس تاخذ كل حاجه وتحولها باسمك ومن بعدها تحولها باسمي، وانا بعدين احولها باسم ولادنا هبطل أدي له التركيبه وهيخف ويبقى زي الفل ويرجع احسن من الاول كمان بس وقت ما يرجع مش هيكون حيلته حاجه ومش هيكون له لازمه معانا وناخذ بعضنا انا وانت والاولاد ونسافر بلد ثانيه،
ونعيش حياتنا بفلوسنا حقنا اللي بينقطنا بيه تنقيط وفاكر نفسه انه بيجبي علينا،
وانت واختك لكم حق في كل قرش محمود عمله، وسبق وقلت لك الكلام ده وهفضل اقوله لكم طول الوقت انتم اصحاب الخير اللي فيه محمود انتم اللي اتحرمتوا وانتم صغيرين، عشان هو يوصل للمستوى ده وتتجوزوه بنت الباشا وتدي له كل اللي معاها، ويبقى صاحب املاك وصاحب شركه ويتحكم في الناس بالطريقه دي .
صمت يحيى ولم يرد على كلامها فهو لا يملك الا الاستسلام ككل مره فقد استسلم لخطتها الاولى في التخلص من ابن اخي وها هو يستسلم لخطتها في اضعاف اخيه حتى تمكنه من كل شيء هو لا ينكر ان طريقتها مؤلمه جدا وقاسيه ولكن هي الطريقه الوحيده التي امامهم ولا يوجد حل اخر فاما هذه الافعال او سيمضي الوقت ذليلا لاخيه يستجدي منه قوته وقوت اولاده ومتطلباتهم ،ولا يعلم ربما الايام تخبئ له ذلا من نوع اخر على يد ابن اخيه،
فالتخلص هو اسلم حل.
غادرت فريال الغرفه ونزلت ودلفت الى المطبخ فوجدت عايده تعد الطعام للغداء، هي تعلم انها دائماً تعد طعاما مخصوصا لزوجها محمود قليل الملح وقليل الدسم، فعرفت مكانه وقامت بوضع التركيبه في الطعام في غفله من عايده واعادت الزجاجه الى جيبها..
ثم اخذت تساعد في اتمام الطعام علي غير عادتها.
وبعد الانتهاء خرجت فريال من المطبخ وكانها لم تفعل شيئا، وجلست بجانب مديحه التي كانت منغمسه في قراءه الصحيفه غير آبهه لما يحدث من حولها، غير مباليه للجهود التي تبذلها فريال..
هي فقط تريد ان تحصل على المال ببساطه لا تشارك او تتعب حتى بالسؤال ولذلك قررت فريال ان تحرمها هي الاخرى من كل شيء فهي لن تجازف وتتعب وتخطط وتنفذ،
وياتي من يأخذ الغنيمه بكل سهوله دون ادنى جهد.
حان وقت الغداء، وخرجت عايده بالطعام وضعته على الطاوله،
وبدا الجميع في تناول الطعام محمود يأكل من طعامه والجميع يراقبون،
ويحيى يصارع شعورين قاتللان شعور بالخوف ممزوج بالشفقه، وشعور بالحماس لان هذه لا تعد مجرد وجبه ياكلها اخيه..
بل هي اول خطوه في طريق سعادته.
انتهى الجميع من تناول الطعام، وقامت عايده بلم السفره، وأعدت الشاي للجميع،
ثم تركتهم وصعدت الى غرفتها لتستريح قليلا،
وايضا لتختلس لحظات من السعاده في غفله من زوجها،
فهي لديها سر صغير أقسمت على الا تتشاركه مع اي احد في العالم،
حتى زوجها.
فرفعت الفراش وأخرجت صوره لابنها ادم، قد سرقتها من محمود دون ان ينتبه،
قبل ان يضرم النار في بقيه الصور، واحتفظت بها لنفسها..
تنظر اليها بين الحين والاخر، فيطمئن قلبها حين ترى طفلها وهو جالس مع بقيه الاطفال بابتسامته وملامحه التي اشتاقت اليها حد الجنون.
واثناء اندماجها ومناجاتها لصغيرها في الصورة ومناداته بكل عبارات الدلال التي كانت تمطر آدم بها في الحقيقة..
سمعت صوت خطوات محمود يقترب من الغرفه، فقامت بتخبئه الصوره سريعا واستوت على الفراش وكانها نائمه فاقترب منها محمود وجلس بجانبها واخذ يمسد على شعرها بحنو وهو يهمس لها:
- بحبك يا أجمل واحن واحسن واطيب ست في الدنيا كلها..
بحبك يا رزقي اللي ربنا رزقني بيه وعوضني عن كل حاجه وحشه شفتها طول عمري.
فتبسمت عايده واقتربت منه وقامت باحتضان خصره،
وهذا اقل رد على كلماته الجميله التي تعينها على كل ما تعيشه من فقدان وحرمان و وجع واشتياق، ولولا مساندته لها لانهارت منذ مدة طويلة.
❈-❈-❈
مرت عدة ايام
عايده بنحيب:
يامحمود يلا بينا نسافر نروح اي مكان نشوف ايه اللي جرالك، انت خسيت في كام يوم بطريقه بشعه والاسهال مش طبيعي، مش معقول مفيش دكتور عارف ايه اللي عندك، مش معقول مفيش حد عارف يشخص حالتك!
اجابها محمود وهو يتستد بجسده على الاريكة ووجهه يبدوا عليه الأعياء:
ياعايده هتعمل ايه دكاترة بره وانا عملت هنا كل الاشعات والتحاليل والفحوصات والكل اجمع على اني معنديش حاجه واغلبهم قال ممكن تكون حاله نفسيه.
عايده:
طيب تمام مادام السبب نفسى انا وانت عارفين كويس ايه اللي تاعب نفسيتك..خلينا نجيبه وأوعدك مش هغفل عنه لحظه، اكله انا اللي اعمله هكون معاه منين مايروح.. هحرسه في البيت وبره نجيبله بادي جارد يرافقه، نجيب اتنين تلاته نجيب عشره، احنا هنموت من غير اببنا يامحمود.. انا كنت خايفه عليه هو لكن الولد طلع اقوى مننا واتحمل وعاش واتأقلم واحنا اللي بنتعذب.
- ابداً ياعايده، والله أدم مايرجع هنا حتى لو مت، وبعدين حراسة ايه اللي هنحرسهاله ماكان تحت عنينا اخوه ومات بطريقه احتارو فيها الحكما.. مات بسم محدش قدر يحدد نوعه، مفيش غير في النهايه بس اللي قدرنا نعرف انه نوع سم مركب واهم مكون فيه سم العنكبوت البرازيلي اللي اختلط بكذا حاجه تانيين خلوه فتاك بمجرد مادخل جسم الولد موته.. عايزانا نعيده من تاني ياعايده؟
اقشعر جسد عايده واغمضت عينيها بألم وهي تتذكر كل ماحدث لابنها، وهزت راسها رفضاً واردفت:
لا مش هنعيد حاجه، خليه بعيد خليه.. خلاص يامحمود طاوعني طيب ونسافر للدكتور اللي اكتشف نوع السم اللي في جسم مروان الله يرحمه.
محمود:
دا مش دكتور ياعايده دا مركز البحوث الامريكي.
عايده:
خلاص نسافر ونروح المركز ونشوف، مش يمكن يامحمود؟
تنهد محمود وهو يفكر في الاحتمال بجدية، فهو بالفعل يشعر بالغرابة حيال مايحدث له.. وكيف تحول جسده من كامل القوة لقمة الضعف في بضعة ايام، ولماذا بدأ يشعر بأن الموت اصبح يحيطه ويشم رائحته من حوله بوضوح.
عاد يحيى من الخارج والقى التحية على محمود وعايده وسأل عن فريال والأولاد وأخبروه بانها اخذتهم وذهبت للنادي، فجلس يمثل الاجهاد من إدارة الشركة، وخرجت مديحة من غرفتها على صوته وجلست معهم، فبدأ يحيى حديثه الذي حان وقته:
يامحمود انا بصراحه مش عارف امشي الشغل وانا كل شويه بلجألك ولازم اخد موافقتك وامضتك على حاجات انا ممكن اخلصها في دقايق بتخلص في ايام، والتعطيل بيكلف الشركه كتير..انا رأيي تعملي توكيل بالاداره مؤقت لغاية ماتخف وتقدر ترجع للشركه خليني امشي الدنيا.
نظر اليه محمود واخذ نفساً اخره على فترات واجابه بحزم وقوة لايتناسبا مع حالته الصحية:
مستحيل يايحيى، التوكيل دا في احلامك، انا لو جرتلي حاجه عايده من بعدي ومن بعدها ابني ومن بعدهم فلوسي للغلابه والمساكين، انما انت لا يمكن هتاخد مني مليم احمر طول ماانا عايش، لا بالرضى ولا بالحيله.. فاهم يايحيى.
انهى حديثه وتبسم وهو ينظر في عيني يحيى ليخبره بأنه يعلم كل مايجول بعقله ويعرف بكل مخططاته، وبأنها لن تنجح معه.. واكمل وهو ينظر له بنفس النظرات:
انا هسافر بعد يومين امريكا عشان اخلص الطلبيه بتاعة شركة قطع الغيار.. هروح انا بنفسي لان وجودي ضروري عشان امضي العقود.. عايز ارجع الاقي كل حاجه تمام في الشركه.. ياكده يأما هستغنى عنك واجيب للشركه مدير غيرك يفهم في الإداره.
انهى حديثه وطلب من عايده مساعدته حتى يذهب لغرفته يستريح قليلاً..واثناء صعوده للدرج كانت عينا يحيى ومديحه يراقبانه دون ادنى ذرة شفقة على حاله، خاصة بعد أن تأكدوا من عناده وبأنه سيحاول افساد مخططاتهم لاخر لحظة، فقرر يحيى ان تزيد فريال عليه الجرعة اليوم، فهو يستحق هذا بعد حديثه
❈-❈-❈
يتتبع