اخر الروايات

رواية جلاب الهوي الفصل الثالث 3 بقلم رضوي جاويش

رواية جلاب الهوي الفصل الثالث 3 بقلم رضوي جاويش 


جلاب الهوى
٣-الشبح الأسود
سارت خلف الحاجة وسيلة و كل خلية من خلاياها تكاد تهتف برغبتها في الراحة و النوم.. فقد مر على اخر مرة نامت فيها بعمق ما يقارب الثلاث ليال منذ جاءها ترشيح سفرها و هي تدور حول نفسها توترا لتنجز اكبر قدر من أعمالها المؤجلة و تنظيم مواعيدها و حقيبة سفرها قبل الموعد المحدد و أخيرا جاء ذاك الخبر القاصم للظهر بظهور عفيف على عتبة دارها يخبرها بفعلة اخيها لتسرع بالاعتذار عن سفرها لظروف طارئة و تأتي لتلك البلاد البعيدة التي ما وطأتها قدماها من قبل في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه مع ذاك الذى يدعوها للعشاء على مائدة داره في تلك اللحظة ..
وصلت لتلقى التحية في شرود و جلست على طاولة الطعام التي تتسع لعدد كبير من الأفراد .. و وجدت عليها ما لذ و طاب من أصناف الطعام التي يسيل لها اللعاب .. لكن هي لا ترى أمامها الان الا دفء الفراش و دثاره ..
كما ان طعام كهذا كفيل بإصابتها بالعديد من الكوابيس لسوء الهضم و هي اكتفت الليلة من نصيبها من الكوابيس بعد ذاك الذى رأته في اول تلك الليلة الميمونة .. تطلع اليها عفيف بتعجب هاتفا :- ايه يا داكتورة .. اكلنا مش عاچبك و لا ايه ..!؟.. نجيبوا لك غيره ..!؟
هتفت هي في رفض :- لااا .. غيره ايه ..!!.. ده جميل جدااا تسلم أيد الخالة وسيلة .. بس انا مش متعودة ع الاكل ده بالليل .. فمعلش اعفينى و استأذنك ارجع المندرة ..
نفض يده من طعامه الذى كان يلتهمه بشهية كبيرة و نهض على عجل هاتفا :- اتفضلى يا داكتورة .. أوصلك ..
هتفت دلال بإحراج :- لااا .. خلي حضرتك مرتاح انا عرفت طريقي ..متقلقش ..
هتف بأريحية :- على راحتك يا داكتورة .. دِه بيتك ..
ثم نادى الخالة وسيلة بصوت جهورى جعل دلال تنتفض لتظهر الخالة بسرعة كعادتها ليؤكد عليها هاتفا :- من دلوجت و طالع هتبجي مع الداكتورة ف المُندرة لو احتاچت اى حاچة تاجي جواام .. و تخليكِ بايتة معاها كل ليلة عشان متبيتش لحالها .. و اذا كان على كمال لما يرچع من مدرسته هايبجى معاي متجلجيش ..
سألت دلال بتهور دون تفكير اوعزته لتشوشها نتيجة رغبتها الملحة في النوم و الراحة :- مين كمال ..!؟..
لم يجبها احدهما للوهلة الأولى لكن الخالة وسيلة إجابتها :- دِه واد ولدي يا بتي .. هو اللي بجيلي من ريحته ..الله يرحمه
صمت عم المكان و لكن الخالة وسيلة اومأت برأسها موافقة على كل حرف نطق به عفيف دون ان تعقب بينما شكرته دلال داخليا في امتنان خاصة بعد ان امر الخالة وسيلة بمصاحبتها في المبيت .. الان فقط ستنام ملأ جفونها .. و ستحظى بنوم هانئ بعد ما حدث معها اول الليل في تلك الغرفة العجيبة التي دخلتها صدفة و لا تعرف هل كانت كوابيسها داخلها صدفة أيضا ..
*******************
استيقظت من نومها على صوت طرقات و ضوضاء تأتى من أسفل حجرتها مباشرة .. تنبهت انها نامت لفترة طويلة اكثر من المعتاد .. اطلت برأسها خارج أسوار شرفة غرفتها لتجد بعض من الرجال يحملون تلك المقاعد التي كانت موجودة في غرفة الجلوس او المقعد كما اطلق عليه عفيف بيه أمس يبدو انه يعمل على ترتيب تلك الغرفة لتليق بغرفة للكشف كما اخبرها البارحة .. ارتدت ملابسها على عجل و توجهت للأسفل ليقابلها هو بنظرته الغامضة و الواثقة دوما ..
تطلع للحظات لمحياها و هي تهبط الدرج في هوادة كأميرة متوجة و لكنه تنبه لنفسه فعاد يغض الطرف عنها حتى وصلت و ألقت التحية في ثبات هاتفة :- شايفة ان حضرتك بدأت بدرى .. و بتجهز الأوضة للكشف كمان ..
هتف عفيف مؤكدا وهو يتجاهل النظر اليها معطيا جل اهتمامه للعمال وعملهم :- اه .. جلت خير البر عاچله و اهو نشوف ناجصك ايه يا داكتورة عشان نچيبوه ..
ابتسمت في هدوء :- تمام .. انا هكتب لحضرتك أسماء الأجهزة و المعدات الطبية المطلوبة و بإذن الله أفيد البلد الفترة اللى قعداها معاكم ..
و صمتت فجأة لتهتف في وجل :- مفيش اخبار عن نديم يا عفيف بيه!؟..
تنهد في ضيق هامساً :- لو فيه اخبار حضرتك اول واحدة هتعرفيها .. بس مفيش .. حتى مهوبش ناحية شجتكم اللي ف مصر..
تنبهت لتسأل متعجبة :- و عرفت ازاى ..!؟..
أخيرا استدار لمواجهتها في ثقة تثير غيظها :- انى سايب اللى يتابع شجتكم هناك لانه اكيد هيلف و يرچع لها مهما بعد .. هو هيلاجي مين يوجف چنبه الا اخته .. و لما يعرف انك هنا .. هاياجى چرى على ملا وشه .. معلوم ..مش معجول يسيب اخته تدفع تمن غلطته السودا لحالها ..
هتفت دلال ساخرة :- و افرض عرف و مجاش .. هتعمل ايه ساعتها ..!؟..
ظهرت ابتسامة ساخرة على جانب فمه ثم هتف واثقاً :- مياچيش كيف يا داكتورة ..!؟.. لو بيعزك و بيخاف عليكِ كد ما بتعزيه و خايفة عليه .. يبجى هاياچي وهو بيرمح كمان..
تنهدت في ضيق وهي متأكدة ان كل كلمة نطق بها عفيف هي صحيحة تماما و ان أخيها لن يتورع عن المجئ الى عرين الأسد بقدميه متى علم انها هنا وانه قد تم استغلالها من اجل البوح بمكانه الذى لا تعرفه بالفعل .. نظرت اليه بغيظ و هي تكاد تنفجر قهرا من كم الثقة الذى يعترى كل حرف ينطق به .. يا له من مسيطر ..!!.. لا عجب من هروب اخته بعيدا عن سيطرته الخانقة و نظراته الواثقة حد الغرور و التي تخبر الجميع انه على علم بمجريات الأمور و كيف يمكن ان تسير على افضل وجه دون تدخل احدهم .. و أخيرا تنهدت و همست برجاء داخلي متضرعة:- ليتك لا تظهر يا نديم و لا تقرب الشقة مهما حدث فأنا قد احتمل ما يمكن ان يحدث لى هنا و لو بقيت مائة عام و لن احتمل ان يصيبك مكروه مهما كان من هؤلاء القوم و الذين على ما يبدو ليس لديهم اى عزيز او غالي يبقون عليه .. و على الرغم من غيظها و ضيقها من ناهد اخت عفيف والتي هى سبب هذا البلاء الذى حل بأخيها الا انها شعرت ببعض الشفقة تجاهها فماذا سيكون مصيرها اذا ما وقعت هى الأخرى بين يدى عفيف و رجاله و الذى ينتظر ظهورهما بفارغ الصبر حتى ينقذ شرف عائلته !؟..
تنبهت من خواطرها على نداء عفيف هاتفا :- الاوضة چهزت يا داكتورة ادخلي شوفيها لو ناجصها حاچة ..
اومأت برأسها و على شفتيها ابتسامة باهتة بقلب منقبض خوفا على اخيها الغائب الذى لا تدرك له مكان او ملجأ يمكن ان تستنتج انه لجأ اليه...ثم ردت بكلمات مقتضبة و توجهت حيث تركت حقيبتها الطبية على احدى المناضد لتتناولها رغبة في فتحها و التأكد ان الأجهزة الأولية التي ستحتاجها داخل الحقيبة بالفعل ..
حاولت مرارا و تكرارا ان تفتح الحقيبة لكنها ابت ان تُفتح ..
ليدرك عفيف حيرتها ليهتف في تساؤل :- خير يا داكتورة .. الشنطة مالها ..!؟..
تناولها منها رغبة في فتحها لكنها رفضت ان تبوح بسر مكنوناتها لأى منهما .. لذا هتف عفيف لأحد رجاله الذى لبى على الفور ليأمره هاتفا :- روح چيب الواد خرابة طوالى على هنا ..
اندفع الرجل ملبيا الامر على وجه السرعة لتهتف دلال بشك :- هو خرابة ده اللى المفروض انه يصلح الشنطة حضرتك ..!؟..
قفزت ابتسامة على شفتيّ عفيف لتعليقها الملئ بالسخرية على اسم خرابة و مدى تناقضه مع اي إصلاح يمكن ان يأتي من قبله ..
ليهتف مؤكداً و قد تنبهت ان تلك الابتسامة المتوارية قد غيرت في ملامحه الكثير :- متخافيش يا داكتورة .. دِه واد چن .. هيفتح الشنطة ف لحظة و من غير ما ياچى چنبها او يخربها.. متجلجيش..
ابتسمت ساخرة :- لا طبعا .. أخاف ازاى و انا خرابة بذات نفسه اللي هيفتح لى الشنطة ..!؟..ده انا طايرة من الفرحة ..
استدار مبتعدا تكلل شفتيه الابتسامة على الرغم انه يعلم انها تسخر من ذاك الشخص الذى ما تعاملت معه حتى لتحكم على قدراته لكنه لم يجادلها بل انتظر في صبر حتى ظهر خرابة على باب المندرة و معه ذاك الرجل الذى بعثه لاحضاره و الذى اختفى ما ان أتم مهمته ليندفع خرابة لداخل المندرة في اتجاه عفيف بيه يود لو يقبل كفه ليجذبها عفيف في صرامة و نبرة عاتبة لذاك الشاب الذى تعجبت انه صغير بالسن وهي التي ظنته رجل كبير و مخضرم في التعامل مع تلك النوعية من الحقائب الغالية الثمن و القيمة .. و شعرت بالضيق لاندفاع الشاب باتجاه كف عفيف الذى كان قابضا كعادته على عصاه العسلية اللون المعقوفة الهامة .. و تطلعت بغضب لذاك الذى كان ينحنى امام عفيف ليقدم له فروض الولاء و الطاعة .. هل هذا مفترض في بلد كهذه ..!؟.. هل هذا من عاداتهم و تقاليدهم ..!؟. ام انه خوف و رغبة في مداهنة الأقوى حتى يستطيع ان يعيش بسلام ..!؟..
تنبهت لصوت عفيف الآمر :- اديله الشنطة يا داكتورة متخافيش ..
تعلقت قليلا بحقيبتها ثم مررتها لخرابة و هي تستشعر ان حقيبتها لن تعود كسابق عهدها ابدا و ربما تعود قطعة من الخردة لا نفع منها من بين يدى خرابة ..كم شعرت بالأسى لذاك فتلك الحقيبة عزيزة على قلبها و لها ذكرى خاصة لديها فهى من رائحة ابيها الراحل ..
تناول خرابة الحقيبة و كأنه يتناول قنبلة على وشك الانفجار .. عاملها بإجلال واضح و هو يضعها على فخذيه عابثا بأقفالها ليهتف عفيف فيه مشجعاً :- ها يا خرابة .. هتعرف تفتحها !؟.. و لا هتخربها.. و تكسفنا جدام الداكتورة !؟ ..
ما ان انهى عفيف كلمته حتى أطلقت الحقيبة صوت مميز لتكات متتابعة دلالة على انصياعها لتُفتح على يد خرابة الذى جعلتها مهارته تفغر فاها في دهشة و عدم تصديق انه فعلها ..
ابتسم عفيف في سعادة و هو يربت على كتف خرابة الذى انتشى بفعل انتصاره على اقفال الحقيبة التي ما قاومت غزوه لها اكثر من لحظات..
تناولت دلال الحقيبة و بدأت في التطلع لمحتوياتها ليهتف عفيف رابتا على كتف خرابة الذى هم بالنهوض منصرفاً .. ليشيعه عفيف بنظرة استحسان و كلمات مبهمة لم تستطع دلال تبينها ..
هتفت دلال لعفيف :- خسارة الولد ده .. لو كان اتعلَّم .. كانت هتفرق كتير اكيد ..
همهم عفيف هامسا :- كل واحد بياخد نصيبه ..و الحمد لله ان نصيبه چه على كد كِده ..
لترد الكلمة خلفه بوجل :- صدقت .. كل واحد بياخد نصيبه ..
نعم .. كل منا ينال نصيبه من أرزاق الله كافيا ووافيا و لا يعلم كيف يأتيه النصيب و لا متى يأتي.. كل ما يدركه المرء ان نصيبه الذى قسمه الله له سيدركه كالموت لا فرار منه …
********************.
صرخة دوت في جوف الليل كانت كافية لانتزاع نديم من قلب فراشه مندفعاً لحجرة ناهد دون ان يطرق بابها ليجدها لازالت تصرخ مشوشة الفكر :- لااه .. مش انا يا عفيف .. انا اختك .. مش انا ..
جلس نديم على طرف فراشها يهز كتفيها حتى تستفيق لكن نظراتها الملتاعة كانت وكأنها ترى اخيها أمامها الان واقفا يتوعدها حيث تتسمر نظراتها وتهتف صارخة بأسمه ..
هزها نديم من جديد لعلها تصحو من ذاك الكابوس المسيطر عليها بهذا الشكل و المتكرر منذ ايّام ..
هتف فيها رغبة في إيقاظها :- اهدي يا ناهد .. اهدي .. ده مجرد كابوس .. انا نديم .. انا معاكِ متخافيش ..
لحظات من الشرود و التيه مرت و هي لا تجبه و أخيرا بدأت في البكاء عندما تيقنت ان ما رأته لتوها لم يكن الا كابوسها المعتاد منذ غادرت النجع و تركت كل ما يتعلق بحياتها السابقة خلف ظهرها حتى اخيها الوحيد الذى لا تحب مخلوق على الأرض بقدر حبها له ..
أشفق نديم عليها و هي على هذه الحالة من الضعف و الهشاشة .. فما مر بهما الأيام الماضية لم يكن سهل على الإطلاق على فتاة مدللة و رقيقة كناهد .. مد كفه ليناولها كوب الماء من الطاولة القريبة ..
امرها في هدوء وهو يقرب منها الكوب :- خدى اشربي .. هاتبقى احسن ..
دفعت الكوب بعيدا في غضب ناري صارخة و هي تنهض من فراشها دافعة الغطاء عنها غير مدركة انها تقف أمامه الان برداء نومها و بلا اى غطاء لشعرها الذى كان يسافر على كتفيها في غضب لا يقل عن غضب صاحبته :- انا مش عايزة أشرب .. انا مش عايزة حاچة .. انا عايزة اخوى .. عايزة عفيف ..
و انفجرت ثانية في بكاء يدمي القلب ولَم يكن بوسعه ما يقدمه في تلك اللحظة الا النهوض في هدوء و الرحيل خارج الغرفة تاركاً إياها لعلها تهدأ بعد قليل و تدرك انه لا يقل عنها حزنا و حرماناً .. و انه شريكها في نفس المركب .. مركب الضياع التي كتبها عليهما القدر ...
**********************
استعدت دلال للنوم و ما ان همت بوضع نفسها تحت غطاء فراشها حتى سمعت طرقات خافتة على باب حجرتها عرفت انها للخالة وسيلة فهتفت :- اتفضلى يا خالة ..
دخلت وسيلة و على وجهها تلك الابتسامة الوديعة المحببة و ما ان همت بالتوجه لفراشها في احد جوانب الغرفة حتى ابتدرتها دلال هاتفة :- تعالي جنبي يا خالة احكي معايا شوية لحد ما اروح ف النوم .
ابتسمت الخالة وسيلة و اتجهت لتجلس بالجانب الاخر من الفراش حيث اشارت دلال لتتدثر بالغطاء اتقاءً للبرد القارص في تلك الفترة من الشتاء هامسة وهي تربت على جبين دلال بحنان دافق استلذته الاخيرة و هي تتذكر حنان أمها و طيبة ابيها لتجده متمثلا في تلك المرأة التي انفتحت لها ابواب قلبها على مصرعيها ما ان طالعتها منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماها ارض النعمانية .. كانت تعتقد انها ستعاملها بجفاء و قلة اهتمام نظرا لمعرفتها بما حدث من اخيها لكن على العكس تماما كان تعاملها بكل حنان و ود و هذا ما اثار تعجب دلال و جعلها تسأل مستفسرة :- مقلتليش يا خالة ..
تنبهت حواس وسيلة لتجيب على ما تسأله دلال التي استطردت :- انتِ ازاى بتعملينى كويس قووى كده على الرغم من انك عارفة اللي حصل من اخويا و حكايته مع ناهد اخت عفيف بيه ..!؟..
تنهدت الخالة وسيلة و هي تملس على شعر دلال برقة هامسة :- أجولك الحج يا بتي ..اني مكنتش هديكى وش و لا كنت عايزة أعرفك م الأساس .. كفاية اللي عِمله اخوكِ .. لكن عفيف بيه كان محرچ علىّ اني أعملك زين .. و مضايجكيش و لا افتح معاكِ سيرة الموضوع دِه من اصله .. و ان چيتى للحج اني كمان اول ما اطلعت لكِ .. جلبي انفتح لك و جلت ذنبها ايه في اللي حصل من اخوها و ناهد ..
همست دلال بشجن :- بس نديم اخويا مش ممكن يعمل كده يا خالة..
همست الخالة وسيلة متنهدة :- و مين كان يجول إن ناهد بت النعمانى و اخت عفيف بيه تِعمل كِده ..!؟..
تنهدت دلال بدورها و همست بفضول :- بس إنتوا هنا بتسمعوا قووى لكلام عفيف بيه و محدش يقدر يكسر له كلمة . ..
واستطردت دلال ساخرة :- ده و لا الحاكم بأمره .. ده إنتوا شوية و تتنفسوا بإذنه ..
هتفت الخالة وسيلة من جديد :- معلوم يا بتي .. مش كبيرنا .. و امره و طاعته واچبة ..
هتفت دلال :- بس يعنى عفيف بيه مش كبير ف السن كده عشان يبقى كبير النعمانية .. ده سنه ميتعداش ال٣٥ سنة ..
هتفت الخالة وسيلة :- و من ميتا هي بالسن يا بتي ..!!.. كفاية جوى انه يبجى حفيد النعماني الكَبير عشان يبجى ليه الامر والطاعة ..
تعجبت دلال :- يا سلااام ..!!.. للدرجة دى ..!..
هتفت الخالة وسيلة مؤكدة :- معلوم .. اصلك انتِ متعرفيش يعنى ايه النعماني الكَبير .. النعماني چد عفيف بيه دِه .. هو اللي بنى النعمانية دي بيده .. يوم ما نزل أرضها و هي كيف ما انتِ واعية ف حضن الچبل .. الناس جالوا عليه مچنون .. رايح ف حضن الچبل يزرع و يجلع و الأرض عنديه براح .. لكن هو مهموش و عِمل اللى براسه و اول ما بنى .. بنى المُندرة دي .. كان عايش فيها جبل البيت الكَبير .. و اتچوز هنا .. و خلف ولاده كلهم .. لحد ما راحت مرته الست الكبيرة و هي بتولد واحد من عياله .. عاش بعدها كيف الرهبان .. مجربش على صنف الحريم من يوم ما غابت ..
تنهدت دلال في تعجب :- ياااه .. واضح انه كان بيحبها قوووى ..!!.
ابتسمت الخالة وسيلة في شجن :- كان بيحبها بس .. جولى بيعشجها عشج كيف الحكاوي اللي بنسمع عنيها ف السيما .. عاش يتمنى يسمع منيها كلمة واحدة تريح جلبه .. لكن راحت جبل ما تجولها و هو عاش بحسرتها العمر كله لحد ما مات .. مجدرتش تنساله اللي عِمله فيها ..
فغرت دلال فاها و قد وصلت القصة لمنحى خطر لتهتف بفصول متسائلة :- عمله فيها ..!؟.. عمل ايه عشان متسامحهوش العمر ده كله و هو بيحبها بالشكل ده ..!؟..
تنهدت الخالة وسيلة و قد شعرت انها كعادتها تفضي بما لا يجب عليها البوح به فهمست و هى تنفض الغطاء عن جسدها لتنهض متوجهة لفراشها :- يا بتي سهرنا كَتير النهاردة .. نامي لحسن هتلاجى الحريم دريوا بمچيتك و هياجوكِ من فچر ربنا ..تتمسي بالخير ..
دست الخالة وسيلة نفسها بفراشها غير واعية لدلال التي اثارت القصة فضولها لأبعد حد لتتركها دون ان تخبرها بكل أحداثها ..
تقلبت بفراشها عدة مرات و اخيرا هدأت ممددة على ظهرها وهي تحملق بسقف الغرفة العالي جدا عن عادة المنازل الحديثة .. و ظلت تفكر في كل الاحداث التي سردتها عليها الخالة وسيلة حتى جذبها النوم الى احضانه لتنام هانئة قريرة العين…
**********************
لا تعرف كيف نهضت من فراشها لتجد نفسها تقف في ردهة المندرة حائرة بين الغرف الكثيرة المتناثرة أبوابها على جانبيها .. و أخيرا سمعت هناك من يناديها .. توجهت بكليتها باتجاه الصوت الضعيف الذى يناديها بإستماتة .. تحركت في آلية تجاه احد الأبواب و الذي لم يكن الا تلك الغرفة التي نامت فيها سهوا ليلتها الأولى هنا بالنعمانية ..
فتحت باب الغرفة في ترقب ليطالعها الظلام الدامس للوهلة الأولى و فجأة يشع ضوء غريب يبدأ في الظهور على الفراش ليكبر بشكل مبهر كان يغشى عينيها عن رؤية ماهية ذاك الشئ المضئ الا ان الصوت الضعيف ذاك و الذى استمر يناديها طالباً للمساعدة بدأ في الظهور بقوة الان ..
لا تعرف كيف واتتها الجرأة و الشجاعة لتتقدم داخل الغرفة تجاه ذاك الضوء الساطع حتى اذا ما وقفت قبالته تبينت انها امرأة تجلس على طرف الفراش تمد لها يدها .. و لم تتردد هى لتعطيها تلك اليد لتنهض من على فراشها لتتبين دلال انها امرأة حبلى .. همست لها في رجاء وبنبرة ضعيفة :- خديني من هنا ..
اومأت دلال برأسها موافقة و أسندت المرأة و هما بطريقهما للخروج من الغرفة ..
خطوات بسيطة حتى ظهر ذاك الشبح الأسود الذى يقف على عتبة الباب يمنع خروجهما .. لم تتبين ملامحه لان الضوء كان يغمره من خلفه لكنه يبدو كظلا لعفيف ..
تمسكت بها المرأة المجهولة في وهن .. وهى تضع كفها الطليقة على بطنها المتكورة .. همست بشئ لم تستوضحه دلال والتي حاولت وأصرت على الخروج من الغرفة مهما حدث مع المرأة المسكينة .. لكن ذاك الشبح الأسود كان الأسبق ليجذب باب الغرفة مغلقاً إياها و صدى ضحكاته يهز أركان المندرة جميعها حتى ان دلال نفسها لم تتوقع منه ذلك فهتفت صارخة ليفتح لهما الباب و يطلق سراحهما لكنه لم يكن ليسمع احد .. و عم الظلام من جديد حتى ان نور تلك المرأة بدأ يخبو رويدا رويدا حتى اختفى تماما و تلاشت هى معه ليسود الظلام الدامس من حول دلال .. لتصرخ في فزع ..
كانت صرختها تلك مدوية مع انتفاضة أيقظتها و الخالة وسيلة .. لتتطلع حولها في ذهول لتدرك انه كابوس اخر لا تدرك كنهه ..
ابتدرتها الخالة وسيلة مندفعة اليها بكوب ماء هامسة :- بعد الشر عنيكِ يا بتي .. استعيذى بالله و خدي اشربي ..
تناولت دلال كوب الماء لترشف منه القليل ثم اعادته لكف الخالة وسيلة التي ربتت على كتفها في حنان هامسة :- جومي يا بتي .. أتوضي و صلي و ادينا بجينا الصبح .. هنزل احضر لك الفَطور التمام ..
ما ان همت الخالة وسيلة بالرحيل حتى أمسكت دلال بكفها كطفلة تتشبث بكف أمها هاتفة :- لااا .. خليكِ معايا يا خالة لحد ما ألبس و ننزل نحضر الفطار سوا ..
ربتت الخالة وسيلة على كفها المتشبثة بها هاتفة :- و ماله .. استناكِ .. بس شهلى عشان عفيف بيه مبيحبش أتأخر عن فَطوره ..
هتفت دلال بوجل :- هو هيفطر معانا ..
اكدت الخالة :- معلوم .. ياللاه بس .. همي انتِ و انا مستنياكِ اهااا ..
أسرعت دلال في مهمتها وخرجت معها لتتوجه لتحضير الإفطار و مرت بجوار الغرفة وهى في سبيلها لنزول الدرج لترتعش لاأراديا ..
تنبهت الخالة وسيلة لتسألها في اهتمام :- مالك يا بتي ..!؟.. فيكِ حاچة ..!؟..
تنهدت دلال مفضية للخالة وسيلة بكابوسها العجيب و الذي لا تعرف له تفسيرا ..
امتقع وجه الخالة وسيلة مع انتهاء دلال من سرد حلمها .. لتربت على كتفها وتهمس بصوت تحمل نبراته قلق مبهم :- خير يا بتي .. خير ..
وضعوا الاطباق على طاولة البهو الواسع داخل البيت الكبير و ما ان انتهت كلتاهما من وضع اخر الاطباق حتى ظهر عفيف من اعلى الدرج متوجها إليهما .. هبط الدرجات في تؤدة مثيرة للأعصاب و اخيرا اصبح قبالتها ليهمس بصوته الاجش الذى يعبق الجو حولها بسيطرة عجيبة تجبرها الا تنتبه الا لنبراته القوية و تفاحة ادم الراقصة بحلقه :- صباح الخير يا داكتورة ..
اومأت هامسة بحشرجة عجيبة على صوتها :- صباح الخير ..
جلست على احد المقاعد على جانب الطاولة الكبيرة و التي تصدّر هو بطبيعة الحال مقعدها الأساسي على رأس احد أطرافها ..
بدأ في تناول الطعام بشهية معتادة و هي التي تشعر منذ الصباح ان بجوفها نار تستعر ..
تنبه انها لم تمد كفها للطعام بعد فهتف متعجبا :- طب ايه يا داكتورة .. البيت بيتك منتيش محتاچة عزومة ..يعني جلنا العشا ماشي طب و الفَطور كمان و لا انتِ حالفة ما تكلى من اكلنا .. !!..
هزت رأسها نافية :- لا ازاي يا عفيف بيه .. بس اصل مش متعودة أفطر .. أدى كل الحكاية ..
أشار للطعام بتأكيد هاتفا :- مدي يدك بس كُليلك لجمتين هتلاجي نفسك اتفتحت ..
نفذت بآلية و هي تضع الطعام بفمها مختلسة النظرات اليه في غفلة منه تتذكر حلمها الليلة الماضية و شبحه الأسود لا يفارق مخيلتها .. و أخيرا تنبه هو لنظراتها المختلسة ليهتف متعجباً :- خير يا داكتورة بتطلعيلي كنك بتشوفينى لأول مرة..!؟ ..
تدرج الأحمر ليكسو خديها بإحراج واضح و ما كان لديها المبرر الكافي لتنقذ نفسها من سيل نظراته التي غمرها بها بدوره ..
لكن الخالة وسيلة تدخلت و هي تضع أكواب الشاي على الطاولة هاتفة :- اصلها حلمت بيك الليلة اللي فاتت ..
وليتها ما تدخلت .. هكذا هتفت دلال في سرها لاعنة نفسها ألف مرة انها حكت للخالة وسيلة حلمها الغريب ذاك رغبة في ان تجد تفسيرا لديها .. لا ان تضعها الان امام المزيد من سيل النظرات المسيطر ذاك و قد ضاقت عيناه متعجباً ليهتف أخيرا ساخراً :- حلمتي بيا ..!؟.. حاچة چميلة و الله ان حد يحلم بيك ..
هتفت في غيظ بغية رد اعتبارها :- مكنش حلم حضرتك .. كان كابوس..
انفجر ضاحكا على غير عادته حتى كاد يغص في احدى اللقيمات التي كانت بالفعل في حلقه و أخيرا هتف و هي يتناول كوب الشاي يرتشف منه رشفة سريعة قبل ان يهتف :- كِده يبجى ظبطت يا داكتورة ..اصلك حلم دي غريبة حبتين ..
ظنت انها ستقتص منه جراء إحراجها الا انها على العكس أصبحت وسيلة لتسلية صباحية غيرت مزاجه للافضل حتى انه نهض مغادرا و هو يجذب عباءته من على أطراف كرسيه الذى كان يتسيده منذ لحظات ليندفع للخارج ليطالها منه همس منتشي وهو يترنم على غير عادته المتجهمة بكلمات أغنية شهيرة هامسا :- بحلم بيك انى بحلم بيك ..
ظلت تتطلع الى مكانه حيث غاب منذ لحظات في ذهول واضح لتغير مزاج هذا الشخص الاغرب على الإطلاق .. ليعاجلها مناع مخرجا إياها من شرودها هاتفا :- الحريم بره ع البوابة يا داكتورة .. ادخلهم و لا لساتك بتفطري ..!؟..
هتفت لمناع :- دخلهم يا مناع .. انا خلصت ..
و نهضت من مكانها متوجهة للمندرة لعلها تجد ما يلهيها عن تذكر ذاك الكابوس و رد فعل صاحبه الأعجب على الإطلاق ..
***********************
يتبع 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close