رواية حان الوصال الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم أمل نصر
نقطة فاصلة
وخز الضمير الذي يذكرك بخطأك، يذكرك انك إنسان مازلت تشعر وداخلك بوصله توجهك إلى الطريق الصحيح، ربما تنتبه وتحاول تقويم نفسك.
هذا ما كان يحركه اثناء نزوله الدرج الخارجي للمدخل، وعيناه منصبة عليها وهي تعطيه ظهرها وتسقي زهورها التي ازداد بهائها منذ توليها مهمة الاهتمام بها.
طلت منها نظرة عابرة نحوه والتقت بندقيتيه بخاصتيها العاتبة بغضب خفي بعد حديثه القاسي بالأمس، لتزيد من صعوبة الأمر عليه، وقد عادت
بعد ذلك لما تشغل به نفسها .
ليخطو بتردد حتى اقترب منها يلقي عليها تحية الصباح:
– صباح الخير
– صباح الخير
ردت التحية بصوت فاتر دون ان تلتف اليه، حتى سمعت حمحمة وصوت ضعيف يوضح مدى صعوبة الأمر عليه وهو يغلب كبريائه.
– انا اسف على كلام امبارح، كنت مخنوق ومش شايف قدامي.
قالها وتحرك سريعًا قبل ان تلتقي ابصارها به، ليثير بثغرها ابتسامة عابثة، كانت تود إيقافه ولكن منعها صوت الهاتف ودوي اتصال مفاجيء
اما عنه فقد واصل طريقة، يتجنب النظر للخلف حتى لا ينظر اليها مرة اخرى ويظهر المزيد من الضعف اتجاهها، دائما ما تغلبه برقتها منذ آن كان طفلا صغيرا، كان كل اقرانه لديهم والدات حازمات إلا هو كان لديه امرأة جميلة يخشى دائما الوقوع في الخطأ حتى لا يرى على محياها الجميل عتاب ولا حزن .
ولكن الحياة لا تترك شيئًا جميلا على حاله
تنهد بأسى ينفض عن رأسه التفكير بشيء قد يجره نحو الذكريات السيئة، ليركز اهتمامه على المغادرة، وقد اقترب من السيارة التي سوف تقله إلى عمله، ليدلف اليها يشعل المحرك، لكن، وقبل ان يهم بقيادتها جاء اتصال منها على هاتفه، ليضطر الإجابة عليها بارتياب:
– الوو…. عايزة حاجة يا ماما قبل ما امشي؟
جاءه صوتها بنبرة جزعة:
– الحقني يا رياض، لورا باينها عملت حادثة، مامتها اتصلت بيا دلوقتى وبلغتني
❈-❈-❈
صففت لها شعرها وضفرته لها، لتتأمل نفسها امام المراَة الآن تردد بتخايل ومرح:
– الله يا بيبو، حلوين الضفرتين النهاردة، اكيد هيعجبو نوجا صح؟
ضحكت تجيبها بغبطة هي الآخرى:
– اكيد يا عيوشة يا قمر انتي، هي عمرها اساسا ما شافتك بالضفرتين، متأكدة انها هتتجنن بيكي.
– وانا فرحانة اوي اني هشوفها، اصلي بحبها اوي أوييي، انا هخليها تقعد معايا اليوم كله معايا في الكافيه، همسكها وظيفة المدير عشان تيجي كل يوم .
قالتها في تعبير صادق عن محبتها القوية لها، لتحتضنها شقيقتها بتأثر ضاحكة، حتى اذا توقفت اخذها الشرود في القادم، عن مصير هذه العلاقة الجميلة ببن الاثنتان اذا ما حدث وانفصلت هي عن رياص ان اختار الفراق.
❈-❈-❈
هرعت العائلة بأكملها إلى المشفى بعد ورود المكالمة الهامة من احد الأشخاص يخبرهم عن إصابة المدعو سامر خميس الرواي وضرورة خضوعه لعمليه جراحية لإنقاذه.
ليتوقف الجميع الاَن خارج حجرة العمليات في انتظار خروجه والاطمئنان عليه، وحالة من الوجوم اكتست بها الوجوه، خميس وولديه الاثنان، زوج رحمة وسمير،
حتى خطيب ابنته ووالده ايضًا كانا حاضرين بحكم علاقة النسب الجديدة والصداقة بين الرجلين الكبيران
اما سامية فقد كانت جالسة على مقاعد الانتظار تتجنب النظر نحو المدعو خطيبها والذي كان يبدو عليه الجدية، ويتصرف بمسؤولية على قدر الحدث، ولكن كانت تخونه عيناه احيانا في النظر اليها، فتقابله بتعالي كعادتها او تحاول الهروب من محاصرته لها بالتهوين عن والدتها، والتي كانت تندب وتولول بصورة اثارت استياء تلك الواقفه في ركن وحدها، تدعي الثبات والقوة، رغم حالة الفزع
التي مازالت تجتاح خلاياها ، وهذه المشاعر الغريبة التي لأول مرة تشعر بها مع رجل مثله، ابعد ما يكون عن فكرها وشخصيتها
لقد نجت اليوم بفضله ، بفضل دفاعه عنها، هذه اول مرة تجد من يدافع عنها، بل ويُقاتل من أجل نجاتها حتى يوشك على الموت.
جسدها يرتجف بشدة خوفًا عليه، من وقت ان ضمته اليها، وتلوثت ملابسها بدمائه، تصرخ من أجل انقاذه، وتناديه أن يتماسك، كيف اتتها الجرأة لذلك؟ لتتخلى عن عنجهيتها في رجاء الأطباء لآسعافه، ثم الانتظار الان حتى تطمئن عليه بنفسها، رغم استهجانها المتعاظم للأسلوب السوقي لوالدته في التعبير عن حزنها وقلقها، الا تستطيع اغلاق فمها وتكف عن ازعاج المرضى والعاملين بصوتها العالي، انها حتى لا تراعي صورتها كامرأة كبيرة ولا يصح لها تلك الأفعال
– لورا.
تلقفت صوت والدتها والنداء بإسمها بلهفة شديدة حتى
كادت ان تبكي وهي تقطع نصف المساحة لترتمي بحضنها:
– اخيرا جيتي يا ماما؟ انا كنت محتاجاكي اوي
– يا حبيبتي يا بنتي، ايه اللي حصل معاكي بس؟ انا مش فاهمة حاجة
صاحت بها المرأة في تساؤل وحيرة عاصفة نحو ابنتها تريد منها تفسير واضح
اما في الجهة الأخرى، فلم يقوى خميس هو الاخر، على التجاهل اكثر من ذلك:
– ولد يا سمير، انا لحد دلوقتي مش فاهم، البت دي ايه علاقتها باخوك عشان تنقذه؟ ثم كمان هي كانت بتعمل معاه ايه في المنطقة الصناعية؟
سمع منه الاخير، يزفر بضيق شديد، ليرد عليه بصعوبة فا أقصى ما يهمه الاَن هو الإطمئنان على شقيقه، اما التفاصيل تأتي بعد ذلك:
– كله هيبان يا ابوبا، يفوق سامر بس واحنا نعرف منه كل حاجة ادعيلوا انت ادعيلوا.
قصد سمير بالاخيرة نحوه حتى يتفرغ للدعاء لولده ويكف عن توجيه الأسئلة اليه مرة اخرى ، الا يكفيه المحزنة التي تفعلها والدته، تلفت ابصار الجميع نحوها لغرابة ما تفعله
❈-❈-❈
استيقظ هذه المرة باكرًا وبمزاج رائق، تناول كوب الشاي الساخن ليضع السيجارة داخل فمه، ويجلس خلف الشرفة التي تتوسط المنزل الصفيحي الذي يسكن به الآن، يتنعم بنسمات الصباح الرقيقة، والهدوء الذي يعم المنطقة في هذه الا.وقات، يستمع ويتابع على هاتفه ما تم تسجيله من مكالمات وصورة التقطتها الكاميرات داخل الهاتف الاخر الذي تم اختراقه اخيرا، وقد حفظ منهم الكثير بالامس، رغم غيظه الشديد لرؤية العديد من الصور التي تجمعها مع زوجها العدو الاول له الآن، ولكن لا بأس، فلابد من ان يصبر نفسه، حتى يصل إلى غايته.
دخل سجل المكالمات لينتبه بوجود مكالمتين جديدتين، واحدة مع زوجها مدتها تقارب الساعة، والأخرى مع شهد ومدتها نصف ساعة، هم ان يبدأ بالأولى ولكن الحنين غلبه لسماع صوت الأخرى، حبه الاول، والسبب الاساسي في كل ما يمر به الآن، يتمنى أن يشمل الحديث بعض الأسرار عنها هي ايضًا، ولسوف يستمتع كثيرا بابتزاز كل منهما، بنات ناصر الدكش
❈-❈-❈
داخل غرفة الإفاقة، وبعد أن استعاد وعيه، كان وجهها اول شيء وقعت ابصاره عليه، لتتشبث عينيه بها، وكأنه لا يصدق وقوفها امامه بهذا السكون، بعد صراخها وافعالها المجنونة من أجل اسعافه، والان تخاطبه بصوت هاديء لأول مرة يسمعه منها، وتواصل غير مفهوم بين عينيها وخاصتيه:
– حمد على سلامتك، الدكتور طمنا عليك.
لم يجد ما يسعفه للرد عليها او حتى بالإيماء بأجفانه، وكأنه يرى امامه امرأة اخرى لا يعرفها، ليست تلك النفس الخبيثة التي تمنى حرقها في بعض الأوقات، لا يدري ان كان هذا تصنعًا لتخفي من وراءه مصيبة تفاجأه بها، او ربما تأثرا بما حدث له، هذا ان كان قلبها يعمل مثل البشر.
– ايه ده؟ انت فتحت عينك؟ سامر فتح عينه ياما، سامر فتح عينه يابا؟
كان هذا صوت شقيقته، والتي صارت تهلل بها لتجذب انتباه الجميع، بعدما استدركت هي الاخرى لإفاقته، ليجد الأسرة كاملة في اقل من ثانية حاوطته، وهي تنسحب من بينهم ، ومن امام عينيه، بعدما تشوشت الرؤية بهجوم والدته عليه في تقبيله
– يا حبيبي يا بني، ربنا قومك بالسلامة عشان خاطر امك الغلبانة، دا انا كنت هموت لو حصلك حاجة يا حبيبي.
تركته بين عائلته، لتخرج من الغرفة وحالة من الشرود تكتنفها، ماذا يحدث معها؟ كيف تحولت مشاعر الغضب نحو هذا الرجل إلى اخرى مناقضة تمامًا، تحمل اللهفة والفرح؛ فور ان رفرفت اجفانه امامها، تمهيدًا لعودته إلى الوعي؟ لم يسبق لها ابدًا ان تعاطفت مع احد مهما كانت صفته لها، إذن ما هذا الذي تشعر به؟
كانت غارقة في افكارها وتساؤلاتها حتى اصطدمت عينيها بأخر شخص تود رؤيته الآن.
– رياض باشا؟
لم تنتبه لوالدتها ولا لنجوان التي اقتربت تضمها من أجل الإطمئنان عليها:
– حبيبتي عاملة ايه؟ في حاجة حاجة حصلت ولا حد قربلك؟
نفت بهزة من رأسها وصوتها خرج بتأثر لطيبة المرأة التي لطالما تمنت الخلاص منها، وقد كانت تظنها عقبة تعيقها عن الوصول إلى الاخر، ذلك الذي يطالعها الآن بنظرات غير مريحة على الإطلاق:
– حمد لله يا طنت، انا محصليش اي حاجة، سامر هو اللي خد كل الضرب والطعنة بالسكين عشان كان بيدافع عني؟
– عرفتيه منين؟
– ها
اقترب بهدوءه المريب يصافحها بكف يده، يردف بلهجة جعلها عادية:
– اولا الف سلامة عليكي يا لورا، انا بس بسألك عن الولد اللي انقذك، مش دا برضو اللي جه واتخانق عندنا من مدة كدة مع تميم العامل في قسم الملابس في المصنع؟
اومأت رأسها باضطراب يعصف بها
– اه هو، انا شوفته صدفة لما عطلت عربيتي، ولما اتعرف عليا اصر بشهامته يوصلني، واحنا في طريقنا اتعرض لنا اللبلطجية واللي حصل حصل.
انهت سريعًا تتلقي كلمات الدعم من المرأتين، لتتجاوب في الحديث معهما، وتتهرب بنظرها عنه، حتى تتجنب الأسئلة المتوقعة منه، وترتب افكارها بناءًا على ما اختلقته من قصة وهمية الآن، لا تعرف كيف فعلتها؟!
اما هو فقد كان ينتظرها متوعدًا، يعلم أنه مهما راوغت سيأتي وقت حسابها، وها جاءت البداية، بحضور احد الضباط للتحقيق معها .
❈-❈-❈
هناك اوقات لا يصح فيها الا الواجب، والذي يجبرك احيانًا في تحمل مالا تطيق في التعامل مع أشخاص تتمنى حتى الا تقابلهم في طريق رغم قربهم، ولكن اصلك الطيب يمنعك .
– ابن عمتك جاي يطمن عليك، تعالى يا شادي
كان هذا صوت الشقيق الأكبر زوج رحمة، والتي تكفلت بإخبار شقيقها، ليأتي الان إلى المشفى كي يطمئن على ابن خاله المصاب، فيلقي التحية على الجميع اولا.
-‘السلام عليكم
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جاء الرد من معظمهم في الغرفة الممتلئة بعددهم، أفراد عائلة المريض وعريس ابنتهم وابيه
والتي انتصبت في جلستها باهتمام شديد تتابعه يصافح ابيها ويتحدث مع شقيقها المريض وباقي من بالغرفة ، ولكن بتجاهل تام لها ولولداتها، وكأنه لا يراهما من الاساس.
– دا طلال خطيب بنتي يا شادي، ودا عماد يبقى ابوه صاحبي وعشرة عمري.
تمتم خميس بتفاخر قابله شادي بابتسامة واسعة، يهنيء الرجلين الكبيرين قبل ان يصافح العريس ييارك له ايضًا في حديث ودي قام به سريعًا معهم، ثم غادر تتبعه عيناها، حتى ودت ان تلحق به، بصورة فضحتها امام هذا المتربص ليحدجها بجمرتيه المشتعلتين، يلتزم ضبط النفس بصعوبة.
❈-❈-❈
اجرا بعض المكالمات الهامة في النقاش مع شريكه في العمل وبعض الأمور المطلوب البت فيها على وجه السرعة، ليجلس محله الاَن على احدى مقاعد الانتظار وحده، بعدما تركته والدته لتذهب مع لورا ووالدتها في عمل بعض الفحصوات للإطمئنان عليها .
يلقي بنظره على ساعة يده كل لحظة، يحصي الدقائق حتى ينتهي من هذا الواجب الثقيل، يزعجه هذا الهاتف الذي تركته والدته في حقيبتها وهو لا يكف عن الدوي، حتى اضطره الفضول لإخراج الهاتف والإطلاع على هوية المتصل
فاتفاجأ بإسمها المحبب يزين الشاشة لترتسم على ثغره ابتسامة مزجت ما بين الغيظ واللهفة لسماع صوتها الذي صدح كنغمة موسيقية بأذنه المشتاقه اليها مثل كل خلية من جسده.
– صباح الفل يا قلبي، انتي اتأخرتي ليه؟ ميعادك عدى عليه ساعة.
– ميعاد ايه اللي عدى عليه ساعة؟
انتفضت محلها فور ان اخترق اسماعها النبرة الرخيمة، حتى اللجمتها الصدمة فلم يقوى لسانها على النطق حتى اجفلها بحدته:
– مبتروديش ليه يا بهجة؟ سامعة واحد غريب إلى بيكلمك دلوقتي في التليفون؟
صدرت منها حمحمة سريعة كي تجلي حلقها، وتحاول الثبات في الرد، او ضبط خفقات قلبها القوية، التي اصبحت تضرب في صدرها كطبول افريقية، فتخرج منها الكلمات بعدم تركيز:
– لا طبعا مين قال كدة؟انا بس….. يعني استغربت انك ترد على تليفون نجوان هانم، اصل انا اتصلت عشان هي وعدتني تيجي النهاردة عندنا المحل وو اتأخرت عن ميعادها…. هي فينها؟
كادت ان تفلت منه ابتسامة مشاغبة عقب سؤالها الاخير لعلمه بحجم تأثيره عليها مهما أنكرت وادعت القوة في الاستغناء، وهذا ما يزيده تعلقًا هو الاخر ، ليجيب استفهامها بجدية:
– أحنا مش في البيت اصلا يا بهجة، شكلك متعرفيش اخر الاخبار، ابن عمك ولورا طلع عليهم بلطجية امبارح يتهجموا عليهم، وأصابوه بطعنة كبيرة في بطنه.
– يا نهار اسود، ابن عمي انا شقوا بطنه بالمطوة، مين اللي عملها؟ وفين؟ و….. استنى صحيح…. انت تقصد ابن عمي مين فيهم؟……. وايه اللي جاب سيرة لورا اصلا؟ وانت ونجوان…….. ايه دخلكم؟!
صاحت بها بهلع في رد فعل طبيعي، لكن سرعان ما استدركت غرابة الحديث، لتردف بالاسئلة؟ فنتجت بثغره ابتسامة هذه المرة لكن بدون مرح يجيبها:
– دخلنا ان لورا كانت معاه في الوقت ده، وهي اللي بلغت البوليس والاسعاف عشان ينقذوه، احنا بقى في المستشفى عشانها وعشان نطمن كمان على نجاة ابن عمك سامر….. ايوة سامر، حسب ما عرفت .
صرخت ضاربة بيدها على صدرها بفزع وحماقة لم تحسب حسابها:
– سامر يا لهوي، دا كان معايا امبارح وزي الفل، هو الموضوع دا حصل ازاي؟ قولي على اسم المستشفي يا رياض، انا حالا لازم اجي واشوفه…..
قاطع حديثها المتسارع بحدته، يوقف استرسالها:
– استني عندك قبل المستشفى وقبل الزفت…. انتي كنتي معاه فين بالظبط؟ وامتى يا ست بهجة؟
– هااا
تمتمت بها، لتعض بأسنانها على جانب شفتها السفلى، وقد أدركت حجم هفوتها امامه، فتحاول التوضيح:
– ما هو يبقى ابن عمي،، يعني شيء عادي لو شوفته في اي حتة واتكلمت معاه، ثم احنا في ايه ولا في ايه بس يا رياص؟
وكأنها تبتغي بكلماتها الاخيرة ان تفحمه، فجاء رده بغموض:
– اه صحيح عندك حق، مش وقته فعلا، ولا وقته خناق ولا معاتبة، تمام اوي يا بهجة، البسي هدومك بسرعة وأنا هبعتلك عم علي يجي ياخدك بالعربية….. عشان تيجي تشوفي ابن عمك….. وتتطمني عليه!
❈-❈-❈
يدخن بشراهة، مطرقًا بإصبعيه على الطاولة الخشبية القديمة، بتفكير متعمق، بعد انتهاء المكالمة وسماعه لحديث الشقيقتين، وقد تحفزت كل خلاياه للتخطيط، بعد معرفته بوجودها بمنزل اسرتها، أصبح الشغف اكثر متعة.
لابد ان يجد طريقة للذهاب اليها، لن يخبر أحد هذه المرة حتى لا يعلم الضابط زوجها بحضوره، لن يهدأ حتى ينال ما يبتغيه، طالما في كل الأحوال يطارده، وأصبح محل اشتباه، اذن ما المانع في تحقيق ما تهفو اليه نفسه، ولكن كيف يجد الطريقة؟ فقد قرر ان يصل اليها، وقريبا
❈-❈-❈
بالتهليل والدعوات الخالصة من القلب، خرجت صفية من قاعة المحكمة تجتاحها نشوة الانتظار، بعد ان تمكنت بمهارتها بالفوز ببرائة كاملة للفتاة المظلومة التي كانت تترافع عنها.
– ربنا يبارك فيكي يا ست المحامية، يحميكي ويرضيكي ويرزقك بابن الحلال اللي يقر عينك ويريح قلبك .
– خلاص يا ست ام ريري، ربنا يخليكي دا انا شبعت من دعواتك النهاردة، هو انا يعني عملت ايه اكتر من واجبي؟
– متقوليش كدة يا ست المحامية، اللي عملتيه مع بنتي جميل لا يمكن انساهولك ابدا، وربنا من فرحتي ما عارفة اكفيكي اللي تستحقيه، روحي يا شيخة، تخرجي من هنا تلاقي ابن الحلال في وشك دوغري.
– دوغري في وشي والله انت دمك عسل.
رددت بها صفية ضاحكة نحو المرأة تتبادل معها الحديث حتى تركتها وخرحت من مبنى المحكمة، تبحث عن سيارتها وسط العدد الهائل من السيارات المصطفة في الجهة المخصصة لذلك داخل المحيط الضخم، ولكن وأثناء بحثها ابصرت بعيناها طيف شخص ما يشبه ذلك الطبيب الذي ازعج يومها بالأمس، لتنفض عن رأسها الفكرة محدثة نفسها:
– ايه اللي هيجيبه هنا بس؟ دا انتي شكلك يا صفية بدأتي تخرفي، يعني مش كفاية حلمتي بيه كمان؟
زفرت توبخ نفسها من الداخل متجهة مباشرة نحو سيارتها بعدما حددت مكانها بالمظبوط، تنهدت ببعض الارتياح تقنع رأسها ان ما رأته لم يكن إلا وهما نتيجة التفكير طوال الأمس، ولكن وفور ان قامت بفتح باب السيارة تفاجأت بالصوت يخترق اسماعها:
– آنسة أستاذة صفية.
اغمضت عينيها بشدة تدعو ان يكون الصوت ايضًا مجرد وهم، ليأتي الإثبات بعكس ذلك.
– بنده عليكي يا متر، انا الدكتور هشام لتكوني نسيتيني، ولا افتكرتيني حد بيعاكس؟
ألتفت اليه بغيظ شديد مرددة:
– هنساك ازاي يعني وانا شايفك امبارح؟ فاقدة الذاكرة مثلا؟ ولا انت ادتني فرصة ان انساك اصلا؟
تبسم بملئ فمه، يرمقها بمكر زاد من حنقها، حتى خرجت عن شعورها:
– هو انت ايه جابك هنا ليه؟ المحكمة فيها مستشفي هي كمان؟ ولا جاي تتفسح؟.
صدحت ضحكته بصوت عالي لفنت ابصار المارة نحوها، حتى خجلت توبحه:
– ايه يا عم انت الضحكة دي؟ خليت الكل يبص علينا، هو انا قولت نكتة؟
توقف يتماسك بصعوبة ويملي عيناه من خجلها الذيذ والذي ظهرت اثاره على بشرتها الخمرية الصافية وقد زحفت السخونة لوجنتيها تلونهم بالاحمرار، لتزيدها روعة، فتحدت بجدية يصطنعها بصعوبة:
– لا طبعا يا أستاذة صفية العفو، انا جيت هنا لحاجة تخصني بقالي فترة طويلة اوي مأجل مشوارها، ما صدقت الاقي نفسي فاضي ساعتين وقولت اجي اخلصها، وشوف سبحان الله….. اتقابل بيكي….. صدفة سعيدة اوي يا استاذ يا آنسة صفية .
– انا اسعد
تمتمت بها بما يشبه العكس، لتدفع بحقيبتها واشيائها داخل السيارة لتسأله بفراسة:
– على العموم كويس، انك اتحركت وبتروج وتيجي اهو، بعد الارتجاج اللي حصل امبارح من حتة بوكس في الوش، يعني اتحسنت.
أجاب بمسكنة:
– الحمد لله العلاج جاب نتيجة بعض الشيء وقدرت اتحرك واعمل حاجتي زي ما بتقولي، ما انا وحيد لو معملتش حاجتي هلاقي مين يعملي؟ انا متشكر انك فاكرة تسأليني عن صحتي.
زمت شفتيها بحنق متصاعد لا تعلم سببه لتنهي هذه المقابلة سريعًا:
– مفيش داعي للشكر، الف سلامة عليك، طب انا مستعجلة بقى، عن اذنك عايزة اروح.
– اذنك معاكي يا أستاذة يا آنسة صفية، هو انا مانعك يعني؟
لقد استفزها بالفعل، وهذا الوصف المركب في النداء عليها، لتنفجر به:
– مية مرة اقولك متندهنيش بأي زفت ولا بأي هباب، لا آنسة ولا أستاذة ولا مدام مبحبش اي واحدة فيهم….. قولي يا متر وبس كدة ماشي….
توقفت تشعر بخطأ انفاعلها المبالغ به، رغم انه يستحق، ولكنها لا تنكر خطأها، تتوقع انصرافه وغضبه، وقد تجمدت ملامحه امامها، ولكنه فاجأها بهذه النظرة المتمعنة بها وكأنه يقرأ افكارها وكشف دواخلها، ليباغتها بابتسامة رائعة مرددًا :
– عيوني يا متر صفية، حلو كدة؟
– حلو اوي، حلو خالص، عن اذنك بقى.
هتفت بها، وكأنها على وشك البكاء، لتسقط داخل سيارتها، تشعل المحرك في نية للذهاب، وكما حدث بالأمس، ظل واقفًا محله يتابع انصراف سيارتها بابتسامة لم تترك محياه، تزيدها غضبًا من نفسها ومنه ، تنفعل على أقل فعل منه، فيقابلها هو بتساهل يثير الاندهاش، هل لأنه هاديء لدرجة البرود؟ ام لأنه يكشفها……
توقفت عند خاطرها الاخير بهلع تحدث نفسها:
– طبعا…. ما هو دكتور نفسي، وأكيد فاهمك يا منيلة،…. كان طلعلي منين دا بس ياربي؟
❈-❈-❈
كان في انتظارها، منذ انتهاء مكالمته معها وهو في انتظارها، يتابع مع العم علي بالإضافة إلى مكالمات العمل التي لا تنتهي، فهو ايضًا لا يستطيع ترك والدته ولا التخلي عن لورا رغم كل عيوبها واخطاءها الفادحة والمؤذية نحوه ونحو بهجة.
بعد قليل كانت تتوقف السيارة التي تقلها بالقرب من المشفى، فترجلت منها تدلف قادمة اليه والى رؤية ابن عمها بعد اصابته الخطيرة ، خطت داخل المشفى والهاتف على اذنها تجري مكالمة مع شقيقها:
– يعني خلصت كل إجراءات الكلية يا إيهاب؟……. مبروك يا قلبي، عقبال يارب ما تخلص دراستك وتبقى دكتور قد الدنيا يارب…… ما هو انا مشيت وسيبت اخواتك البنات هما اللي فاتحين الكافيه…… لا مدام نجوان مقدرتش تيجي عشان عندها ظرف كدة، هبقى احكيلك بعدين………. ايه؟ وانت كمان خارج مع صحابك القدام؟ واجب ايه؟…..
قطعت معه بعدم تركيز لتتوقف عند مكتب الاستقبال ، تنهي المكالمة سريعًا حتى تسأل احد الموظفات عن الغرفة التي يمكث بها ابن عمها
في هذا الوقت لم يتمكن رياض من الوصول اليها لانشغال الهاتف، مما اضطره للإجابة على احد العملاء والبحث عن زاوية هادئة حتى يتثنى له الحديث مع الرجل عبر الهاتف بوضوح.
فدلفت هي للمصعد متجهة للأعلى وحدها، ودت ان تتصل به لكن حدث معها مثل ما حدث معه، واعطاها الرقم مشغول، مما اضطرها الإعتماد على نفسها، لتذهب إلى غرفة ابن عمها وحدها.
طرقت تدفع باب الغرفة التي كانت مازلت تعج بالحضور، رغم انصراف معظمهم، مثل خميس وصديقه وخطيب ابنته طلال الشهير بشيكاغو، وزوج رحمة كان قد غادر قبلهم مع شادي، ليتبقى في الغرفة الآن والدته وسامية وسمير الذي انتفض بأعين جاحظة فور ان وقعت عينيه عليها.
– بهحة
تمتم الاسم بعدم تصديق، وارتجافة حلت بجميع خلاياه، لقد مر وقت طويل منذ انتقالهم من مسكنهم والبحث عنها، ثم الانغماس في رحلة علاج ابنه الوليد، لتطل عليه الآن، فتجعل الساكن بين ضلوعه يأن من وجع الاشتياق اليها، بعدما ظن انه قد نساها.
السلام عليكم، انا كنت جاية اطمن على سامر
القت التحية عليهم باضطراب أصابها تاثرا بفعله، لتركز ابصارها نحو ذاك المتسطح على التخت الطبي والذي ارتفعت عينيه اليها، يدعوها للدخول رغم إجهاد الإصابة:
– ادخلي يا بهجة، هتفضلي واقفة مكانك كتير
استقبلت الدعوة لتدلف بحرج فتواجه ناريتي زوجة عمها والتي وقفت هي الاخرى، بحقد يطل من عينيها،
بعدما رأت التغيير الذي حل عليها لتزداد توهجًا وجمالا
لا تستوعب عودتها اليوم، ولهفة ابناءها الاثنان نحوها، وكأن شيئًا لم يكن، لترمقها من اعلى لأسفل بتفحص لا يقل عن ابنتها التي كانت ملتصقة بالجدار خلفها وكأن اصابها الخرس لرؤيتها:
– اهلا يا بهجة، عاش من شافك.
اضطرت لمصافحتها، واغتصاب ابتسامة باهتة تبادلها:
– الله يخليكي يا مرات عمي حمد الله على سلامة سامر
رد الاخير يريد التخفيف عنها:
– الله يسلمك يا بهجة، هو الخبر انتشر للدرجادي؟
❈-❈-❈
خرجت لورا من غرفة الفحص بعد الإطمئنان عليها بعمل الفحصوات والأشعة، بمرافقة والدتها ونجوان التي لم تتركها حتى في تحقيق الشرطة بخصوص الحادث، لتزيد من ثقل ما تشعر به نحوها،
فلالطالما كانت لئيمة معها ومؤذية في مرضها، هل من المعقول الا تكون عالمة بذلك الآن بعد شفاءها، تشك بذلك تمام الشك،
– أحنا اتأخرنا اوي على رياض، يدوب بقى اتصل بعم علي يجي وياخدنا، الدكتور نبه انك ترتاحي، اللي حصلك مش قليل يا لورا، بس انتي طلعتي شجاعة يا بنتي .
عقبت والدة لورا على قول نجوان:
– طلعت شجاعة بس خلعت قلبي، هي طول عمرها قوية، بس بصراحة المرة دي فاجأتني
تبسمت المذكورة على حديث المرأتين بحزن:
– شجاعة في غير محلها، وحتى القوة اللي بتقولوا عليها، انا لولا لقيت اللي يدافع عني مكنتش هقدر أواجه أبدا، كان لازم حد يضحي بنفسه عشان اشوف الدنيا على حقيقتها وافهم .
لم تغفل نجوان عن اللهجة المختلفة التي تتحدث بها لورا المتعجرفة دائما، بها تغير ما لاحظته منذ ان وقعت عينيها عليها أليوم، تتمنى ان يكون للأحسن لا للأسوء، تضرعت بداخلها لصلاح حالها
والتزمت الصمت بعض الشيء، حتى تفاجأت بأحد الأشخاص يقترب نحوها بهيئة غريبة، مرددًا بلهفة وكأنه يعرفها منذ سنوات :
– مدام نجوان، انتي جيتي هنا ازاي؟ وكنتي مختفية فين.
ارتدت لا اراديًا بإجفال:
– انت مين؟ وبتكلمني كدة ليه؟
تدخلت لورا تطمئنها رغم قلقها هي ايضا، وقد بدا غريبا امامها:
– دا والد سامر يا طنت، هو انت تعرف مدام نجوان يا انكل؟
حاول خميس ظبط لهفته، وقد لاحظ جزع الثلاث النساء منه، فقال ملطفًا:
– يا بنتي دي تبقى الهانم اللي شغالة عندها بنت اخويا بهجة، وياما جات عندنا الحارة، بس هي بقالها مدة طويلة مشرفتناش بزيارتها، معقول تكوني نستيني؟
طالعته بمزيد من الدهشة، وذوت ما بين حاجبيها قائلة بفظاظة تنبع من عدم ارتياحها له:
– لا طبعا مش فاكراك، وبهجة مش شغالة عندي، لا بقى دي تبقى زي بنتي، وابعد كدة من وشنا عشان نعدي ، ابعد .
خرجت الاخيرة بصيحة جعلته يتراجع للخلف يفسح لهما الطريق متفاجأ بشراسة قطة متحفزة للهجوم عليه:
– اهو يا افندم عدي، انا قولت بس اسلم.
❈-❈-❈
واقفة تأبي الجلوس، في لحظات معدودة من أجل السؤال وعمل الواجب، تشعر بشرار النظرات الموجهة نحوها تخترقها، ولولا حديث سامر المتواصل معها رغم تعبه، لكانت اكتفت بالسلام وفقط.
– ابن عمك كان بيتخانق مع تلاتة بلطجية يا بهجة، بتوع السيما والمشاهد اللي بتيجي في الأفلام.
تبادله معه باضطراب شديد:
– معلش يا بن عمي، علقة تفوت ولا حد يموت، ربنا يقومك بالسلامة، انا بس مستغربة امتى دا حصل؟ واللي خلاك تروح حتة مهجورة زي دي في الليل؟ دا حتى الورش بتبقى قافلة.
– النصيب يا بهجة، الكلام دا حصل بعد ما قابلتك بساعتين، تقريبا على عشرة.
قال الاخيرة وانتبه الثلاثة، فتشتعل اذهانهم، لتبدأ حرب الكلمات، وأولهم كان سمير الذي جاء قوله؛ نابعًا من غيرة اشتعلت بقلبه:
– يا ماشاء الله، دا على كدة سامر اخويا كان قايم بالواجب معاكي يا بنت عمي وزيادة، وانا اللي كنت حاسس بالذنب على فراقكم لينا .
رمقته بهجة بغضب شديد وقد فهمت على تلميحه المبطن، لكن وقيل ان تتمكن من الرد، توالى تعقيب سامية ووالدتها بخبث وفحيح:
– لأ ذنب ايه يا حبيبي بقى، هو انت مش شايف التغير اللي ظهر على بنت عمك، باين البلية لعبت معاكم يا بهجة، دا الطقم اللي انت لابساه لوحده بمرتب موظف شهرين.
– ايوة والله يا بنتي، باين بيتنا كان فقر عليكم يا بهجة.
إلى هنا، ولم تقوي على السكوت، لتتوجه بحدة نحو درية:
– والله عندك حق يا مرات عمي، انتو كمان دورو على نفسكم، ولا اقولك، جيبلكم شيخ يفك النحس، ولا يشوف ليكون في حاجة معمولالكم.
كان رد بهجة طبيعي لاستفزاز الاثنتان، فلم تتذكر قصة الشيخ وما أخبرها به شادي عما حدث لسامية؛ سوى بعد ان رأت تأثير الكلمات عليهما، وقد شحب الوجوه بجزع يحاكي الأموات، رغم أنها لم تفضي بالسر ولكن درية علمت من نظرة ابنيها نحوها انكشاف أمرها اماههم، ليغمض سامر على عينيه بضيق يجثم انفاسه مخمنًا الآن السبب الحقيقي لمغادرة بهجة منزلهم،
اما سمير فقد توجه بالسؤال مباشرة نحوها يريد الإجابة بوضوح:
– قصدك ايه يا بهجة؟ هو انتي كان في حد عملكم حاجة في البيت؟
بارتياع ظاهر نفت بتحريك رأسها تهم بالخروج على الفور:
– مين قال كدة؟ أحنا سيبنا البيت عشان كان وشه فقر فعلا زي ما قالت مرات عمي، عن اذنكم بقى، حمد الله على سلامتك يا سامر .
قالتها وتحركت اقدامها سريعًا نحو باب الغرفة، يتبعها سمير دون تردد، بعدما توجه بنظرة نارية نحو والدته التي تبادلت مع ابنتها بقلق شديد، ازداد اضعاف حينما رأت الأتهام ايضًا في عيني ابنها سامر بوضوح تام.
❈-❈-❈
اما عن سمير والذي خرج يسرع بخطواته ليلحق بها، ثم يوقفها قابضًا على عضدها:
– استني هنا يا بهجة انا عايزة اعرف بالظبط، انتي من امتى تعرفي بحكاية الأعمال والسحر؟
حاولت نزع ذراعها عنه نافية:
– اعمال ايه وكلام فارغ ايه؟ ابعد ايدك عني يا سمير ، خليني امشي .
ازداد ضغطه بعنف حتى أنه امسك بذراعها الثاني، غير ابهًا بألمها الذي لا يقارن بما يجتاحه الآن:
– لا يا بهجة مش هسيبك، عشان انا دلوقتي بس اتأكدت ان ده سبب عزالكم البيت، ومش بعيد كمان يكون سبب فراقنا عن بعض وطلاقك مني، انا بقالي فترة طويلة شاكك في كدة، لأني عمري ما هسيبك وانا بعقلي، انا كنت مغيب ساعتها عشان اسيبك واتجوز واحدة غيرك،.
حاولت افلات ذراعيها وقد آثار جذعها بتصريحه:
– في ولا مفيش، انت جاي دلوقتي تقولي الكلام ده؟ ابعد عني يا سمير انت باينك اتجننت؟
كان كالذي تلبسه الجنون، ليُضاعف بتصميمه:
– لا مش هسيبك يا بنت عمي، بعد ما عرفت خلاص الحقيقة، احنا لازم نرجع لبعض يا بهجة، لا يمكن هسيبك تضيعي مني تأتي……
– شيل ايديك الاتنين عنها يا حيوان.
وصلها الصوت وكأنه يأتي من البعيد، لترفع رأسها نحو مصدره، فتتفاجأ بزوجها العزيز يقبض على عنق ابن عمها من الخلف، بملامح يشملها الغضب في أقوى صوره، وكأنه على وشك الفتك به،
تركها سمير بالفعل ليتوجه بكليته نحوه، يحاول نزع يده على رقبته شاعرًا بالإهانة:.
– اوعي شيل ايدك دي يا اخينا، مالك انت تتدخل ليه ما بينا؟ دي بنت عمي ومراتي اللي هردها من تاني .
شهقت بهجة بارتياع تأثير الكلمات على زوجها الذي تلونت عينيه بلون الجمر، وحماقة ابن عمها تدفعه للجنون، مدمدًا بهدوء خطر:
– بنت عمك ومراتك اللي هتردها من تاني!…… هو انت بقى الشطور اللي كنت كاتب كتابك عليها؟
كان يتحدث بلهجة زادت من استفزاز الاخر ليصرخ به ويدفعه على صدره بعنف من أجل تركه:
– شطور ولا امور انت باينك عيل تنح وعايز تتربى، وشكلك مش عارف مين هو سمير الراوي .
صرخت بهجة تحاول منع الاثنان من الاشتباك ، موجهه الحديث لكل منهما:
– يا نهار اسود، يا نهار اسود سيبه يا رياض باشا دا مكنش قاصد من الاساس، يا سمير يا بن عمي، دا يبقى صاحب المصنع اللي شغالة فيه، وقريب لورا اللي عملت الحادثة مع اخوك والله.
– وجوزها .
صدرت كلمته لتوقف كل شيء، تصعق هي باعترافه الان امام ابن عمها الذي ارتخت يداه عن الشجار، وكأن على رأسه الطير، وتحدي الاخر وهو يعود مردفًا:
– سمعتني بقولك ايه، انا ابقى مديرها في الشغل وجوزها .
استدركت اخيرا لتجمع عدد من البشر حولها، من ضمنهم كانت لورا ونجوان ووالدتها، وقد بدت على وجوههم تأثير وقع الخبر عليهم، ولكن صدمة بهجة بالفعل كانت في الشخص الاخر، والذي تفاجأت بحضوره، في الجهة المقابلة، واقفًا يشاهد مع صديقيه القدامى من منطقتها، متجمدا محله بلا حراك او حتى يرمش بعيناه وكأنه تمثال.
فتشخص ابصارها نحو متمتمة بقلب منفطر:
– إيهاب