اخر الروايات

رواية ذئب يوسف الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم زكية محمد

رواية ذئب يوسف الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم زكية محمد 


ذئب يوسف
الفصل الخامس والعشرون

نظرت للمكان بذهول فقد كان فارغاً و مزين ببتلات الورود في كل شق منه، وعلى إحدى الطاولات ترص بعض أنواع الأطعمة، و البلالين الملونة تزين السقف.

علت صيحات الصغيرة قائلة :- الله حلوة أوي يا طنط سندس، مش كدة؟

هزت رأسها بانبهار قائلة :- اه حلوة جداً يا حبيبتي.
لتشهق بصدمة وهي تراه يجثو على ركبته ويخرج من جيبه علبة قطيفة ليفتحها و يظهر منها خاتم ذهبي مطعم بالماس وهتف بحب يكنه لها عبر الزمن لم يتغير ولم يندثر :- تقبلي تتجوزيني؟

ظلت واقفة كالتمثال، عينيها ثابتة عليه ولم تشعر بتلك الدموع التي جرت على وجنتيها، فأردف بمرح :- طيب إيه؟ مش هتردي بأي حاجة، رجلي وجعتني.

هتفت جوري بتشجيع :- قولي اه يا طنط قولي اه علشان خاطري..

هزت رأسها بخجل و موافقة، فتنهد هو براحة قائلاً بسعادة :- الحمد لله، أخيراً!

وقف قبالتها قائلاً وهو يمد لها بالعلبة :- خدي دة بقى خليه معاكِ أبقى ألبسهولك بعد ما نكتب الكتاب بإذن الله.

أذعنت لطلبه بحرج، بينما أردفت جوري بتذمر :- أنا جعانة!

ضحكت سندس بمرح، و أردف عاصم بحنق :- تعالي يا مرات أبويا تعالي.

جلسوا معاً على الطاولة و شرعوا في تناول الطعام في جو من الألفة و المرح الذي خلقته الصغيرة، و بعد أن انتهوا جلسا معاً على انفراد، بينما كانت الصغيرة على بعد تحت أنظارهم.

أخذت تضغط على أصابعها بتوتر وهي تشعر بمشاعر جمة، فلقد عاد ليحي ما دفنته بداخلها و بعثر كل ما في مقبرتها.

أردف بحذر :- ساكتة ليه؟

هزت رأسها بمعنى ماذا تقول، فتنهد هو بعمق قائلاً بحزن :- مقولتيش ليه يومها بدل ما أنتِ جاية ترمي طوب، ساعتها كان نفسي اقتلك و أطفي ناري منك، دة أنا كنت مستحلفلك لحد وقتنا دة بس اللي حاشني إني عرفت الحقيقة .

أردفت بوجع :- هددني أنه هيقتلك، هما الاتنين هددوني و وقتها ماما الله يرحمها كانت تعبانة وهو أستغل دة كويس.

أردف بغيظ :- يعني شايفاني عيل مش هعرف أحميكِ ! دة أنا كنت فعصتهم تحت رجلي بس غبائك و ضعفك هو اللي وصلنا للطريق دي.

أردفت بنبرة توشك على البكاء :- لو هتفضل تلومني كدة همشي أحسن.

زفر بضيق قائلاً :- إيه مش قادرة تواجهي نفسك قدامي و تعرفي إنك كنتِ غلطانة!

ارتعشت يديها قائلة برجاء :- عاصم كفاية.

ضم قبضته بشدة وهي يراها على تلك الحالة وغير قادر على احتوائها لطمئنتها فأردف بهدوء مغاير :- خلاص يا سندس انسي كل حاجة راحت زي ما أنا كمان هنسى، هنبتدي من جديد من غير ما نخبي على بعض أي حاجة تحت أي ظرف مهما حصل، ماشي؟

هزت رأسها بموافقة، فأردف بابتسامة بسيطة كي يرفع عنها الحرج :- قوليلي بقى يا سيدة الأعمال أخبار شغلك إيه؟

نظرت له بغيظ قائلة :- كان في حد بيقول إني بهش دبان!

ضحك بمرح قائلاً :- قلبك أبيض بقى، ها يا ستي احكيلي.

ابتسمت بعذوبة و راحت تقص عليه عملها و المنتظر منها في الفترة القادمة، تثرثر بحماس وهو يتابع ذلك برحابة صدر، وكم اشتاق لتلك الأيام معها التي يتلهف شوقاً لاستكمال المتبقي منها معها.

قاطع حديثهم رنين هاتفه، وما إن رأى المتصل أردف بمرح :- دي أمي! حماتك بتحبك.

رد على الهاتف لتتغير ملامح وجهه ما إن هتفت ببعض الكلمات فأردف بعدها بسرعة :- ماشي يا ماما أديني جاي أهو.

أنهى الحديث معها لتردف سندس بقلق :- فيه إيه؟

أردف بخوف :- الدنيا مقلوبة في البيت أنا رايح أشوف في إيه.

أردفت بذعر :- طيب أنا هاجي معاك علشان رحيق.

و بالفعل انطلقوا بسرعة للحاق بتلك المعركة التي نشبت بالقصر.

______________________________________

ما إن توقفت السيارة أسرعت هي تخرج من السيارة تركض للداخل بهمة ولم تعطه الفرصة للحاق بها، فزفر بغيظ و دلف للداخل مع شادي.

اصتدمت بشيري على درجات السلم التي هتفت بضيق :- أنتِ عامية مش......

بترت كلماتها وهي ترى احمرار وجهها دلالة على الغضب و الحزن، و أيضاً لاحظت دموعها التي تحبسها بمقلتيها ولم تأذن لها بالخروج بعد.
مطت شفتيها بتساؤل قائلة :- في إيه؟

إلا أنها تخطتها و تابعت ركضها، بينما هزت شيري كتفيها باستسلام قائلة بعدم اكتراث:- وأنا مالي.

ولجا معاً للداخل فوجدوا الجميع باستثناء عاصم، فأخذ شادي يطالع والدته بخزي وعتاب جعلها ترتبك بداخلها، بينما هتف مجدي بتعجب :- مالكم يا ولاد، و فين رحيق؟!

خرج صوته قائلاً بجمود :- فوق، و كويس أنكم موجودين هنا علشان نتكلم كويس.

تطلع جميعهم إلى بعضهم البعض بغرابة، بينما نظر مراد لناريمان بغضب حارق و وقف قبالتها قائلاً بفحيح أمام الجميع :- كام مرة وأنا أقولك بلاش؟ أنا حذرتك أكتر من مرة و دلوقتي أنتِ استنفذتي رصيد الصبر اللي ليكِ عندي واللي يقرب لحاجة تخصني يبقى أفعصه بأيدي مهما كان مين.

هتفت بتلعثم :- أاا... أنت تقصد ايه؟

صرخ بعنف قائلاً :- ما تمثليش! كفاية أنا عارف كل حاجة فشيلي الوش دة خالص دلوقتي .

تدخل عمران قائلاً بتوبيخ :- مراد أنت بتعلي صوتك على مرات عمك!

نظر له بتهكم قائلاً :- والله يابابا لما تكون مرات عمي كانت هتبقى السبب في أذية مراتي يبقى لازم أعمل أكتر من كدة.

نزلت عليهم عبارته كالصاعقة، فاتسعت أعينهم بذهول فأردف مجدي بضياع :- إزاي دة يعني؟ وفين بنتي؟

طالع عمه بابتسامة مطمئنة قائلاً :- متقلقش يا عمي هي بخير .

تنهد براحة قائلاً بغضب وهو يحدج ناريمان بازدراء :- عملتِ إيه تاني؟ والله ما يكون اللي في
دماغي ما هخليكِ على ذمتي لحظة، كفاية أوي اللي عملتيه.

نظر لمراد قائلاً بقلق :- عملت إيه يا ابني، طمني على بنتي.

أردف بسخرية لاذعة :- ناريمان هانم اتفقت مع عدوي و أدتله ملف صفقة مهمة من بتوعنا قصاد إنه يخطف مراتي و يخلص عليها.

شهق بذهول قائلاً بعدم تصديق :- عملت إيه؟

تابع بتهكم :- و دي مش أول مرة هي بردو اللي راحت لابن خالة رحيق علشان يخطفها و دلوقتي بقى أنا عاوز حق مراتي، أنا ممكن بسهولة أمحيها من على وش الدنيا أو احطها في السجن، بس أنا هعمل اعتبار ليك يا عمي وأنت اللي هتقرر.

ترقب الجميع مجدي الذي أخذ يطالعها بحقد خلفته سنوات أضاعها برفقتها من عمره، إذ خرج صوته قائلاً بقهر :- عملتلك إيه؟ كل دة علشان أمها فاطمة؟ فاطمة اللي محبتش غيرها ولا هحب بعدها! أنا صبرت كتير بس لحد بنتي لا وألف لا مش هسمحلك، و يؤسفني بعد العمر دة كله أقولك أنتِ طالق، أنا اكتفيت منك ومن أفعالك ولولا عيالك كنت شوهت احترامهم ليكِ باللي عملتيه زمان.

نظرت له بصدمة وحقد من اعترافاته التي يمطرهم إياها حتى وإن كان بعضها ضمنياً، و كم شعرت بالنيران التي تشتعل في صدرها حينما أعترف صريحة بحبه لتلك التي لم تبغض مثلها، فهتفت بحدة و تعالي :- بعد دة كله و جاي تنهي دة؟

أردف بوجع :- أنتِ اللي نهتيه مش أنا.

أردفت بجنون :- كله من بنت فاطمة ..

قاطعها بصوت عال :- إلزمي حدودك يا ناريمان و كفاية أوي لحد كدة.

نظرت لسلوى التي شحب لونها قائلة بغل :- بس أنا مش هغرق لوحدي، سلوى هانم كانت معايا في كل خطوة دي حتى هي اللي كانت السبب في إن فاطمة تمشي و متعرفش طريقها.

صاحت سلوى بتوتر :- أخرسي!

ضحكت بتهكم قائلة :- لا مش هسكت، إيه مش أنتِ اللي روحتي و هددتيها يا إما تبعد يا إما هتقتلي بنتها، وهي هبلة خافت و مشيت علطول.

أردفت بغضب مفجرة القنبلة التي أطاحت بالجميع :- بس أنتِ اللي قتلتيها.

كان هذا التصريح بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث كانت رحيق تقف بالأعلى على السلم و عندما سمعت أن والدتها تم قتلها دارت بها الأرض فوقعت واختل توازنها لتتدحرج على درجات السلم حتى وصلت إلى نهايته و سكن جسدها تماماً.

ما إن رآها صرخ باسمها بلوعة، ليعدو نحوها و يحملها بخوف وهو يتفحص وجهها الشاحب شحوب الموتى، و بدون تفكير ركض بها نحو الخارج ليتبعه شادي الذي شعر و كأنما من قام بغرس سكيناً حادة في قلبه فقتلته في الحال.

وصل بها للمشفى بوقت قياسي وما زاد هلعه هو وجود تلك الدماء التي لطخت فستانها. دلف للداخل وأخذ يصرخ في الممرضين ليحضروا أحد الأسرة المتحركة ومن ثم وضعها عليه برفق، ودلفت للغرفة للتشخيص وهو بالخارج يدعو الله بأن تكون بخير.

وصل شادي الذي وقف قبالته بصعوبة قائلاً بضياع :- رحيق جرالها إيه؟ هي كويسة مش كدة؟

نظر له ببعض الشفقة وهو في أمس الحاجة لمن يطمئنه، ولكنه تحلى ببعض الثبات قائلاً وهو يربت على كتفه :- إن شاء الله الدكتور هيطلع و يطمنا عليها.

أردف بدموع عالقة في مقلتيه :- أنا مش ...مش عارف إزاي هبص في وشها بعد كدة، كل اللي حصلها و بيحصلها بسبب أمي..

زم شفتيه بضيق على ذكرها قائلاً :- أنت ملكش ذنب يا شادي وهي عارفة كويس دة.

أردف بصوت متحشرج :- بس أطمن عليها ومش هوريها وشي أنا ما استاهلش أكون أخوها..

أردف بحدة :- أنت عبيط! كلام إيه اللي بتقوله دة، أنت أكيد مش في وعيك دلوقتي، لينا كلام بعدين بس نطمن عليها الأول.

جلس أرضاً بإهمال و وضع رأسه بين قدميه يؤنب ذاته وكأنه المسؤول عما حدث، وكم يشعر بالقهر و الخذي مما فعلته والدته، آخر شيء ممكن أن يتوقعه أن تكون قاتلة! كيف تقدم على هذا الجرم، وكيف تمارس حياتها بشكل طبيعي وكأنه لم يكن هناك شيء؟!

خرج الطبيب بعد وقت وعلى وجهه علامات الأسى فنهض شادي بدوره ينتظر سماع كلماته بتلهف، بينما هتف مراد بقلق :- طمنا يا دكتور.

مط شفتيه بحزن قائلاً :- للأسف ملحقناش ننقذ الجنين، شوية كدة وهتفوق و يا ريت تمهدولها الموضوع علشان متتصدمش و يجلها إنهيار..

قال ذلك ثم تركهم وانصرف، بينما ظلت كلماته تتردد في أذن مراد بذهول، أكانت تحمل صغيره في أحشائها؟ ولكنه قُتِل والسبب هي حتى وإن كان بطريقة غير مباشرة.
اتسعت عينا شادي بصدمة قائلاً :- كانت حامل، والبيبي نزل والسبب برده هي! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله و إنا إليه راجعون..

وضع يده على رأسه وهو يشعر بدوار شديد فأخذ يترنح لولا الحائط الذي استند عليه لتهطل دموعه بحزن على شقيقته.
ظل مراد على حالته واقفاً بجمود و بداخله مرجل يغلي، توجه لغرفتها لرؤيتها فوجدها ممدة على الفراش لا تتحرك قيد أنملة.
جلس بجوارها والتقط يدها و قبلها بندم قائلاً وهو يتخلى عن رداء كبريائه :- قومي يا رحيق فوقي وأنا هقولك بحبك و بعشقك زي ما كنتِ عاوزة بس بلاش أشوفك كدة، أنا متعود عليكِ تناطحيني راس براس، قومي يلا زعقيلي قولي أي حاجة بس متفضليش ساكتة كدة، قومي وأنا هجبلك حقك والله ما هرحمها.

أنهى كلماته ثم أخذ يمرر يده على وجنتها التي سبق وأن صفعها عليها و الخذي حليفه من فعلته أعقبه بتقبيله إياها برفق وكأنه يعتزر لها عما بدر منه.

_____________________________________

ما أصعب من أن تتلقى الجرح من هؤلاء الذين هم أقرب إليك من أي شخص آخر، و ما أصعب الخذلان إن حصلت عليه منهم .
أخذ يطالعهم بوجع وخاصة والدته التي ظلت تشاهد معاناته طيلة تلك السنوات ولم ترأف لحاله، شاهدت ألمه دون أن تساعده على الشفاء بل زادت من فوهة الجرح بالمزيد والمزيد من الآلام.

هتف بنبرة ضعيفة يملؤها العتاب و القهر :- عملتي كدة ليه يا أمي، عملتي كدة ليه؟ كنتِ شايفاني بموت قدامك وأنتِ بتتفرجي عليا مستمتعة بعذابي، أهم حاجة منظرك قدام الناس!

صمت ليصرخ بدموع :- ملعون أبو الفلوس اللي تخلي الواحد يتخلى عن آدميته، ملعون أبو المظاهر اللي تخلي الواحد يبقى مجرم، ارتحتي إزاي؟ ضميرك كان بيخليكِ تنامي؟ حرام عليكِ يا أمي عارفة لو حد قالي إنك ممكن تعملي كدة هقول لا استحالة دي أمي اللي مش هترضى بالوجع ليا، لكني اكتشفت إنك وجعي و ألمي.

شهق بانهيار ليتابع وهو يشير لناريمان :- هي دي اللي كنتِ فرحانة بيها قتالة القتلة دي! كنتوا سبتوني على عمايا طيب كنتوا سبتوني، يا رب، يا رب...

تدخل عمران بخوف على شقيقه قائلاً :- مجدي أهدى...

أردف بانفعال :- مش ههدى بلغ البوليس حالاً وحياة وجعي اللي عيشته السنين اللي فاتت كلها لأدوقهولكم..

هتفت شيري ببكاء :- بابي أنت هتسجن مامي؟

أردف بغضب :- أنتِ تسكتي خالص حسابك لسة مجاش، هعيد تربيتك من تاني لو كان دة آخر حاجة هعملها قبل ما أموت..

نظر لأخيه قائلاً الذي نفذ طلبه لتوه وطلب الشرطة:- أتصل على مراد شوف بنتي جرالها إيه؟

هز رأسه بموافقة ليتصل به و ينهي الحديث بعدها قائلاً بحزن :- هي كويسة بس فقدت الجنين.

اعتصر عينيه بألم فلم تسلم أيضاً ابنته من شرها.

أردف بخوف :- طيب خدني لهناك يا عمران أرجوك عاوز أشوف بنتي دي ملهاش حد غيري.

أومأ له بموافقة قائلاً بروية :- ماشي هعملك كل حاجة.

و ما هي إلا لحظات حتى وصلت الشرطة لتلقي بالقبض على ناريمان التي تحولت كالمجنونة وهي تصرخ فيهم بأن يتركوها ولكن هيهات فالعقاب حل بها في الدنيا لتنتظر عقابها بالآخرة، فما أعظم من جريمة القتل التي حرمها الله.

____________________________________

عاد من عمله برفقة الصغير يحملان معهما بعض الاشياء التي ابتاعوها قبل أن يصعدوا للأعلى.
أخذ ينادي باسمها فخرجت من المطبخ وهي تبتسم لهم بعذوبة وما إن رأت ما يحملوه هتفت بشراهة :- الله! أنتوا جبتوا الحجات دي ليا أنا كلها، صح؟

ضحك بصوته كله قائلاً بمرح :- لا دة أنا بقيت أخاف منك، أنا خايف لأصحى في يوم ألاقي دراعي متاكل!

قوست شفتيها بعبوس قائلة :- كدة يا إسلام! ماشي.

قالت ذلك ثم دلفت للمطبخ بتذمر، بينما وضع أحمد أنامله على ثغره قائلاً بحزن :- إثلام ماما زعلت!

بعثر خصلات شعره بمرح قائلاً :- لا متقلقش أنا هصالحها، خليك أنت هنا، تمام؟

هز رأسه بموافقة فدلف هو و يحمل الكيس المملوء بالحلوى و أنواعها و أكياس الشيبسي التي تطلبها بمبالغة في الفترة الأخيرة.
وجدها تعطيه ظهرها، تقف قبالة المقود تتابع طهي الطعام، فوضع ما بيده على الطاولة بهدوء، و وقف خلفها مباشرة و حاوط خصرها فشهقت بحنق قائلة :- أوعى كدة يا إسلام أنا مخصماك.

قبل شريانها النابض برقبتها قائلاً بعشق :- وأنا ميهونش عليا زعلك يا روح إسلام.

ثم أضاف بمرح وهو يلفها ناحيته و يدفن رأسها بصدره :- إيه مش هتاخدي الجرعة النهاردة؟

ابتعدت عنه وهي تجعد أنفها بتقزز قائلة :- لا ريحتك وحشة.

طالعها وكأنها برأسين و أردف بصدمة وهو يقرب قميصه يستنشقه مراراً يتحقق من صدق حديثها :- نعم! مش كانت حلوة الصبح!

هزت رأسها بنفور قائلة :- لا أنا قرفانة وعاوزة أرجع.

ضغط على يده بغيظ قائلاً :- ماشي يا مريم لما نشوف اخرتها إيه.

أنهى كلماته و انصرف بغضب مكتوم وهو يشعر بأنها ضربته في مقتل بنفورها منه، أما هي التقطت الكيس و أخذت تخرج ما بداخله و تتناوله بنهم كما لو أنها لم تأكل منذ أسبوع.

بعد وقت كان يجلس على الطاولة بعد أن أعدت الطعام، أخذ يلوكه بهدوء و إن حدثته يجيبها باقتضاب، فشعرت بالندم على ما تفوهت به وهي تشعر بالتعجب من حالها، فبعد أن كانت تتجرع رائحته كالمدمنة تنفر منه الآن!

نظرت للطعام بدون شهية، وما إن قربت الملعقة لثغرها شعرت بالغثيان، فلم تتحمل و ركضت فوراً نحو الحمام تخرج ما في جوفها.

تابعها هو بقلق ونهض خلفها ما إن سمع صوتها، ليجدها تتقيأ فهتف بقلق بالغ :- مريم مالك؟

ازاحته برفق قائلة بحرج :- إسلام أطلع مينفعش تشوفني وأنا كدة.

نهرها ببعض الحدة قائلاً :- بطلي عبط بقى.

نظرت له والدموع تتلألأ بمقلتيها، فداهمها الغثيان مجدداً لتخرج ما بمعدتها بعنف وهي تشعر بروحها تُسحب منها.
أخذ يمسح على ظهرها بحنو و يمسكها جيداً، و ما إن انتهت غسل وجهها و فمها ثم حملها ليتوجه بها ناحية غرفتهما ليمددها برفق على الفراش، ثم التقط هاتفه و اتصل بالطبيبة المجاورة لهم في الحي.

أتت على عجالة و دلفت لتفحصها، بينما وقف هو بالخارج يعدو جيئة و ذهاباً و الخوف حليفه.
خرجت وهي تبتسم بخفوت ليركض نحوها قائلاً بذعر :- مالها مراتي يا دكتورة طمنيني عليها..

ابتسمت بعملية قائلة :- متقلقش كلها تمن شهور و تبقى أب.

نظر لها ببلاهة فضحكت هي بخفوت قائلة :- ألف مبروك.

أردف بغباء :- يعني هبقى أم، قصدي أب؟

هزت رأسها تومأ له بتأكيد قائلة :- أيوة، أنا كتبتلها على شوية فيتامينات كدة تاخدهم بانتظام وهبقى أتابع معاها في العيادة.

أومأ لها بسعادة، وبعد أن انصرفت هتف أحمد بحزن :- هي ماما عيانة؟

حمله واحتضنه بسعادة قائلاً :- متخافش يا حبيبي ماما كويسة، تعال نطمن عليها جوة.

دلف به وابتسامة واسعة تزين ثغره، فجلس إلى جوارها و وضع الصغير أرضاً، و امسك يدها وقبلها قائلاً بحب و سعادة :- ألف مبروك يا حبيبتي.

ابتسمت بحب وهي تضع يدها على بطنها تتحسسها بفرح :- الله يبارك فيك يا إسلام، أنا حامل .

ربت على خصلات شعرها قائلاً بابتسامة عريضة :- أيوة يا روحي عقبال ما ينور حياتنا كدة هو وميدو.

نظرت أرضاً بخجل قائلة :- إسلام أنا آسفة ما أقصدش.....

وضع أصابعه على ثغرها يمنعها من مواصلة الحديث قائلاً بتفهم و مرح :- خلاص هعديها المرة دي، كله من ابن الكلب اللي جوة دة..

جعدت جبينها بضيق قائلة :- ما تشتمش ابني ولا تشتم أبوه..

غمز لها بعبث قائلاً :- يا بخت أبوه والله، احم أنا بقول نتلم أحسن الولد قاعد .

هتف الصغير بتساؤل :- ماما يعني إيه حامل؟

ضحكت بخفة وهي تشير لبطنها :- يعني هنا في نونو صغير هيطلع بعد شهور و هيبقى أخوك أو أختك.

أردف بانبهار :- يعني هيكون عندي أخ زي محمد ابن خالو محمود؟

هزت رأسها بموافقة قائلة بحنو :- اه يا حبيبي.

ضيق إسلام عينيه بغيظ قائلاً بغيرة :- وصلة الحب دي هتخلص إمتى؟

ضحكت بخفوت قائلة بمهاودة :- إسلام حبيبي دة طفل صغنن..

أردف بخبث :- أيوة جريني للرزيلة وأنا بحبها، مليش دعوة أهو..

أردفت بحرج وهي ترجع خصلات شعرها خلف أذنها :- إسلام عيب الولد!

غمز لها بعبث قائلاً بمكر :- ماشي هروح أوزعه أنا عند جدو موسى ونحتفل بالخبر الحلو دة على رواقة..

و بالفعل بعد أن أطعم الصغير و حمل الأطباق من على الطاولة نزل و أعطى الطفل لجدته عواطف وأخبرها بكذب أن مريم مشغولة بتنظيف المنزل، وصعد بعدها ليدلف للغرفة وعلى وجهه ابتسامة عابثة، فهتفت هي بفرح :- إسلام قولتلهم تحت؟

هز رأسه بنفي قائلاً :- لا طبعاً أنتِ عاوزاهم يقطعوا عليا ولا إيه! دة لو قولتلهم هيطبوا كلهم هنا وهطلع أنا من المولد بلا حمص، خلينا نحتفل الأول وبعدين ربك يسهل.

هزت رأسها بضجر منه قائلة :- مجنون!

اقترب منها بخبث قائلاً :- بيكِ يا جميل..

______________________________________

رمشت بخفة و فتحت مقلتيها بضعف، أنت بخفوت لينتبه لها مراد الذي أقترب منها بلهفة قائلاً :- رحيق أنتِ كويسة؟

حاولت الاعتدال إلا أنها تأوهت بصوت مسموع، وهي تضع يدها على بطنها قائلة :- في وجع هنا.

زم شفتيه بأسى قائلاً بحنو :- معلش كلها يومين و يروح.

هزت رأسها بتساؤل قائلة :- ليه في إيه؟

زفر بضيق فلابد من اخبارها، إذ نظر لها بحذر قائلاً :- أنتِ كنتِ حامل و أُجهضتي .

طالعته بوجه شاحب قائلة بهمس :- حامل! ابني راح.

بدأت عبراتها بالهطول وهي تنظر حولها بضياع فاقترب منها إلا أنها أبعدته بيدها قائلة :- سيبني أنا عاوزة أقعد لوحدي..

أردف بهدوء وهو يحاول أن يحتويها :- رحيق أهدي.

صرخت بحدة :- بقولك سبني لوحدي مش عاوزة حد ، مش عاوزة..

ابتعد عنها بخوف من تأزم حالتها قائلاً باستسلام :- خلاص هبعد بس أهدي .

دلف شادي على صراخها و توجه ناحيتها قائلاً بحنو :- متزعليش يا حبيبتي، ربنا يعوض عليكِ..

هتفت ببكاء :- ابني مات يا شادي، ابني مات.

جلس إلى جوارها ومن ثم أخذها في أحضانه ليردف بحنو :- هششش خلاص أهدي، وحدي الله دي أمانة ربنا أخدها و بيبتليكِ هتعترضي.

هزت رأسها بنفي قائلة بوجع :- كان نفسي أحس بيه و يطلع على الدنيا و أشوفه وهو بيكبر قدام عنيا، بس يوم ما أعرف أعرف أنه مات..

قبلها برأسها بعمق قائلاً بروية :- إن شاء بكرة ربنا يرزقك بغيره..

أخذت تبكي بعنف، والآخر يشاهدهم و هو يشعر بجمرات الغيرة و الغضب يعصفان به، فهي رفضت اقترابه بينما تعانق غيره حتى وإن كان شقيقها، ضم كفه بغضب فهو المسؤول عن ذلك ما كان عليه أن يرفع يده عليها، فها هو يجني ما زرعه.

_____________________________________

يحتضنها بتملك وعلى وجهه ابتسامة خبيثة لتحقيقه ما يريد، بينما هتفت هي بخجل :- إسلام روح هات أحمد هيقولوا علينا إيه دلوقتي؟

قبل جبينها بحب قائلاً بمكر :- متخافيش أنا قولتلهم إنك بتنضفي البيت، شوفتي ساهلة إزاي!

زمت شفتيها بعبوس قائلة :- والله أنت قليل الأدب.

ضحك بعبث قائلاً :- هو أنتِ متعرفيش إني خريج تجارة قسم قلة أدب؟

قوست حاجبيها بتعجب قائلة :- هو في قسم في تجارة اسمه كدة ؟ أنت بتشتغلني!

وقبل أن يرد عليها سمع رنين جرس الباب، فأردف بغيظ :- مين ابن ال..... اللي جاي دة؟

أردفت بعتاب :- بطل تشتم كل شوية و روح شوف مين بقى.

نهض بعبوس قائلاً :- ماشي أديني رايح أهو..
ثم أردف بخفوت :- دة أنا هنفخ أمه.

ما إن فتح الباب، اتسعت عيناه بصدمة..................

___________________________يتبع


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close