رواية جبر السلسبيل الجزء الثاني الفصل السابع عشر17 والاخير بقلم نسمة مالك
الفصل ال17 و الأخير..
جبر السلسبيل2..
نسمة مالك..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
تردد "عفاف" هذا الدعاء بلا توقف منذ دخول "سلسبيل" غرفة العمليات المجاورة لغرفة زوجها مباشرةً، بقي الجميع في حالة مزرية حقًا ينتظرون و لو بريق أمل يُزيح هذه الغمة عنهم..
"ماما عفاف.. سلسبيل بتولد إزاي و هي في السابع؟!"..
قالتها "صفا" التي وصلت للتو حاملة حقيبة كبيرة بها كل أغراض "سلسبيل" الخاصة بالولادة..
استقبالتها "عفاف" بضمة حنونة، و أخذت منها الحقيبة و بدأت تجهز ثياب الصغار و هي تقول بصوتٍ متحشرج بالبكاء..
"الحمد لله إني جهزت لها كل حاجة هتحتاجها بدري.. قلبي كان حاسس أنها ممكن تعملها و تولد في أي وقت بسبب الضغط الكبير اللي بتمر بيه.. أدعيلها يا صفا تقوم بالسلامة" ..
ربتت "صفا" على كتفها مغمغمة بيقين..
" إن شاء الله هتقوم بالسلامة هي و النونو يا ماما عفاف اطمني يا حبيبتي"..
" لا متخليهاش تولد يا دادة عفاف.. خليها حامل لو ولدت أمي هتموتها و تموت أخوي و لا أختي اللي هتيچي كيف ما عملت في أبوي ".. صرخت بها" فاطمة" الواقفة بإحدى الأركان محتضنة شقيقاتها و يبكيان بنحيب بصوتٍ مكتوم..
جملتها جعلت الجميع يتطلع ل" خضرا" بأسف ، لتهرول مسرعة تجاه البنتين فاتحة ذراعيها و قد تذكرت وجودهما الآن ..
" فاطمة.. حياة.. متخفوش يا ضناي.. تعالوا في حضني"..
ظهر الذعر على ملامحهما، و فروا مبتعدين عنها اختبؤا خلف ظهر "جابر"، فعلتهما هذه كانت أقسى عقاب بالنسبة لها، أبنتيها خائفتان منها ! تسمرت محلها تطلع لهما بأعين تنهمر منها العبرات حين قالت "حياة" أبنتها الصغيرة..
"عمو چابر متهملناش وياها.. أبوي وصاك على أني و خيتي قبل ما يموت "..
جثي "جابر" على ركبتيه أمامها، و رفع يديه زال دموعهم برفق مردفًا بابتسامة مطمئنة..
"أبوكم مماتش.. أبوكم بإذن الله هيعيش و أنا معاكم أهو مش عايزكم تخافوا و تبطلوا عياط و أدعوا ل بابا و ل سلسبيل كمان يقوموا بالسلامة "..
أتت إحدي الممرضات و تحدثت بعملية قائلة..
"جهزنا جناح لمدام سلسبيل تقدروا تنتظروها فيه على ما تولد"..
نهضت" صفاء" حاملة الحقيبة، اقتربت من الصغيرتان ضمتهما بحنو، و سارت بهما و هي تقول..
"أيه رأيكم تيجوا معايا نستنى النونو سوا في الأوضة "..
تابعتهم" خضرا" بحسرة شديدة على حالها، لتنتفض بهلع حين وجدت باب غرفة العمليات يُفتخ و خرج منه إحدي الأطباء يتحدث بأنفاس لاهثة قائلاً..
"المريض محتاج نقل دم فورًا"..
"أنا معاه قولي أتبرع فين".. قالها "جابر" بلهفة و هو يفك زرار القميص من حول معصمة، و يرفعه يظهر ذراعه له..
"اتفضل معايا هناخد منك عينة و نحللها الأول"..
أسرعت "صفا" خلفه و هي تقول بستحياء..
"أنا هاجي معاك يا جابر"..
نظر لها" جابر" نظرة جعلت وجنتيها تتورد بحمرة الخجل، ليزيد من خجلها أكثر حين مد يده أمسك كف يدها الصغير بين راحة يده الضخمة ضاغطًا عليها بخفة..
" تعالي "..
سارت بجواره تحاول سحب يدها من يده، لكنه رفض تركها هامسًا بأذنها..
" مش هسيبك.. فاهمة.. أنا مش هسيبك.. ده أنتي وصية أمي يا صفا"..
خفضت رأسها حتى لا يرى ابتسامتها و الدموع التي تجمعت بعينيها تدل على فرحتها بتمسكه بها..
......................لا إله إلا الله وحده لا شريك له......
"خضرا"..
لم يبق أحدًا غيرها أمام غرفة العمليات، عينيها تذرف الدمع بغزارة، دموع ندم، حسرة، خوف من القادم ..
ضربت بيدها على رأسها مرددة ببكاء كاد أن يقطع أنفاسها..
"اااه يا أخوي.. يارب لاچل حبيبك النبي تقلبه مقلب سلامة لخاطر البنته الصغار"..
كفت عن البكاء حين رأت الطبيب المشرف على حالة "بخيتة" يقترب منها بوجهه لا يُبشر بالخير..
"خير يا دكتور.. أمه حُصلها حاچة..
أجابها الطبيب بأسف قائلاً..
" واضح إن المريضة اتعرضت لصدمة شديدة جدًا أدت لشلل رباعي و حالتها للأسف مش مستقرة.. أدعيلها "..
لطمت" خضرا "وجنتيها بعنف مرددة بنواح..
" يا مرك يا خضرا.. يا وچع الجلب اللي ملوش علاچ و لا دوا"..
........................................ سبحان الله وبحمده ....
.. داخل غرفة العمليات..
صدمة شلت الجميع حين توقف قلب "عبد الجبار" عن النبض رغم النجاح الكبير للعملية التي قام بها "أيوب" ببراعة و إتقان شديد،
هرول مسرعًا نحو الجهاز الخاص بإنعاش القلب، و صعقه به مرات متتالية، يكرر المحاولة مرارًا و تكرارًا دون يأس و هو يقول بغضب عارم..
"رافض الحيااااة لييييييييييييه"..
على الجانب الأخر بالغرفة التي تلد بها "سلسبيل" كانت الفرحة تعم المكان حين قالت الطبيبة التي تولدها بسعادة بالغة..
"ولدين.. جالك ولدين زي القمر يا سلسبيل"..
كان صوت بكاء الصغيران يجعل القلوب تتراقص فرحًا، فرحة غامرة تدمع لها العين إلى أن توقف أحدهما فجأة عن البكاء، و تباطأت أنفاسه و حتي نبضات قلبه..
ظهر الذعر على وجهه الطبيب المشرف على حالة الصغيران، و أسرع بإنقاذ الصغير بشتى الطرق أمام نظرات"سلسبيل " الزائغة، لكن في خلال لحظات فقط قد نفذ أمر الله و توقف نبض الصغير تزامنًا مع عودة النبض لقلب والده،
حينها شعر قلبها بفقدان إحدي صغارها فهبطت عبراتها ببطء على وجنتيها، أبتسمت إبتسامة يملؤها الرضى مرددة بصوتٍ ضعيف مرتجف ..
"إبني فدى أبوه.. عبد الجبار هيعيش.. إبني فداه"..
حمل الطبيب الرضيع على يده ، و ركض به مهرولاً عبر الباب الداخلي المؤدي للغرفة المتواجد بها دكتور "أيوب"، و تحدث بأنفاس متلاحقة قائلاً..
"دكتور أيوب.. قلب الطفل وقف فجأة ".
كان "أيوب" أنتهي للتو من إنقاذ "عبد الجبار "، ليطلق صرخة مغتاظة، و هو يلتقط الرضيع و وضعه على كتف والده العاري مرددًا بغضب مصطنع و هو يقوم بإنعاش قلبه بمهارة و دقة عالية..
"الواد و أبوه دول حد مصلطهم عليا انهاردة و لا أيه؟!!!"..
ليصل إلى سمعه صوت بكاء شقيقه التوأم، فتابع بتساؤل مستفسرًا..
" هما توأم؟!"..
"أيوه يا دكتور توأم.. مولودين قيصري.. و الولادة تمت قبل معادها في الشهر السابع"..
لم يتوقف "أيوب" عن محاولة إنقاذ الرضيع و هو يقول..
" هات أخوه بسررررعة"..
ركض الطبيب و اندفع نحو الرضيع الباكي، حمله على الفور و هرول مسرعًا أمام أعين "سلسبيل " التي تتابع ما يحدث بقلبها قبل عينيها..
لحظات مرت من أصعب اللحظات، حبس الجميع أنفاسهم و هم يتابعون محاولات" أيوب" المستميته لإنقاذ الرضيع، قام بوضع شقيقه بجواره داخل حضن والدهما الذي بدأ في إستعادة وعيه رويدًا.. رويدًا..
هبطت دموع "سلسبيل" بغزارة على وجنتيها متمتمة بهمس ضعيف بنبرة متوسلة..
"يارب.. أجبر قلبي يا جبار.. يارب متوجعش قلبي على ضنايا و لا على أبوه.. يارب أنا ملحقتش أخده في حضني"..
و ها قد حان وقت الجبر.. جبر السلسبيل الذي أثلج قلبها حين وصل لسمعها صوت بكاء الصغيريان معًا من جديد، يليه صوت تكبير من جميع الحاضرين الذين بكوا من شدة تأثيرهم عندما خر" أيوب " أرضًا ساجدًا..
لتجهش" سلسبيل " في البكاء و الضحك في آنٍ واحد حين استمعت بقلبها أسمها من بين شفتي "عبد الجبار" يقول دون أن يفتح عينيه و هو يضم صغاره بجسده بحماية دون إرادة منه ..
"س سلسبيل.. "..
تأوهت "سلسبيل" بصوتها كله مرددة بفرحة غامرة..
"آآآآه يا عبد الجبار... يا جبر السلسبيل "..
الخاتمة 1..
جبر السلسبيل2..
نسمة مالك..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
في أوقات غضبنا نجتهد حتى نجرح غيرنا، لكن بعد فوات الأوان ندرك أننا لم نجرح سوي أنفسنا، نحن مخلوقين من ماء و طين، لو زادت الماء نبقي نهر، و لو ذات الطين نبقي حجر، لا شيء يدوم للأبد في هذا العالم و لا حتى مشاكلنا،
الحياة مجرد رحلة تحتاج منا الكثير من الرفق، التسامح، تجاهل الأخطاء لذلك عش اليوم فالغد قد يكون أو لا يكون..
"صورة تاريخية"..
ألتقطها "جابر" بهاتفه لحظة خروج "عبد الجبار" برفقة صغاره من غرفة العمليات بعد مكوثه داخل غرفة الآفاقة حتى إستعداد وعيه، الصغيران نائمان فوق كتف والدهما الذي مازال بين الوعي و اللاوعي، لكنه يضمهما بذراعيه المعلقان بهما الكثير من الأسلاك الطبية بهيئة تخطف القلب و تدمع لها العين..
"حمد لله على السلامة يا أبو الجبابرة.. يتربوا في عزك يا غالي ".. قالها "جابر" بمزاح أثناء تصويره مقطع فيديو له معاهم، مال عليه أثناء سيره بجوار السرير النقال مكملاً..
"الحمد لله ربنا قومك بالسلامة كلنا نبارك ل عبد الجبار باشا المنياوي على الولادة و نقوله يتربوا في عزك و ربنا يتم نفاسك على خير إن شاء الله "..
" أفوقلك بس و هخبرك زين مين اللي بيولد"..
قالها "عبد الجبار" بوعيد بصوتٍ مُتعب للغاية و بلهفة تابع..
"سلسبيل.. بناتي.. أمي"..
"إحنا أهو يا أبوي"..نطقت بها" فاطمة" ابنته الباكية و هي تهرول بخطواتها نحوه و خلفها شقيقتها..
نظر لهما" عبد الجبار " بأعين شبه مغلقة، و أبتسم ابتسامته المطمئنة قبل أن يختفي لداخل غرفة العناية المركزة..
كانت "خضرا" تقف على مسافة منه، تتابعه بعينيها الغارقة بالدموع، غير قادرة على الأقتراب منه أو حتى من بناتها اللتان يصرخان بذعر حقيقي و يختبأن كلما وقعت عينيهم عليها..
فور دخول" عبد الجبار" العناية حملت إحدي الممرضات الصغيران مردفة بعملية..
" الأطفال لازم يدخلوا الحضانة عشان الدكتور يعملهم فحص شامل"..
همس "عبد الجبار" بقلق و عينيه تتابع صغاره قائلاً..
"أمهم.. طمنيني على أمهم؟ "..
أجابته الممرضة و هي تضع الصغيران على سرير نقال خاص بهما و تغادر الغرفة على الفور.. " أطمن الأم كويسة جدًا"..
"حمد لله على السلامة.. خضتنا عليك يا راجل"..
أردف بها" أيوب " الذي دلف للتو و بدأ يقراء نتائج الأجهزة التي تم توصيلها بصدر و يد "عبد الجبار "..
تنهد" عبد الجبار" تنهيده حزينة و هو يقول.. " الله يسلمك يا دكتور.. هخرج أمتي من أهنه؟ "..
رفع" أيوب " حاجبيه معًا، و تطلع له مشدوهًا مغمغمًا..
" تخرج أمتي أيه !!.. أنت ربنا نجاك من طلقة كان بينها و بين القلب واحد سم ، و خرجت برحمة ربنا و رأفته بمراتك اللي كانت عايزه تتبرع لك بقلبها و ولدت قبل معادها من خوفها و قلقها عليك"..
" عشانها و عشان ولادي لازم أخرج من أهنه"..
قالها "عبد الجبار" و هو يكافح بضراوة حتى ينهض من مضجعه، ليوقفه" أيوب " مسرعًا و هو يقول بتحذير..
" أهدي يا عبد الجبار.. أنت كده بتعرض نفسك للخطر"..
أنهى جملته و قام بإعطاءه حقنه مهدئه، أغمض" عبد الجبار" عينيه المجهدة، و بدأ يهذي بقلبٍ ملتاع..
"سلسبيل..مراتي .. لازم أكون چارها"..
ربت "أيوب" على كف يده المنغرس بها حقن معلق بها محاليل طبية و كيس من الدماء، و تحدث بهدوءه المعتاد قائلاً..
"مراتك كويسة و خرجت من العمليات متقلقش.. و أول ما مفعول البينج يروح هتجيلك هنا تطمنك عليها بنفسها"..
............................... سبحان الله وبحمده.............
مّرت عدة ساعات، هدأ روع الجميع قليلاً باستقرار الأوضاع في الوقت الحالي، ف غادر "جابر" المستشفى برفقة "صفا" و معاهم بنات "عبد الجبار"،و ظلت" خضرا "تجلس بمفردها أمام غرفة العناية المتواجد بها زوجها،رغم أن الطبيب المشرف سمح لها بدخول و الاطمئنان عليه لكنها لم تقوى على مواجهته، فضلت الإنتظار لعله يطلب رؤيتها هو..
بينما بقت "عفاف" مع "سلسبيل " التي فور شعورها بأطرافها قالت بفرحة غامرة ..
" أنا حاسة برجلي يا ماما عفاف.. ساعديني أقوم.. عايزة أروح أطمن على عبد الجبار و أشوف ولادي في الحضانة"..
هرولت "عفاف" نحوها مرددة بتعقل..
"أستنى لما أنادي الدكتورة تطمني عليكي الأول يا سلسبيل "..
تعلقت" سلسبيل" بذراعها و نهضت بصعوبة شديدة و هي تقول بأنفاس متهدجة..
"لا.. مش هقدر أستني أكتر من كده.. أنا هتجنن و أطمن عليهم يا ماما.. ولادي و أبوهم واخدين قلبي معاهم"..
ساعدتها "عفاف" بخلع رداء المستشفى، و البستها منامة وردية و من فوقها روب طويل من اللون الأسود أحكمت أغلاقه و رفعت الكاب الخاص به على شعرها، أخذت "سلسبيل "نفس عميق قبل أن تغادر الفراش بوهن و ضعف، تحملت على نفسها، و كتمت آهه متألمة حين أنتصبت واقفه..
استندت بيد على "عفاف" التي قالت بحنو..
"حاولي تفردي ضهرك يا بنتي"..
لم تنطق" سلسبيل" بحرف واحد، قطعت الحديث تمامًا من قوة الألم الذي يفتك بها، لكنها تحملته، و مدت يدها الأخرى استندت على المشجب المعلق به المحلول المتصل بكف يدها، و بدأت أول خطواتها تجر قدميها جرًا على الأرض لا تقوى حتى على رفعها..
" عايزين نروح الحضانة لو سمحتي"..
قالتها" عفاف" فور خروجهما من الجناح، لتقبض "سلسبيل" على يدها بأصابعها الباردة، و تحرك رأسها بالنفي مرددة بصوتٍ بالكاد يُسمع..
"عبد الجبار.. وديني عنده الأول"..
ظهر الضيق على وجهه "عفاف" و تحدثت بأسف قائلة..
"خضرا هتلاقيها عنده هناك يا سلسبيل و بصراحة أنا خايفة عليكي منها وأنتي لسه والدة و تعبانة كده لتعمل فيكي حاجة.. إحنا مش ناقصين يا بنتي"..
هبطت دموع"سلسبيل" على وجنتيها و هي تقول بنبرة راجية..
"عشان خاطري.. عشان خاطري يا ماما وديني عنده"..
حركت "عفاف" رأسها بيأس، و رفعت يدها مسحت دموعها..
" أمري لله.. حاضر هوديكي عنده تعالي نركب الاسانسير لأن هو في تاني دور و إحنا هنا في السابع"..
سارت بخطواتها البطيئة معاها حتى وقفت بها "عفاف" أمام باب الاسانسير ينتظران صعوده، فُتح الباب ليجدوا"جابر" امامهما يقول بقلق و هو يقترب من "سلسبيل" بلهفة ..
"أيه ده رايحين فين؟!"
أجابته" عفاف" قائلة..
" مصرة تطمن على عبد الجبار بيه "..
تطلع لها" جابر "بنظرة عاتبة، و فجأها بلف يده حول خصرها ضمها كلها داخل صدره و هو يقول بغضب ..
"مش أنا طمنتك عليه و وريتك الفيديو اللي صورته له عشان أزل أنفاسه بيه..عجبك يعني و أنتي مش قادرة تقفي كده يا سلسبيل!! "..
لم تستطيع الرد عليه، و لا حتى الإبتعاد عنه، بل أن تعبها الشديد أرغمها بألقاء جسدها عليه..
رمقته "عفاف" بنظرة ذات مخزي مدمدمة..
"امممم.. كويس إنك روحت صفا و جيت تاني عشان تقولها.. أصلي مش قادره امنعها لوحدي"..
تهرب" جابر " بعينيه من أعين" عفاف" التي ترمقة بنظرة يملؤها الأسف، ف عشقه ل "سلسبيل" مازال محفور بقلبه، و ظهر على قسماته حين ضمها لصدره بلهفة هكذا..
"لا.. وديني عنده عشان خاطري يا جابر"..
همست بها" سلسبيل " منعته بالعودة بها تجاه غرفتها مرة ثانية، نفذ طلبها على مضض، و دلف بها لداخل الاسانسير خلفهما "عفاف" و هو محاوطها بذراعها حتى أصبحت قدميها لا تلمس الأرض..
توقف بهما الاسانسير في الطابق المقصود، و فور فتح الباب وجدوا" خضرا " تنهض من علي مقعدها، و تطلع نحوهم بأعين متسعة، متعجبة من وضع "سلسبيل" المستندة على "جابر"، حاولت "سلسبيل" الإبتعاد عن "جابر" و قد شعرت بالإحراج، إلا أنه أبي أن يتركها..
"مش هسيبك يا سلسبيل.. أنا لو سبتك هتقعي و ده مش هيحصل.. مافيش أي حاجة و لا أي حد يقدر يوقعك تاني طول ما أنا في ضهرك"..
كان يتحدث بصوتٍ عالِ متعمد أن يصل لسمع "خضرا"، سارت" سلسبيل" برفقته حتى وصلت أمام باب العناية المغلق فطرق "جابر" عليه بقبضة يده..
بينما بقت" خضرا "واقفة مكانها، تتابعهم بصمت..
خرج إحدي الأطباء المشرفين على العناية، و تحدث بعملية قائلاً..
" خير يا فندم"..
"المدام عايزه تطمن على عبد الجبار بيه"..
قالها "جابر "بصوته الأجش، ليبتسم الطبيب و يشير على "سلسبيل" و هو يقول بثقة..
"أكيد حضرتك مدام سلسبيل؟ "..
حركت "سلسبيل" رأسها بالايجاب، ليتابع الطبيب بابتسامة أكثر اتساعًا..
"عبد الجبار بيه مبطلش سؤال عنك و لو كنتي اتأخرتي أكتر من كده كان هيجيلك هو"..
سار من أمامهم تجاه غرفة أخرى مغلقة و فتحها مكملاً..
"اتفضلي أدخلي هنا و هبعتلك ممرضة تعقمك الأول "..
نظرت "سلسبيل "تجاه" خضرا" و همست بابتسامة متألمة ..
"تعالي يا أبلة خضرا.. هندخله سوا "..
يتبع.....
الخاتمة 2..
جبر السلسبيل2..
نسمة مالك..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
أنا "سلسبيل" أتذكروني ؟! ..
تلك الأنثى الضعيفة، المنكسرة التي تزوجت بالإجبار لتنجو بحياتها من ظلم والدها ، لكن دعوني أعترف لكم بشيئًا سيبدو مريبًا لكم جميعًا، عفوًا لا يوجد أنثى ضعيفة على وجه الأرض! ، ضعفنا هذا ستار نخفي خلفه ما نريد الحصول عليه، لذلك ذُكر كيدنا بالقرآن الكريم.
أعترف الآن أن ضميري يأنبني منذ أن أصبحت زوجة ثانية لرجل كانت حياته هادئة مكتفي بزوجته و أبنتيه حتى ألتقي بعيناي التي تعمدت رمقه بنظرة ثاقبة أصابت قلبه في الحال، نظرة كنت أستجديه بها أن لا يتركني، أنا من سعيت لزواجي منه فور رؤيته،
لو كنت طلبت منه المساعدة فقط و أظهرت عدم تقبلي له من بادئ الأمر، كان ساعدني و أبعدني عن والدي و عنه هو أيضًا، لكن أنا من فتحت له طريقًا سهل نحو قلبي، طمعت في قلبه فأوقعته بشباكي و أغرقته في بحر عشقي بكامل أرادته،
فقد كنت على دراية كاملة بحسن أخلاقه و معاملته لزوجته التي جعلتها ملكة متوجة، لن أنكر إني تمنيته لنفسي، يكن رجلي أنا الذي طالما حلمت به ، و قد كان حصلت عليه و استحوذت على قلبه و نزعت عن زوجته تاجها و أخذته لنفسي، دمرت بوجودي قلبها و أظهرت أسوء ما فيها..
و ها أنا أقف على عتبة الغرفة التي يرقد بداخلها بعد أن نجي من الموت بأعجوبة ، يمزقني شعوري بالندم و الألم على ما فعلته به و بعائلته الصغيرة ، أنا الزوجة الثانية لكني الجانية الأولى فإذا كان هناك أحدًا مذنب في حكايتي هذه، فهي أنا تلك المذنبة التى أغرمت برجل رأت مدى عشق زوجته له و مع ذلك لم ترحم لوعة قلبها و سرقته منها..
تمنيت الجبر لقلبي لكني لم انتبه أن جبري هذا سيكون على حطام قلب زوجته الأولى، لوهلة تخيلت نفسي مكانها، أرى زوجي يذوب عشقًا بامرأة غيري أمام عيناي، لن أتردد لحظة و لن يقدر أحد على منعي من تمزيقها و تمزيقه معًا بأسناني أربًا..
كل ما فعلته "خضرا" لن يكن شيء أبدًا أمام ما أنوي على فعله إذا كنت أنا مكانها!!
مجرد التخيل فقط أن زوجي بحضن إمرأة غيري جعلني اتهيأ لأخذ عزاه بابتسامة واسعة بعدما أنهى حياته بيدي، صدق من قال هذا المثل المرأة ترى زوجها بقبره و لا تراه مع إمرأة غيرها حقًا صدق،
نصحيتي لكل من قرأ حكايتي إياكِ أن تقربي من رجل متزوج، إياكِ ثم إياكِ أن تدمري قلب إمرأة مثلك فسوف يأتيكِ عقاب قاسي من الممكن أن يمزق قلبك و روحك لأشلاء مثلي تمامًا الآن ..
"مش هتدخلي معايا ليه يا أبلة خضرا؟!"..
أردفت بها "سلسبيل" بتساؤل حين رأت "خضرا" توقفت قبل عتبة باب الغرفة و تراجعت للخلف خطوتين..
ابتلعت "خضرا" رمقها بصعوبة و هي تقول بصوتٍ متحشرج بالبكاء..
"خليني أنا أهنه..هو مطلبش شوفتي.. لو طلبني هدخله"..
أبتسمت لها"سلسبيل " إبتسامة باهتة،و أخذت نفس عميق قبل أن تسير بخطواتها البطيئة مستندة على إحدي الممرضات بيد، و يدها الأخرى تضعها أسفل بطنها مكان جرح ولادتها القيصرية..
خفق قلبها بشدة كلما اقتربت من الفراش الممد عليه زوجها، انهمرت دموعها على وجنتيها بغزارة ، تعالت وتيرة أنفاسها أصبحت على هيئة شهقات عالية متقطعة، فجرحها جعلها لا تقوى على البكاء إلا بتلك الطريقة، حتى وصلت لسمعه فنتفض متأوهًا في مضجعه مرددًا بلهفة..
"سلسبيل.. يا حبة جلبي"..
عاشق و مُغرم هو بها و ليس على العاشق لوم..
أخيرًا قطعت المسافة الفاصلة بينها و بينه، ساعدتها الممرضة على الجلوس على مقعد بجوار سريره، لترتمي عليه بحذر شديد تقبل وجهه قبلات حارة متفرقة، و دموعها تنهمر على بشرته حتى اختلطت بدموعه هو ..
"عبد الجبار.. يا حبيبي.. أنا السبب في كل اللي حصلك..ياريتك سبتني لأبويا يموتني.. يا ريتك ما اتجوزتني.. يا ريت قلبك ما حبني.. ياريتني مت قبل ما تشوفني مكنش كل ده حصلك"..
اسكتها هو بفمه الذي التقط شفتيها بين شفتيه يقبلها بلهفة قبله عميقة غير عابئ لوجود الممرضة التي انسحبت للخارج على الفور بحرج تترك لهما بعد الخصوصية ، ابتعد عنها على مضض، و تحدث بنبرة صوته الذي يدغدغ مشاعرها قائلاً بمنتهي العشق..
"بعيد الشر عنك يا حبة الجلب.. فداكي يا سلسبيل.. أني فداكي و لو رچع بيا الزمن من التاني مكنتش ههملك واصل"..
صمت لبرهةً يلتقط أنفاسه، و تابع بصوتٍ اختنق ببكاء مخيف جعل "سلسبيل" تبكي لبكاءه حين قال بقلبٍ ملتاع أرهقه الفراق..
"خوفت أموت وأنتى مش على ذمتي عشان أكده رديتك لعصمتي.. بس رايدك برضاكي.. برضاكي يا سلسبيل "...
قبلت عينيه ببطء كأنها تتذوق دموعه..
" بحبك.. بحبك يا أبو ولادى.. بحبك يا عبد الجبار و عارفة أني أنانية في حبك بس مش هقدر أبطل أحبك.. والله ما هقدر" ..
أبتسم لها ابتسامته التي تُذيب قلبها العاشق له مغمغمًا..
" قولتهالك قبل سابق و هقولهالك تاني "..
نظر لعينيها نظرته المُتيمة التي تأثرها مكملاً..
"كأنك مولودة في جلبي يا بت جلبي يا أم سند و جبر"..
ضحكت بفرحة غامرة وهي تقول..
" الله.. سند عبد الجبار و جبر عبد الجبار.. أيه الأسامي الحلوة.. عجبوني أوي يا أبو جبر "..
تأمل ملامحها بافتنان و بهمس قال..
" أنتي جبر جلب عبد الجبار يا سلسبيل..مع إنك كيف حب الرمان معرفش أتلم عليكي بتفرطي من يدي فرط.. بس خلاص من انهاردة مهتغبيش عن عيني واصل"..
ظهر الحزن على ملامح" سلسبيل " أخفي فرحتها و همست بتساؤل و خجل قائلة..
" طيب و أبلة خضرا يا عبد الجبار.. هتعمل معاها أيه؟!