رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الحادي عشر 11 بقلم سيلا وليد
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "
1
أما القلب فهو مُتعب ، وأما الخاطر فهو مكسور ، وأما الروح ما عادت تشتهي شيء .!
وليشهد الله…
أني بذلتُ حتى ذبلت💔
وإني تغاضيتُ حتى سئمت..
وتمسكتُ بالحبال حتى تجرحت يدي💔
وإني صنتُ الوّد …
حتى نفاذ السبعين عُذرا
"هذَا أنَا..
لَا تخلُوا مِنِّي مَعركَة،
سَتجدُنِي أُقاتِل ولَو بِحُطام قلبِي، ثُمَ أَجمعُ أشلَاء أحلَامي وأقُولُ: لَا بَأس،
والبَأسُ كلهُ ' فِي قَلبي..!"
+
دلفَ لداخلِ الغرفةِ يبحثُ عنها، وقعت عينيهِ على تلكَ الورقة، أمسكها وبدأ يقرأُ ماتحتويه:
سلامُ اللهِ على من لايزالُ ينبضُ لهُ القلبُ رغمَ جروحِه..
+
سلامُ اللهِ على من غزا القلبَ وسكنه..
سلامُ اللهِ على من حطَّمَ قلبي وأذاقهُ من آلامهِ ما كفى ..أمَّا بعد:
وعدتَ بكلِّ برودٍ ووفيِّت، فسابقًا كانَ قلبي خاليًا من الآلامِ والآنَ يشقُّهُ كلَّ الآلام..عشقتُكَ بكلِّ اللغاتِ لتقدِّمهُ كلَّ معاجمَ العشقِ لمعاني الهوى ويتهادى بها العاشقينَ ويترنَّمُ بها العازفين، ولكن ماذا قدَّمت، قدَّمتَ لي قلبًا محفورًا بالثُقوب، اللعنةُ عليك َوعلى عشقكَ الذي شقَّ الصدر، وملأَ العيونَ بالدموع.،
اللعنةُ على عشقٍ أسودٍ تنفجرُ منهُ براكينُ الأسى والندم ويقتلهُ الشوقُ ويمزِّقهُ البعدَ حتى جعلني أحنُّ لماضي كان قلبي خالٍ من نبضٍ يحملُ اسمك..
+
"إلياس أنا مبقتشِ عايزاك، إنساني وعيش حياتَك زي ماقرَّرت، لا عمري هسامحَك، ولا عمرَك هتغفرلي، نعم عشت معاك أجمل أيام حياتي، ولكنَّك مسحت أجملها وتركت أسوأها في قلبي، أنا خرجت وللأبد..كان لازم أعرف من الأوِّل مش إنتَ الشخص اللي أقدر أقدِّم لهُ قلبي، كنت بسامحَك علشان بحبِّك، بس خلاص قلبي مات ومبقاش فيه اللي يغفرلَك، متحاولشِ تدوَّر عليَّا، أصلًا هريَّحك، ماما مالهاش دعوة ياريت تبعدها عن خلافنا
"ميرال".
+
كوَّرَ الورقةَ بكفِّه، حتى كادت أن تتمزَّقَ بيدِه، لحظات يشعر وكأن الغرفة تطبق على صدره حتى انقطع تنفسه، اغمض عيناه محاولًا سحب نفسًا عميقًا، ثمَّ وضعها بجيبهِ وتحرَّكَ للخارج، رفعَ هاتفِه:
-إزاي مدام ميرال خرجت من المستشفى..أجابهُ الرجل:
-مفيش حد خرج يافندم..
-سلِّم سلاحَك لرئيسَك، مش عايز أشوف وشَّك..قالها ودلفَ إلى أمنِ المشفى:
-فين الكاميرات بتاعة الدُّخول والخروج يابني..قالها وهو يشيرُ ببطاقةِ عملِه..فُتحت جميعَ الكاميراتِ ينظرُ إليها بوجهٍ متجهِّم وعيونًا تُطلقُ نيرانًا،
لحظاتٍ وكأنَّهُ فوقَ صفيحٍ ساخنٍ حتى ظهرت أمامهِ وهي تخرجُ من بابِ المشفى تضعُ فوقَ أكتافِها وشاحًا أبيضًا وبيدِها حقيبةٌ صغيرة، قرَّبَ الحقيبةَ إليهِ وظلَّ ينظرُ إليها ..طرقَ على سطحِ المكتبِ بقوَّةٍ ثمَّ دفعهُ ليتساقطَ مافوقهِ من أجهزة، وتحرَّكُ للخارجِ سريعًا كالذي يطاردُ عدوَّه، وصلَ بعدَ قليلٍ إلى مكتبهِ وجمعَ من هم تحتَ إشرافِه:
-عايز العربية دي من تحتِ الأرض، قالها وأشارَ لهم بالخروج..
استمعَ إلى رنينِ هاتفِه:
-أيوة ..إلياس ميرال معاك، مش موجودة في أوضتها؟!..
-ارجعي على البيت وإن شاءَالله بالليل هترجَع..قالها وأغلقَ الهاتف..
احتضنَ رأسهِ يتذكَّرُ كلماتَها التي صفعتهُ دونَ رحمة، مرَّ أكثرُ من ساعتينِ والوضعُ كما هو ..إلى أن فقدَ أعصابهِ فتوقَّفَ يجمعُ أشيائهِ وتحرَّكَ للخارج ..وصلَ بعدَ قليلٍ إلى المنزل، قابلتهُ فريدة:
-فين ميرال ياإلياس..قالتها بوصولِ مصطفى يوزِّعُ نظراتهِ بينهما:
-مالكُم واقفين كدا ليه؟!..
-المدام مشيِت، مراتي سابتني ومشيت، إيه رأيكوا..
شهقةٌ خرجت من فمِ فريدة تهزُّ رأسها رافضةً حديثِه:
-يعني إيه مشيِت، لا، مستحيل بنتي متعملشِ كدا..
-وأهي عملِت، كنتي زعلانة، كأنَّها بتعيد الماضي ايه مش دي أفعال أمَّها..
إلياس اتجنِّنت..قالها مصطفى بغضب، ولكنهُ لم يهتمّ لوالدِه:
-إيه يامدام فريدة مش دي بنتِك، زمان حضرتِك عملتيها ودلوقتي بنتِك بتكرَّر فعلتِك، بس أنا مش هرحمها..
دفعهُ والدهِ بعيدًا عن فريدة التي ظلَّت تردِّدُ بهذيانٍ ولسانٍ ثقيل:
-إنتَ متعرفشِ حاجة، أنا غير ميرال، كان لازم أهرب منُّه..قالتها ببكاءٍ حتى شعرت بضعفِ جسدِها، فتراجعت للخلفِ بساقينِ هُلاميتينِ تُطالعهُ بألمٍ انبثقَ من عينيها..اتَّجهَ مصطفى إليها يضمُّها وهتفَ غاضبًا:
-كفاية بقى ياحضرةِ الظابطِ الذَّكي، لحدِّ إمتى هتفضَل أعمى البصر والبصيرة، حاولت أفهِّمَك مليون مرَّة ولكن الباشا أصدر الحُكم حتى مرجعشِ للقاضي، اسمعني بقى ياإلياس باشا علشان من حُكمك الغلط، الستِّ دي اتظلمِت كتير، وأنا مش هسكُت على إهانتَك ليها تاني، هربت آه هربت، هربت من ظالم وجبروت، اقتربَ مصطفى منهُ وغرزَ عينيهِ بمقلتيه:
-أظُن أبوك مش غبي علشان يعرَف يحكُم على الناس، كنت مُنتظِر منها إيه بعدِ ماخطفوا ولادها، كنت مستنِّي إيه منها إيه لمَّا واحد واطي يتجوِّزها بالتهديد و..
-مصطفى خلاص اسكت..قالتها فريدة بعدما هوت على الأرضيةٍ تبكي بنحيب:
-أنا مظلومة يابني، وميرال عملِت كدا من وجعَك فيها، رفعت عينيها إليه..
ولو مش مصدَّق يبقى نصيبَك أمَّك ومراتَك كدا ولازم تتحمِّلُهم..
+
رمشَ بعينيهِ قليلًا محاولًا استيعابَ ماألقتْه، استدارَ بأنفاسٍ مُتسارعةٍ بعدما حاوطها مصطفى وأوقفها متَّجهًا بها إلى غُرفتها..
ساعدها في النومِ ثمَّ دثَّرها بالغطاءِ جيدًا..ظلَّت تُهمهم:
-ميرال ..رجَّعلي ميرال يامصطفى، شوفوا قالَّها إيه خلَّاها تمشي.
-اهدي علشان ضغطِك، فريدة مش عايزِك تتعبي حبيبتي، هتكلِّم معاه، بس إنتِ اهدي..
بغرفتهِ جلسَ على مقعدهِ الهزَّاز كحالِ قلبِه، ينظرُ بشرودٍ بأرجاءِ الغرفةِ كالذي يبحثُ عن شيئٍ مفقود، أطبقَ على جفنيهِ مكوِّرًا قبضتهِ حتى نفرت عروقهِ بشكلٍ مخيف، يهمسُ لنفسِه:
-مش هرحمِك صدَّقيني، أنا مراتي تهرَب منِّي، ظلَّ لدقائق، دلفَ مصطفى إليهِ وجدهُ شاردًا حتى لم يشعر بدخولِه..جذبَ المقعدَ وجلسَ بمقابلتِه:
-عجبَك حالَك كدا؟..
-مالُه حالي، صعبان عليك ولَّا مضَّايق منِّي..جذبَ المقعدَ واقتربَ منه:
-فاكر قولتلَك إيه من عشرين سنة، نهضَ من مكانهِ مبتعدًا بنظراته؛
-مُش فاكر ومش عايز افتكِر، توقَّفَ مصطفى يُطبقُ على ذراعِه:
-يابني حرام عليك هنرجع نكرَّر الكلام ونزعل من بعض..
التفتَ لوالدِه:
-مدام فريدة إزاي ولادها اتخطَفوا؟..
صدَّقتها يابابا، أنا زمان أثبتِّلَك إدانِتها ومضطَّر برضو تحاول تطلَّعني غلط..
-علشان إنتَ غلط ياإلياس، فريدة فعلًا مظلومة، ولادْها اتخطفوا يابني مش بعتْهُم..
- بابا أنا رُحت هناك غير الراجل اللي بعتُّه، مش معقول البلد كلَّها ظلماها..
-طيِّب ياإلياس ..تفتكِر ليه فريدة هتكذب عليَّا وكدا كدا أنا اتجوِّزتها، يعني مش فارق معاها أصدَّق ولَّا لأ؟..
-بابا أنا دلوقتي بدوَّر على مراتي اللي خرجت من المستشفى تعبانة ومعرفشِ عنها حاجة، مدام فريدة متهمِّنيش..
+
انكمشت ملامحهِ وأردفَ بامتعاض:
-فريدة تعبانة ياإلياس، وممكن في أيِّ وقت أخسرها، بلاش تقسى عليها يابني علشان متجيش في وقت تندم..
-تعبانة!..إزاي تعبانة مالها يعني؟..
-يهمَّك؟..نظرَ إليهِ بنظراتٍ حزينة:
-أكيد يابابا يهمِّني، متنساش إنَّها كانت درع حماية لأخواتي في وقتِ من الأوقات، ومهما ..رفعَ كفَّيهِ ليوقَّفه عن الحديث:
-مش عايزَك تكمِّل الأسطوانة الِّلي حفِظها، المهمّ خلِّي بالَك من كلامَك معاها، كفاية خسرِت غادة مش عايز أخسر فريدة ..قالها وتحرَّكَ للخارج..
ظلَّ متوقَِفًا لدقائقَ ينظرُ إلى سرابِ والدِه، دقائقَ ولم يشعر كم مرَّ عليهِ من الوقتِ لتسوقهُ قدماهُ إليها ولا يعلم لماذا هذا الشعور، يريدُ أن يطمئنَّ عليها، طرقَ البابَ عدَّةَ مرَّاتٍ مع خروجِ غادة من غُرفتها، وصلت إليهِ متسائلة:
-فيه أخبار عن ميرال، ماما فريدة تعبانة أوي، ومش على لسانها غير ميرال ..
-هيَّ صاحية ولَّا نايمة؟..
تحرَّكت قائلة: هشوفها كدا، لحظات وأشارت إليهِ بالدُّخول:
-تعالَ أُدخل صحيِت على صوت تخبيطَك، خطا للداخل، وجدها تعتدلُ على فراشها تنظرُ إليهِ باستغراب، اقتربَ منها وعينيهِ تحاورُها بالأسفِ والنَّدم ..
توقَّفَ عاجزًا عن الحديثِ وكأنَّهُ لايعلمُ كيف يبدأ، استمعت غادة إلى رنينِ هاتفها فتحرَكت للخارج، أمَّا هو فظلَّ واقفًا إلى أن تساءلت:
-محتاج حاجة، ولَّا عرفت حاجة وجاي تقولِّي..جلسَ على المقعدِ ينظرُ لمقلتيها:
-أنا آسف إنِّي اتعصَّبت عليكي، عارف مالكيش ذنب، لكن من خوفي وغضبي عليها قولت كلام جارح ..قالها وهو يطأطئُ رأسهِ أسفًا..
ابتسمت وهي تطالعهُ بعيونٍ حائرة:
-خايف عليها ولَّا على مكانتَك قدَّام الناس.رفعَ عينيهِ إليها متلهِّفًا
-كنتي تعرفي إنَّها هتمشي ..
هزَّت رأسها بالنفي:
-تفتكِر لو كنت أعرف كنت هسبها تمشي، زفرَ باختناقٍ وتوقَّفَ على رنينِ هاتفِه:
-إلياس أنا جاي لعندَك على المكتب، فيه موضوع مهمّ لازم نتكلِّم فيه..
أجابه:
-أنا في البيت، لو فاضي عدِّي عليَّا..
-تمام ..قالها أرسلان مع إغلاقهِ للهاتفِ ليستديرَ إلى فريدة:
-أتمنَّى متزعليش منِّي، ومتخافيش ميرال هرجَّعها خلال ساعات بس ماوعدْكيش هعاملها إزاي..
-بلاش تقسى يابني، خلِّي الحُبّ ينوَّر قلبَك بلاش القسوة اللي هتنهي حياتَك، ميرال معذورة، مابقولشِ كدا علشان هيَّ بنتي، بس صعب على أيِّ واحدة تشوف حبيبها مِلك لحدِّ تاني.
ظلَّ واقفًا متجمِّدًا يستمعُ إليها ثمَّ تحرَّكَ للخارجِ دونَ حديثٍ آخر .
بعدَ قليلٍ بالأسفلِ وصلَ أرسلان..
+