رواية جبر السلسبيل الفصل الحادي عشر 11 بقلم نسمة مالك
الفصل ال11..
جبر السلسبيل..
نسمة مالك..
كن على يقين تام أن كل شيء قرار إلّا الحب يكن غصبًا عنا،
لن يطرق باب قلبك، بل يدفعه و يدلف لأعمق نقاطه بلا أستأذن، يخطف أنفاسك، نبضاتك، همساتك، ضحكاتك، النوم من عيناك، لو لم يفعل بك كل هذا فأعلم أنه لم يكن حُب حقيقي، أو لنكن أكثر صراحة العشق هو الذي يستطيع وحده فقط أن يفعل كل هذا و أكتر بكثير، يمكنه أن يجعلك كالمجذوب ينسيك أسمك و تظل تردد بهذيان دون توقف أسم من عشقت ..
و هذا ما حدث مع "سلسبيل" حين أخبرتها "خضرا" بموافقتها على زواجها من "عبد الجبار"، تطلعت لها بملامح منذهلة رغم الفرحة التي غمرت قلبها حتي ظهرت بعينيها الحزينة لكنها نجحت في إخفاءها..
"إزاي بس موافقة أن جوزك يتجوزني عليكِ يا أبلة خضرا"..
همست بها "سلسبيل" بضعف، و صوت يملؤه الآسي..
رسمت "خضرا" الجدية على ملامحها الحنونة، و تنهدت و هي تقول بتعقل..
" اسمعي حديتي اللي هقولهولك ده زين يا خيتي..بخيتة ما هيهدلهاش بال واصل إلا لما تشوف قدام عينيها ولد عبد الچبار اللي أني مش هقدر اچبهوله، فهتفضل تزن على ودنه يتچوز عليا علشان الواد، و الزن على الودان يا خيتي أمر من السحر، و يا عالم اللي هيتچوزها عليا دي هتعاملني أني و البنتة كيف"..
ابتسمت لها بحب صادق مكملة..
" لكن أنتي يا سلسبيل ربنا زرع حبك في جلبي كيف ما تكوني خيتي و لا بتي من لحمي و دمي"..
هبطت دموع" سلسبيل " تأثرًا بحديثها الذي لمس قلبها، و همست لها بتقطع قائلة..
" و أنا كمان بحبك أوي والله يا أبلة خضرا.. حنيتك عليا وطيبة قلبك اللي عمري ما شوفت زيها بتخليني أوقات ببقي عايزة اناديلك أقولك يا أمه"..
" خضرا " ببكاء.. " يا ضنايا يا بتي.. يعلم ربنا و أني كمان عداكِ زي واحدة من بناتي عشان أكده أسمعي اللي بقولك عليه يا سلسبيل.. أني ريدالك الصالح يا بتي بالذات أن أبوكي طبعه واعر قوي و مهيهملكيش قاعدة من غير چواز أكده هيچوزك لول راچل طلب يدك، زي ما قال لأبو فاطمة عشية في المحمول، و چاي ياخدك بكرة وياه و يعاود على الصعيد "..
ظهر الذعر الشديد على وجهه" سلسبيل " و همست بأنفاس متهدجة.." متخلهوش ياخدني يا أبلة خضرا أبوس رجلك"..
" أهدي يا حبيبتي، و متشليش هم واصل.. بس اسمعي اللي جولتلك عليه و وافقي على چوازك من عبد الچبار
وقتها قناوي مش هيبجي ليه سلطة عليكي، و هتبجي أنتي وياي نقف في وش بخيتة اللي رايدة خراب الدار"..
كانت "سلسبيل" تلتقط أنفاسها على مهلٍ، أطبقت جفنيها بقوة و همست بصوت أختنق بالبكاء ..
" أنا مجربة الوجع لحد ما شق قلبي، و مستحيل أكون السبب في وجع قلبك أنتي بالذات علشان كده كنت عايزه ادور على أهل أمي يمكن يسمحولي أعيش معاهم"..
صمتت لبرهةً تلتقط أنفاسها، نظرت لها بأعين مملوءة بالعبرات و تابعت بتعب..
" بس شكلي كده مش هلحق أشوفهم"..
"خضرا" بغضب مصطنع..
"قولتلك متقوليش أكده مرة تانية.. أنتي هطيبي وتبجي أحسن من لول يا خيتي بمشيئة الرحمن"..
حركت" سلسبيل " يدها المعلقة بها الأسلاك الطبية، و تطلعت لها تحثها على أمساكها، فاسرعت "خضرا" بضم قبضتها بين كفيها تستمع لهمسها المجهد باهتمام..
"ابلة خضرا لو أنا مت و أنا على زمة عبد الجبار أبويا مش هيقدر ياخدني يدفني في الصعيد صح؟"..
" خضرا " ببكاء.. " اباي عليكِ و على السيرة العفشة دهيه..كفاياكِ حديت ماسخ عاد"..
بللت "سلسبيل" شفتيها المرتعشة بلسانها و همست بصعوبة من شهقاتها..
"أنا محتاجة لحضنك، و لحماية عبد الجبار علشان كده أنا موافقة يكتب عليا يا أبلة خضرا"..
" ألف بركة يا خيتي".. أردفت بها" خضرا " و من ثم أطلقت سيل من الزغاريط وصلت لسمع زوجها الواقف أمام غرفة العناية جعلت وتيرة قلقه تهدأ قليلاً و قد ظن أن فرحة زوجته هذه بسبب حالة "سلسبيل" التي تحسنت، انبلجت شبه ابتسامة فوق قسماته الجادة مدمدمًا..
" جلبك كيف اللبن الحليب يا خصرا"
بينما" سلسبيل " ضغطت بضعف على كفها حتي تتوقف و تستمع لما تقوله لها ..
"أوعدك أن لو ربنا كتبلي عمر و عشت مش هكون درة ليكي أبداً"..
أغمضت عينيها و قد شعرت بألم يغزو قلبها و روحها حين قالت ببطء و عبراتها تنهمر على و جنتيها بغزارة..
" و لا حتى هكون زوجة ل عبد الجبار"..
" كفاية كده عليها أرجوكِ، و سبيها ترتاح".. نطق بها الطبيب و هو يهرول نحو" سلسبيل "، و بدأ يفحصها بعناية فائقة..
ربتت "خضرا" على يدها بحنان، و مالت عليها قبلت جبهتها بعمق، و سارت نحو الخارج بخطوات هادئة، وقفت خلف الباب المغلق دقائق قبل أن تفتحه، تحاول السيطرة على دموعها بسبب تلك الغصة التي تعتصر قلبها، فما تشعر به ليس أبدًا بهين أخذت نفس عميق، و مدت يدها فتحت الباب الفاصل بينها و بين زوجها لتجده يقف ينتظرها بطوله المهيب و ملامحه الوسيمة رغم صارمتها، أبتسم لها ابتسامته التي تأسرها مغمغمًا..
"اتوحشت لصوت فرحتك يا غالية"..
تأملته بأعين هائمة، و اقتربت منه حتى أصبحت أمامه مباشرةً، و نظرت لعينيه بفيض من الحب مرددة..
"فرحتي دي بفرحك أنت يا عبد الچبار"..
تلاشت ابتسامته تدريجيًا، و عقد حاجبية حتي بدت ملامحه عابسة بشدة،
رفعت هي يدها و ضعتها على صدره، فوق موضع قلبه تمامًا، و تابعت بابتسامة دافئة..
"مبروك يا خوي أني طلبت لك يد سلسبيل و هي وافجت"..
شعرت بخفقان نبضات قلبه تزداد و تتدافع أسفل راحة يدها رغم صلابة ملامحه التي لم تبدي اي رد فعل عليها سوي الجمود،
ساد الصمت للحظات بينهما، كانت نظرتهما تتحدث بدلاً عنهما، و دون سابق إنظار كان قبض على كف يدها برفق، و سحبها خلفه للغرفة الذي قام بحجزها لها..
كانت تبتعد عدة خطوات عن غرفة "سلسبيل"، دفع الباب و دلف بها للداخل غالقه خلفه بعنف،
استدار لها فجأة و مال برأسه على وجهها حتي تلامست انفهما مردفًا بتساؤل و عينيه تشمل و جهها بنظرات منبهرة من قوتها التي يراها لمرته الأولى..
"ليه.. ليه عملتِ أكده يا خضرا"..
"عملت الصُح.. اللي لازم يتعمل"..
قالتها و هي تحتضن و جهه بين كفيها مكملة..
"أنت من حقك يكون لك ولد من صلبك، و سلسبيل كمان محتاچة راچل يحميها"..
ابتسمت باتساع لعلها تخفي عبراتها التي تجمعت بحدقيتها..
"أني و جلبي فدى نظرة الفرحة اللي شيفاها في عيونك دلوجيت يا نبض الجلب"..
" أنتِ أكده بتجتليني يا خضرا"..
أردف بها بأنفاس مهتاجة، و هو يستند بجبهته على جبهتها، و يحاوط خصرها بذراعيه مقربها منه حد الالتصاق..
" بعيد الشر عنِك يا خوي".. همست بها بخفوت، و تابعت بخجل قائلة.." ربنا يچعلك شمسي اللي بتشرق تنور حياتي، و لا يحرمنيش منِك و لا من رضاك عليا واصل"..
"مخبراش أنتِ بالنسبالي أيه يا أم فاطمة"..
قالها و هو يسير بيده ببطء على طول ظهرها، تزلزل كيانها كله دفعة واحدة من فعلته هذه، خاصةً حين توقف بيده على وجنتها اليمني، و نظر لعينيها مكملاً..
" مهما رحت ومهما چيت، ومهما فى براح أرض الله، و فى الكون لفيت... عمري ما راح القي سعادتي إلا وياكِ.. أنتِ المسند يا خضرا اللى عليه بتسند و بريح ضهري..
و اللى فى وقت الحزن بيمحي قهري"..
لثم شفتيها بقبلات صغيرة متتالية هامسًا من بينهم..
"أنتِ مَرتي، أرضي، وطني، عرضي، و أغلى الخلق كلياتهم على جلبي"..
" خضرا " بإصرار أثار غضبه.. " يبقي لو غالية عنِدك كيف ما بتقول توافق على چوازك من سلسبيل"..
عيني عليكي يا بنية، لسه ف العمر صبية
ياما اتحملتي آسية
، ما شوفتيش يوم حنية
كله عذاب ووجع،
من أم الزوج المفترية
لكن عوض ربنا هايكون،
مع الزوج الطيب الحنون،
اللي بيحبك بجنون،
اللي للعشره يصون،
و مراته خضرا اللي هاتكون،
أمك و أختك الحنون،
ف أنتظار عوض ربنا الجميل
لجبر خاطر السلسبيل..
خاطرة إهداء من لجميلة نيمو..نرمين نصر..