رواية جحيم العابرين الفصل الخامس 5 بقلم اسامة مسلم
(عاصم) بارتياب : هذه ليست مصادفة
+
(يمني) محاولة إدارة المحرك : لا تكن متشائماً
أصدر المحرك عدة أصوات أشبه بالفرقعات لكنه لم يعمل .
ضغطت (يمني) زر فتح غطاء المحرك وترجلت من السيارة ..
+
(عاصم) وهو يفتح الباب للحاق بها : إلى أين؟
+
(یمنی) بعد ما رفعت الغطاء وألقت نظرة على المحرك : "لا يبدو أن هناك شيئاً خارجاً عن المألوف .. لم لا يعمل المحرك إذا؟"
+
(عاصم) وهو يقف بجانبها : أشعر بأن الأحداث تقودنا إلى مصير مخيف
+
(يمنى) ضاحكة وهي تغلق غطاء المحرك : ومن سيموت الآن؟ ...البطل أم البطلة؟
+
(عاصم) : لا تتحدثي بهذه الطريقة فالأمر جاد!
+
(يمني) موجهة نظرها للطريق الذي قدما منه : وما العمل الآن؟
+
(عاصم)مشعلاً سيجارة : سننتظر أحداً ليقلنا مثلما فعلتِ أنتِ آنفاً
ين (يمنى) كفها في إشارة لـ (عاصم) بأنها تريد التدخين أيضاً ...
(عاصم) وهو يرمي بعلبة السجائر نحوها باسماً بعد ما وضع الولاعة وسطها :
"كنت أظن أنك تكرهين السجائر ..."
نفت (يمني) على العلبة ووضعتها في جيبها وهي تقول : وما زلت...
+
(عاصم) : ماذا تفعلين؟
+
تجاهلت (يمني) سؤاله وسارت بضع خطوات نحو الأشجار الكثيفة ممعنة النظر في الغابة المظلمة قائلة :
"وماذا لو لم يمر أحد؟ .. نحن لم نر سيارة واحدة على هذا الطريق منذ أن هربنا كالفئران من المحطة بسببك"
(عاصم) نافخاً سحابة من الدخان رامياً بعقب السيجارة تحت قدمه :
"لولم نهرب لتمكن منا ذلك الرجل الغريب الأطوار ..."
+
(یمنی) بتفكر وظهرها مدار له ونظرها للغابة : "لا أريد ترك سيارتي هنا لكن ..."
+
(عاصم) : لا تقولي بأنك تفكرين بالسير وسط الغابة .. إن كنا سنسير فالسير على الطريق هو الخيار الأرجح
+
(يمني) آخذة بضع خطوات إضافية للأمام :
"ابق أنت هنا وأنا سأتجول قليلاً لعلنا نجد شيئاً يساعدنا.."
+
(عاصم) متهكماً : هذا ما تقوله البطلة قبل أن تموت
2
(منی) ملفتة نحوه باسمة : أو البطل الجبان الذي يبقى وحده
+
(عاصم) : أنا لست جباناً!
+
(يمني) متقدمة أكثر لوسط الغابة : اتبعني إذا أيها الشجاع اختفت( يمني) خلف الأشجار تاركة (عاصم) يصارع نفسه بين رغبة البقاء ورهبة اللحاق بها ..
استقر به الحال أخيراً على ألا يبقى وحده وأن يسير خلفها فأغلق الباب وقال منادياً عليها : ألن تغلقي سيارتك أم أنك تجيدين انتقاد ما تمارسين ؟!
ما تمارسين ؟!
لم يصله أي رد منها مما زاد توتره ودفعه للسير بوتيرة سريعة لوسط الغابة على أثر صاحبته التي سبقته...
تمكن (عاصم) من اقتفاء أثر (يمنى) حيث رآها تسير بخطوات قليلة تتفحص بنظرها الغابة من حولها قبل أن يحدثها عن قرب قائلا :
"هل هذا ما تسمينه جولة بسيطة ؟ .. لقد سرت لمسافة طويلة..."
(يمنى) وعيناها تجولان بين جذوع الأشجار السميكة : "لقد تملكني شعور غريب ..."
+
(عاصم) : شعور ماذا؟
+
(يمني) : إحساس بأن هناك شيئاً وسط هذه الغابة ينتظرنا
+
(عاصم) : لا تحاولي إخافتي بهذا الأسلوب السخيف فأنا لن أقع ضحية لألاعيبك
+
(يمنى) : أنا أحكي إحساسي فقط وإخافتك آخر اهتماماتي الآن
+
(عاصم) وكأن صاعقة نزلت عليه وبأعين متسعة : أعتقد أني سمعت حركة بين تلك الأشجار
+
(يمنى) : من منا يحاول إخافة الآخر الآن ؟ .. أنا لم أسمع شيئاً
+
(عاصم) وهو لا يزال مرعوباً : كيف لم تسمعي ؟! . . الصوت كان واضحا جدا
+
(يمنى) مستمرة بالسير : لم أسمع شيئاً ..
بعد توغلهما أكثر وسط الغابة بصمت وحذر وضع (عاصم) السائر خلف (يمنى) كفه على كتفها فالتفتت نحوه قائلة : ما بك؟ .. هل سمعت شيئاً آخر
+
(عاصم) واضعا طرف سبابته على أرنبة أنفه وبنبرة جادة : "لم أسمع لكني شممت..."
+
(یمنی) باستنکار : شممت؟ .. شممت ماذا؟
+
(عاصم) مستنشقاً الهواء : الآن .. لقد هبت الرائحة مجدداً .. هل حقاً لا تشمينها ؟!
+
(يمنى) محاولة الاستنشاق بتركيز : لا .. لا أشم شيئاً
+
(عاصم) بأعين راجفة متوترة ناظرًا أمامه : ستشمينها الآن انتظري
+
(يمنى) مستديرة بكامل جسدها نحوه وبنبرة ساخرة : هل بدأت تفقد عقلك ؟
+
(عاصم) محدقاً بتركيز : انتظري فقط !
صمتت (يمني) لثوان ثم بدأت بالفعل تشتم رائحة زكية مثل العطر فقالت :
"نعم .. إنها رائحة تشبه .. تشبه ..."
+
(عاصم) : المسك..
+
(يمنى): نعم تماماً .. ربما هناك حقل من الزهور قريب منا والريح نقلت عبيره إلينا لا تَنسَقّ وراء هواجس عقلك وتوتر نفسك وتوترني معك
+
(عاصم): لا أعرف لكن كل ما لاحظته هو أن الرائحة تتضاءل عندما أسير وتزداد قوة عندما أتوقف وكأن صاحبها يلاحقني
+
(يمني) مخرجة علبة السجائر من جيبها باسمة : "خذ دخن سيجارة .. يبدو أن حرمانك من النيكوتين قد شوش عقلك ..."
(عاصم) آخذاً العلبة مستأنفاً سيره بعد ما وضعها في جيبه : لنكمل طريقنا فقط ولو نعود أدراجنا يكون أفضل أنا لست مرتاحاً فشعوري بأن أحداً يلاحقنا لا يمكنني تجاهله
+
(يمنى) وهي تلحق به : لا يوجد أحد هنا كف عن التوهم
بعد سيرهما عدة خطوات توقف (عاصم) مرة أخرى لتعود الرائحة تعود الرائد وبشكل أقوى فقال بوجه سارح ومتوتر جداً :
"هذه المرة أنا متيقن من أن هناك شيئاً يتعقبنا وهو مصدر تلك الرائحة !"
+
(يمنى) باسطة كفيها وهي تدور حول (عاصم) وبنبرة حادة مستنكرة :
"این؟! .. أين ؟! . . هل ترى شيئًا حولنا .. كل الاتجاهات خالية ... شمالاً وجنوباً .. شرقاً وغرباً!"
عندما وقفت (يمنى) أمامه قال لها بوجه مرتبك وأعين مرعوبة : "ماذا عن فوق ..؟"
رفع الاثنان رؤوسهما في اللحظة نفسها ليشاهدا مخلوقاً غريباً يقف فوقها مباشرة على أحد الأغصان العريضة متقرفصا محدقاً بهما بأعين صفراء مشعة ولم يتمكنا من رؤية تفاصيل أخرى بوجهه عدا أسنانه البيضاء الطويلة التي كشر عنها مع فحيح مخيف.
تسمر الاثنان مكانهما من الجزع والرهبة وهما ينصتان لذلك الفحيح المرعب الذي تحول لزمجرة خفيفة صاحبها ازدياد لكثافة رائحة للمسك في المكان ولم ينكسر سرحانهما إلا عندما سقطت نقطة لزجة كبيرة من لعاب ذلك المخلوق على وجنة (عاصم) أخرجه من تسمره ليفيق من سرحانه وليشد (يمني) من لباسها منطلقاً بها هاربين متوغلين أكثر وسط الغابة في الاتجاه المعاكس للطريق الذي أتيا منه.
10