اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة الفصل الثامن 8 بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة الفصل الثامن 8 بقلم فاطمة احمد 


الفصل الثامن : خيارٌ آخر.
__________________
أحيانا نلقي بأنفسنا في هاوية الخطيئة فداءً لشخص ما، ثم وحين ننتظر منه تقديرا وحماية نتفاجأ بأنه قدَّمنا قُربانا لنفس الهاوية مرة أخرى !
( قبل سبعة أشهر.
على قمة التلة المطلة كان راكبا فوق حصانه يطالع من علوه الوادي الصغير في الأسفل والذي يمتد بعده طريق منعطف طويل وطفيف الإرتفاع تبعثرت على إمتداده الأبنية الريفية الأنيسة والواقعة في الجهة الشرقية من البلدة...
كانت الشمس قد غربت منذ بعض الوقت ولكن الطبيعة إحتفظت بمعالمها واضحة في كنف سماء الغروب اللطيف فصار بإمكانه تأملها وحطت عيناه على البحيرة التي تكاد لا تُرى بسبب الأشجار المظللة لها ولمعت فوقها عند السماء نجمة لامعة كالزجاج، كأنها مصباح هداية وبشارة.
سمع فجأة صوت حوافر تقتحم خلوته وهي تدق بصلابة وسرعة في الأرض ليفهم أنها ناتجة عن ركض الحصان فإلتفَّ بإحتراز كي يرى صاحبه وهنا ...
وعلى ضوء الشفق المتغلغل في الأحراج لمح صاحبه الذي كان إمرأة تشد لجام فرسها راكضة بدون قيود في هذه المساحة الواسعة وبأقصى سرعة ممكنة على التلة، لم يكن يرى وجهها لأنها توليه ظهرها ولكن كان بوسعه مشاهدة شعرها متوسط الطول إلى الخلف بحرية لاقت بها.
تسمر مكانه متأملا إياها و وُدَّ حقا معرفة من تكون تلك الفتاة إلا أنه استفاق ونفض عنه هذه الأفكار مقررا العودة للمنزل وحين أعطى الإشارة لحصانه حتى ينطلق سمع صهيلا عاليا من الفرس تليه صرخة أنثوية نتج بعدها إختلال وزن الفتاة ففقدت تمسكها وسقطت على الأرض ، لم يفكر هو مرتين فإنطلق ناحيتها وقفز ببراعة مغمغما :
- سلامتك حصلك حاجة ؟
تأوهت تلك الواقعة وإستدارت تنظر إليه ليجدها تغطي وجهها بوشاح لم يظهر سوى جبينها وعينيها البنيتين فتنحنح مضيفا وهو يمد يده لها :
- جيبي إيدك.
ترددت في البداية وظهر هذا على تقطبية حاجبيها لكنها حسمت أمرها وتمسكت به لتقف أمامه هامسة :
- شكرا.
تجاوزته محاولة ركوب فرسها فتكلت بالفشل نتيجة لإصابة قدمها لتتأفف مبرطمة بضيق ويتنحنح هو بهدوء جلي :
- لو مش قادرة تركبي اتصلي بحد من عيلتك يجي ياخدك.
إستدار وكاد يمتطي ظهر حصانه حتى يعود وينجز شؤونه العالقة لكنه تراجع في آخر لحظة مفكرا بأنه ليس من الائق ترك شخص مصاب بمفرده في مكان خالٍ كهذا خاصة أنها امرأة لذلك ضغط على نفسه وعاد عارضا عليها المساعدة :
- تحبي اساعدك ؟
رغم خوفها من وجودها مع رجل غريب في أعلى التلة وقد بدأ الظلام يعم المكان إلا أنها لم تصل لحل آخر فأومأت ببطء وتقدم الآخر منها رافعا إياها بخفة ومحاولا قدر الإمكان ألا يطيل لمسها حتى لا تنزعج أو تنذعر، إعتدلت في جلستها وهتفت من خلف الوشاح بحرج وتردد :
- الدنيا ظلمة وانا خايفة اغلط في الطريق وأتوه ممكن تدلني ع الجهة اللي لازم اعدي منها عشان اوصل للبيوت اللي تحت ديه.
أشارت على المنازل التي تُلحظ من الأعلى فتنهد وأجابها بنعم ثم سارا معا في صمت مدقع قطعه بصوته الخشن :
- ايه اللي خلاكي تجي لوحدك في الوقت ده يا ... آنسة.
تلكأ متجاهلا سؤالها عن إسمها فردت عليه الأخرى موضحة :
- اسمي نيجار ... انا غايبة عن البلد يجي سنتين كنت بخلص دراستي في المدينة ولما رجعت حسيت قد ايه المكان ده وحشني بقالي زمان مجيتلوش مع مهرة علشان كده طلعت بالسر وغطيت وشي لأن عيلتي مبتسمحليش اجي لهنا ولو حد شافني وعرفني هتبقى مشكلة.
سكتت بعدما شعرت أنها تكلمت أكثر من الازم وعادت لجمودها أما هو فكادت تنبلج منه إبتسامة كتمها بشق الأنفس ورمقها بطرف عينه وقد تملكه فضول غريب لرؤية وجهها المغطى مع أنه كان سيقدر على لمحه من خلف هذا الوشاح الشفاف لولا ظلمة السماء على أي حال.
مرت دقائق أخرى قطعتها نيجار هذه المرة تسأله مستفسرة :
- واضح انك بتعرف البلد كويس مادامك حافظ المكان ده وقادر تتعرف ع الطريق في الظلمة.
همهم مجيبا بإيجاز :
- اه اكيد أنا ابن القرية ديه ومتعود اجي لهنا كتير.
شردت فيه نيجار وتعجبت من كونه لا ينظر إليها أو حتى يضايقها حسنا لقد كانت تتوقع السوء منه لذلك وقبل أن تطلب المساعدة منه تحسست ساقها التي تربط بها الخنجر مطمئنة على وجوده في حال ماإذا كان هذا الغريب ينوي لها شرا ، أفاقت من أفكارها عند تنبهيه بأنهما هبطا من التلة وأصبح الطريق متاحا أمامها كي تعبر لمنزلها وحين هبَّ للمغادرة نادته مبتسمة :
- متشكرة اوي ليك.
اشرأبت عنقه ناحيتها مطالعا إياها بشرود سرعان ما أفاق منه وهو يحمحم بجدية :
- العفو يا آنسة ده واجبي.
إتسعت إبتسامتها أكثر وساورها الإعجاب إتجاهه فهتفت محاولة إستنباط معلومات فضولية عنه :
- بالمناسبة انا لسه معرفتش إسمك.
- آدم ... آدم سلطان.
أجابها بنفس البسمة وغادر غير منتبه لملامحها التي انقشع منها الإرتياح وحلت مكانه الصدمة عند معرفة بأن الرجل الذي ساعدها وقطعت معه طريقا طويلا هو نفسه آدم سلطان عدو عائلتها ! )
**عودة إلى الحاضر.
مثلما أن الحياة مرهونة بتحديات فإن موازين العقل مرهونة بمدى تعلم صاحبها من تجاربه السابقة، فالذي تلدغه الأفعى مرتين لا نستطيع مناداته بالمغدور في المرة الثانية !
- آدم ولد سلطان هيتجوز المستورة سلمى أخت صفوان والعلاقة ديه هتربط العيلتين ببعض للأبد.
وكأنه تلقى طامته الكبرى بهذا الذي قيل ! تملكت الصدمة منه وأحس لوهلة بأنه يتخيل أو قد حدثت مشكلة في أذنه فسمع بالخطأ ولكن التعبير المرسوم على وجه صفوان وفغره المفتوح جعله يتأكد بأن العمدة أمر حقا بإقامة رابطة كهذه بينهما.
الزواج من أخت عدوه اللدود الذي ينتظر هذا الأخير الوقت المناسب حتى يرسل جثته لمنزل الشرقاوي ؟ مؤكد أن هذا ماهو إلا محض من الجنون.
حاول آدم تجاوز صدمته مؤقتا فرطب شفتاه وهمس :
- حضرتك بتقول ايه جواز مين.
لم يجبه الآخر وأولى إنتباهه للمباركات والتهليلات من أعضاء المجلس الذين كانت سعادة كل واحد منهم بهذا الزواج أكبر من فرحته بزفافه هو ربما ، فلطالما سببت هذه مالعداوة الممتدة من سنين طويلة مشاكل وإختلالات عدة في البلدة وأثرت على مشاغلهم وسير أعمالهم لذلك مصالحتهم الآن هي أفضل ما يمكن حدوثه.
بعد مدة فرغت القاعة وظل الإثنان جالسان بصمت كأن على رؤوسهم الطير حتى بادر صفوان بفتح الحوار وهو يقول بتزمت :
- ايه اللي حصل من شويا ده.
أجابه العمدة بثبات وهو يعود ليجلس :
- حصل الازم ياولد الشرقاوي ديه افضل حاجة ممكن تحصل عشان الصلح وزي لما اشتغلتو سوا قبل كده هتعملو نفس الشي دلوقتي.
- الشغل حاجة ... والجواز حاجة تانية.
غمغم آدم من بين أسنانه وعيناه أصبحتا كاللهيب من شدة إنفعاله ثم حدق به وتابع محاولا التكلم بإحترام قدر الإمكان :
- قرار زي ده مينفعش يتاخد بالبساطة ديه ياريت لو اتناقشت معانا في الموضوع قبل ما تعلنه قدام الناس وتحطنا في الموقف ده.
قبض العمدة على عصاه وإحتدت نبرته بضيق :
- انا تكلمت عشان مصلحتكم ومصلحة غيركم وشايف أن الموضوع عادي في كتير ناس بتتجوز عشان الصلح وبيتهم بيعمر عادي وعيلتك أبسط مثال يا آدم انت نسيت ان ستك والمرحوم جدك اتجوزو عشان يوقفو التار اللي بين عيلتهم ! الا لو انت معارض لأنك حاطط عينك على واحدة تانية.
إرتجفت يده بإنفعال مفاجئ وإنكمشت معالم وجهه بحقد كاد يظهر بوضوح لولا أنه أشاح بعينيه عن مرمى بصر العمدة ، ثم تنهد هاتفا بحزم :
- مش مسألة بعرف واحدة تانية بس الجواز ده حياة كاملة ومسؤولية كبيرة مينفعش نتعامل معاه كأنه شيء بسيط وبنقدر نتخذ قرارات بخصوصه في أي وقت.
وافقه صفوان الذي كان هو الآخر يحمل رفضا قاطعا بخصوص الزواج وهذا ليس بسبب عداوته فقط بل لأن زواج أخته من الرجل الذي أوقعه في شباك غادرة يُعد بمثابة إلقائها في الجحيم لأن آدم بالتأكيد لن يتوانى عن الإنتقام منه بواسطتها.
فقال هو أيضا :
- وانا معاه في كلامه انا شايف ان القرار ده اتاخد بإستعجال من الأحسن اننا ....
قطع صوته حين إنتفض العمدة واقفا وهو يهدر بصرامة :
- كفاية انا قولت اللي عندي الصلح هيتم والعلاقة ديه هي الوحيدة اللي بتقدر تضمنه احنا بقالنا سنين شاغلين بالنا بخناقكم والبلد والأهالي مش مضطرين يستحملوكم اكتر من كده.
صمت يسترد أنفاسه المسلوبة ثم إلتف لآدم مكملا :
- يا اما انت تتجوز أخت صفوان او هو يتجوز أختك وده آخر كلام عندي.
___________________
قذف الفازة الفخارية على الأرض بعصبية صارخا :
- هو فاكرني ايه عشان يفرض عليا اتجوز مين يعني عشان بحترمه وبعتبره زي أبويا هيعمل معايا كده ! انا اتجوز واحدة من العيلة ديه ليه من قلة الحريم يعني.
طالعته حكمت بصمت وهي تجلس على الأريكة في غرفته بعدما دخلتها متسائلة عن سبب صعوده كمن يرى الشياطين حوله فأخبرها عن قرار العمدة الذي إتخذه فجأة أمام كبار البلدة ، بينما تنهد آدم بخنق مردفا :
- كفاية كده انا سكت احتراما ليه ومحبتش اكسر كلامه قدام أمة محمد بس ده ميعنيش انه يسوق فيها خلاص مش هستحمل اكتر من كده.
- استنى.
نطقت حكمت فجأة عندما همَّ بالخروج فتوقف مكانه دون أن ينظر إليها في حين نهضت هي ووقفت أمامه مرددة بتعقل :
- اهدا شويا واقعد علشان نفكر كويس ملازمش تستسلم لغضبك وتتهور.
- اهدا ازاي حضرتك مستوعبة أن العمدة فرض عليا اتجوز أخت عديم الشرف ده ويا اما اقبل يا اما هو يتجوز اختي ايه الهبل ده.
تأفف آدم وقد كاد يجن من مجرد طرح هذه الفكرة لكن حكمت التي لطالما إتبعت عقلها وفكرت عشرات المرات قبل أن تخطو خطوة واحدة كانت تعلم جيدا بأن هناك سبب كبير خلف هذا القرار لذلك قالت بجدية :
- بص ياحفيدي حكاية الجواز مجتش كده والسلام انا بظن ان العمدة عارف باللي عملناه في بساتين الشرقاوي وعارف كمان انك مكنتش هتعمل كده إلا لو هو أذاك كتير وللسبب ده صرف نظر ع محاسبتك وفكر بأن الحل الوحيد لنهاية مشاكلكم هي ان نسل العيلتين يجتمع.
أغمض عيناه بإرهاق ثم جلس على السرير مرددا وهو يمسح على وجهه :
- وانا بردو فكرت بالشكل ده ومكنتش متأكد بس طالما مش انا الوحيد اللي فكرت كده يبقى توقعي طلع صحيح ومع ذلك مش هقبل بالنتيجة ديه مستحيل اتجوز.
- تمام يبقى نجوز ليلى لصفوان وخلاص.
- انتي بتقولي ايه.
صاح بعنهجية متوحشة وأكمل :
- انا اجوز اختي لل*** ده على جثتي !
إنفعلت حكمت ودنت منه ممسكة بكتفيه تبصق كلماتها بقوة :
- اومال عايز ترفض طلب العمدة وتكسر كلمته قدام الناس وتخسر مكانتك عنده ؟ نسيت انك دراعه اليمين وأكبر مرشح للزعامة ومن بعدها العمودية نسيت انك ولد سلطان ولازم تبقى زيه نسيت أن جدك كان العمدة يا آدم ومن حقهم عليك انك تاخد مكانهم !
انت عارف لو روحت قولت للعمدة وللناس انك مش هتتجوز ايه اللي هيحصل؟ هيشوفوك راجل ناقص ومش قد الكلمة اللي بتطلع منه ومنافسينك هيستغلو الوضع عشان يحرضو العمدة عليك.
- العمودية بتتاخد بالإستحقاق يا حكمت هانم مش بتنفيذ أوامر غيري ولو كان لازم عليا اعيش بدون شخصية عشان ابقى زعيم ولا عمدة فبلاش منها أحسن.
حدقت فيه قليلا ثم تنهدت وأزاحت يداها عنه متمتمة :
- ماشي طالما انت عايز كده يلا روح للعمدة وقوله انا حرقت بساتين صفوان بس مش ندمان ولا عايز اتصالح معاه وقوله انا مش مهتم بإحراجك وكسر كلمتك قدام الأهالي ومش هعمل اللي انت عايزه.
يلا روحله واخرب حياتك بسبب عيلة الشرقاوي ماهو مش كفاية انهم بعتو بنتهم عشان تضحك عليك هيزودو العيار ويخلوك تخسر العمودية بردو.
إشتعلت النيران في رأس آدم وهو يستمع لجدته تذكره بالخداع الذي تعرض له فطحن ضروسه بجنون مستشعرا بالحقد والكره اللذان يقطعانه، أولاها ظهره وتحرك بعيدا عنها خوفا من فقدان سيطرته أمامها ليضرب الجدار مفرغا به جزءا بسيطا من إنفعاله بينما تتساقط على أذنه كلمات حكمت :
- فكر باللي قولتهولك كويس انت عندك خيارين دلوقتي يا اما هتسمحلهم يأذوك تاني يا اما توافق ع الجواز وتحافظ ع مكانك واهي تبقى معاك ورقة رابحة ضدهم.
__________________
دخل صفوان للسرايا وجمع نساء المنزل مخبرا إياهن عن قرار العمدة بتزويج آدم وسلمى وكانت ردودهن لا تختلف كثيرا عن ردة فعله هو حيث إستقامت جميلة صائحة يإستنكار :
- اجوز بنتي لواحد من عيلة الصاوي اجوزها لحفيد حكمت هما اتجننو ولا ايه.
إنكمشت سلمى في مكانها بينما تتابع والدتها متسائلة بتوجس :
- و انت قولتله ايه اوعى تكون وافقت ؟
تأفف صفوان مجيبا بنفور :
- تجادلت معاه انا وآدم بس شكله مصمم على كلامه، وبعدين هو قالها قدام كبار البلد ومينفعش يتراجع.
- يعني ايه انت موافق ع الكلام ده ؟
- انا مقولتش اني موافق لو سمحتي كفاية كده وسيبيني اعرف افكر.
هدر بصبر نافذ وهو ينهض ليصعد إلى عرفته غير منتبه لتلك التي أصابتها الصدمة في مقتل فإبتلعت لسانها عاجزة عن النطق !
رمشت نيجار عدة مرات قبل أن تنتفض صاعدة خلفه ولم تعرف أن زوجة عمها تحركت لتذهب إلى إبنها مقسمة بأن لا تجعل الأمر يمر مرور الكرام ككل مرة.
طرقت الباب ودلفت مرددة بذهول :
- ايه اللي قولته ده يا صفوان ازاي العمدة عايز آدم وسلمى يتجوزو مالهم ومال الصلح احنا كنا فاكرينه هيطرد آدم بعد ما بدأ يشك ف حادثة الحرايق منين طلع جوازهم !
ضغط على شفته يمنع كلماته الاعنة من الخروج وقال :
- انا مش فاهم حاجة بس غالبا هو عارف ان آدم عمل كده عشان ينتقم مني في حاجة عملتها ولو فضل يلف حوالين المسألة ديه هيعرف اننا سرقنا سبايك الدهب من ابن سلطان وحاولنا نقتله ... وياريته مات ده بسبع ارواح انتي ضربتيه بخنجر مسموم وفضل فترة كويسة جوا النار ومع ذلك فضل عايش.
تضايقت نيجار من ذكره لها كجزء من السرقة ومحاولة القتل فكادت تعترض إلا أن شهقة جميلة التي جاءت وسمعت آخر جملة جعلاهما يلتفان لها بذعر بينما تهمهم هي بجنون كمن أصيبت بالمس :
- خنجر مسموم ايه ونار ايه مش فاهمة انتو عملتو ايه ؟
فزعت نيجار ونظرت لصفوان الذي حاول الإنكار قائلا :
- الموضوع مش زي ماانتي فاكرة احنا بنتكلم ع حاجة تانية ... يلا انا عندي شغل ولازم اخرج دلوقتي.
تحرك مغادرا إلا أن والدته أوقفته وهي تقبض على ذراعه صارخة :
- لا انا سمعت صح ولازم ترد عليا ! لو انا سايباك تعمل اللي عايزه ف ده عشان فاكرة اني مخلفة راجل وبيقدر يتصرف مش لأني غبية وبيتضحك عليا انطق وقول عملتو ايه انت وهي.
لعن صفوان بداخله هذا المأزق الذي وقع به وطفق يفكر بكذبة سريعة ينقذ بها نفسه إلا أن كذبته وُئِدت حينما نطقت نيجار بجمود :
- هقولك أنا يا مرات عمي.
- نيجار اسكتي.
- لا مش هسكت انا تعبت من القصة ديه بس جه وقت تنكشف.
هدرت بقوة وتنهدت ملتقطة أنفاسها ثم شرعت تحكي عن الخطة التي رسمها صفوان حول إستمالة آدم إليها وسحب الكلمات منه لعله يقر بمكان سبائك الذهب في غفلة منه، ثم تطور الموضوع وأصبحت مضطرة لجعله يحبها وفجأة وجدت نفسها في بيته وهي تطعنه بخنجر مسموم وتتركه وسط النيران ليعود هو بعد أيام ويتضح أنه لم يمت !
إستمعت جميلة لإعترافها حرفا حرفا محاولة تجميع الكلمات في رأسها لعلها تفهم ، بيد أنها كانت كمن مسَّها الخبل حين أدركت أن الفتاة التي تولت رعايتها قد دخلت في لعبة قذرة من صنع إبنها وإتفق كلاهما على أن يجنيا على عائلة بأكملها فلم تدري بنفسها إلا وهي ترفع يدها وتلقي صفعة على وجه نيجار التي ارتدت للخلف بذهول مطالعة إياها بينما صرخت عليها الأخرى بغضب :
- ازاي بتعملي كده وبتوافقي على اللعبة القذرة ديه انتي رايحة تضحكي على ابن سلطان وتغدري بيه عايزة تودينا في داهية.
إمتلأت عيناها بغشاوة الدموع فكتمتها قدر الإمكان حتى لا تسقط على وجهها وتظهر ضعفها بينما تحرك صفوان ناحية أمه وقال بضيق :
- كفاية يا أمي هي عملت اللي يليق ببنت الشرقاوي وساعدتني عشان استرجع حق عيلتنا ده بدل ماتشكريها لأنها عرضت حياتها للخطر عشاني.
- اشكرها ؟ انتو مستوعبين عملتو ايه والوضع اللي حطيتونا فيه ده خطفك وضربك وكان هيقتلكو وحرق رزقنا وخربلنا بيتنا ولسه بتقول حق عيلتنا حق ايه ده يا جاهل.
ودلوقتي بتقول العمدة قال هيجوزه لبنتي انت متخيل ممكن يعمل ايه في سلمى لما تتكتب ع اسمه وتدخل بيته ده ممكن يقتلها ومحدش هيقوله ايه ماهو جوزها وبيقدر يعمل فيها اللي عايزه.
بمجرد تفكيرها بهذا الشأن ضربت على صدرها بتضرع لله راسمة في عقلها أبشع التصورات فإبنتها سلمى عاقلة وضعيفة لن تتحمل العيش مع رجل قاسٍ ومجروح في كرامته مثل آدم و إمرأة قوية ومتسلطة كحكمت مؤكد سيجعلانها تتذوق المرار.
لذلك فكرت سريعا ثم رفعت نظرها لنيجار مخاطبة إياها بلين :
- روحي انتي لأوضتك ونامي انا عندي كام كلمة عايزة اقولهم لإبن عمك.
تلكأت في وقفتها وسألتها بترقب :
- انا عايزة افضل هنا و اسمع حضرتك عايزة تقوليله ايه.
- بالله عليكي انا اعصابي بايظة ومش حمل مناهدة يلا يابنتي روحي وهنبقى نتكلم بعدين.
وزعت بصرها بينهما هما الإثنان وأخيرا تخلت عن عنادها وغادرت، وبمجرد خروجها سقطت الدموع المحتجزة داخل عينيها متذكرة الصفعة التي تلقتها منذ قليل وإتهامات زوجة عمها لها شعرت ببوادر الإنهيار تصيبها فسارعت لكبح ذاتها ومسحت الخيوط الشفافة بقوة هامسة :
- انتي قوية ... ومينفعش تعيطي.
***
بعدما تأكدت جميلة من أن لا أحد يتسمع عليهما ذهبت لصفوان وضربت على صدره بحدة مغمغمة :
- ديه اخرة اللي بيتحرك ع مزاجه فاكر نفسك ذكي ومحدش قدك.
إشتعلت عيناه بغضب فطفق يردد بسخط :
- على الأقل بحاول وبعمل اللي عليا من غير خوف ممكن افهم ايه اللي مخليكي مرعوبة من حكمت وحفيدها للدرجة ديه ايه محدش قادر عليهم.
أجابته جميلة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التعرض لأزمة قلبية بسبب صلابة رأس ولدها :
- انت لو بتعرف اللي انا بعرفه مكنتش هتقول كده فاكر انك بقيت الأقوى لأنك لعبت عليهم مرة ونجحت لا انت غلطان وحكمت لوحدها قادرة تقضي علينا ديه بتمشي رجالة بشنبات ع صوابعها مش هتجي لعندك وتخسر.
- خلاص بقى اللي حصل حصل مفيش فايدة تتكلمي في موضوع انتهى.
- لا هو منتهاش انتو ولعتو النار فينا احنا بس مش هسيب بنتي تتحرق بيها اللي عملت كده هي اللي لازم تستحمل النتايج معنديش بنت اضحي بيها عشان خاطر عينيك انت ونيجار.
لفظت جملتها بصلابة وثبات ليعقد الآخر حاجباه بحيرة :
- قصدك ايه انا مش فاهم عليكي.
رطبت جميلة شفتيها بتردد سرعان ما طمسته مفكرة بأن هذا هو الصحيح ثم قالت :
- لو العمدة فضل مصمم ع قراره ومقدرتوش تقنعوه ف الجواز هيتم عشان الصلح ... بس نيجار هي اللي هتتجوز آدم !
______________________
ستووووب انتهى البارت
قرار جواز آدم وسلمى قلب الموازين وحط الكل في حيرة
ياترى آدم هيقبل يتجوز واحدة من عيلة الشرقاوي ؟
رايكم بقرار جميلة وتضحيتها بنيجار عشان بنتها وازاي هتبقى ردة فعل صفوان ع كلامها ؟



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close