رواية عن العشق والهوي الفصل التاسع 9 بقلم نونا مصري
~ الفصل التاسع ~
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
قراءة ممتعة للجميع ♡
اما خالد فاستغرب من الامر وقال بتساؤل : انتوا... تعرفوا بعض !
في تلك اللحظة شعر ادهم برغبة طاغية مستبدة تحرضه لكي يقترب منها ويعانقها بشدة فشوقه لها كان يفوق الخيال حيث انه تعذب لمدة اربع سنوات وخمسة اشهر بعد ان طلقها ولم يصدق انها تقف امامه حقاً... اخذ ينظر إليها بتمعن وهو مذهول من التغير الكبير الذي طرأ عليها ، لقد اصبحت اجمل عن ذي قبل كما ان مظهرها الخارجي يوحي بأنها اصبحت اكثر وعياً ونضجاً عن تلك الفتاة التي عرفها في السابق حيث كانت ترتدي ملابس انيقة اظهرتها بمظهر أمرأة قوية ومثقفة وملامح وجهها كانت تشع نوراً ويبدو انها كانت تعيش حياتها براحة كبيرة او ان امراً جيداً قد حصل لها.
اما هي فعادت بخطواتها للوراء وهي تحدق به بصدمة كبيرة وسرعان ما خرجت من قاعة الاجتماعات تحت انظار الجميع فانتفض ادهم من مكانه قائلاً : مريم.... استني !
قال ذلك ولحق بها دون أن يعير اهتماماً لأي شخص من الموجودين الامر الذي جعل الجميع يستغربون من تصرفهما وخصوصاً خالد الذي لحق بهما ايضاً كما فعل كمال ومحمود ذلك ولم يصدقا ان هذه المرأة الناجحة هي نفسها المبرمجة الصغيرة مريم مراد التي كانت تعمل معهم في السابق والتي اختفت فجأة دون سابق إنذار .
فذهبت مريم تمشي بخطوات سريعة اشبه بالركض وهي تُحدث نفسها قائلة : لأ... مش هضعف قدامه ومش هسيبه يأثر عليا من تاني...لأ يا مريم انتي مينفعش تقابليه مرة تانية والا هيكتشف سرك .
في تلك اللحظة شعرت بيد قوية تمسك بذراعها وتسحبها للوراء وعندما التفتت كان ذلك ادهم الذي سألها : رايحه فين يا مريم ؛ مش عايزه تسلمي عليا ولا ايه ؟
فنظرت إليه وحاولت التملص من قبضته خصوصاً لانه كان يمسك بها في ردهة الشركة امام جميع الموظفين فقالت بصوت اشبه للهمس : من فضلك سيب إيدي ...احنا في مكان شغلي دلوقتي ومينفعش تعمل كدا .
فضغط ادهم على ذراعها بقوة اكبر وقال : ليه ، انتي خايفه جوزك يعرف عن علاقتنا ولا ايه ؟
مريم : ملكش دعوة بالموضوع دا ومن فضلك سيب إيدي بسرعة.
ادهم : مش هسيبها... وهشوف هتعملي ايه.
في تلك اللحظة شعر ادهم بيد رجولية ابعدت يده عنها وعندما التفت رأى خالد الذي سحب مريم من ذراعها وقال : انا معرفش انتوا ازاي تعرفوا بعض بس مش هسمح لأي شخص انه يلمس مريم غصب عنها لانها في حمايتي انا والكلام دا ينطبق على حضرتك انت كمان .
رسم ادهم شبح ابتسامة على زاوية شفتيه وقال بسخرية : قلت ايه !
وسرعان ما انفجر ضاحكاً كما لو كان مجنوناً مما جعل خالد ومريم وكمال ومحمود يندهشون من ردة فعلة فسيطر على نفسه ونظر الى مريم بنظرة مرعبة ثم سألها : هو دا مش كدا ؟
اما هي فقد فهمت قصده على الفور لذا ابعدت يد خالد عنها وقالت : ملكش دعوة.. واظن انك جيت هنا علشان الشغل يبقى متدخلش نفسك في اللي مالك فيه .
فصرخ بها قائلاً : مريم !!
اما كمال فقال : في ايه يا جماعة ؛ متفهمونا ايه اللي بيحصل ؟
نظرت مريم اليه وقالت : انا اسفه يا استاذ كمال بس مفيش حاجة مهمة لان الموضوع تافه ومش محتاج انك تتعب نفسك وتعرفه اصلاً .
بعد قولها ذاك تشنج وجه ادهم من شدة الغضب وبحركة واحدة امسك ذراعها وسحبها نحوه متجاهلاً الجميع وقال : احنا لازم نتكلم.
فتأوهت هي بألم اما خالد فقال بأنزعاج : انت مفتكر نفسك مين علشان تعمل كدا ؟
رمقه ادهم بنظرة مرعبة وقال بلهجة أمر : لو مش عايز تسمع خبر افلاسك بكرا في الاخبار يبقى خليك بعيد احسن .
قال ذلك ثم سحب مريم من يدها قائلاً : وانتي تعالي ورايا .
وبعدها خرجا من الشركة فحاول خالد ان يلحق بهما ولكن كمال اوقفه بقوله : لأ يا خالد ، خليك برا الموضوع احسن لان ادهم متعصب اوي دلوقتي والظاهر انه كان بيتكلم جد لما هددك من شوية ، يعني بلاش نعمل مشكله من ولا حاجة .
رد خالد بانزعاج : مش خالد نجم اللي بيتهدد يا كمال ولو كان ادهم دا ميعرفش..
- لم يكمل جملته لأنه ادرك شيئاً كان غائباً عن ذهنه فسأله كمال بقلق : انت كويس يا خالد ؟
فوضع خالد يده على جبينه وقال : ازاي مفكرتش بالموضوع دا قبل كدا ، دا هو ادهم ...هي حتى سمت ابنها على اسمه يبقى اكيد هو.
عقد كمال حاجبيه وقال بتساؤل : انت بتتكلم عن ايه يا خالد ؟
فنظر خالد اليه وقال : ادهم بيه يبقى جوز مريم يا كمال... حتى انها سمت ابنها على اسمه .
في تلك اللحظة اتسعت عينا كمال وقال بفزع : بتقول ايه !
اما في الخارج.....
فكان ادهم يجر مريم خلفه وهو يضغط على ذراعها بينما كانت هي تعترض وتحاول التملص منه قائله : سيبني ...انت عايز مني ايه ؟
التفت اليها والغضب يعلو وجهه وقال : الراجل اللي اسمه خالد نجم دا يبقى جوزك مش كدا ؟
مريم : قولتلك ملكش دعوة في الموضوع دا.
فامسك كتفيها وضغط عليها بقوة وصاح قائلاً : سألتك سؤال يبقى تجاوبي عليه بشكل صحيح...انتي متجوزه الراجل دا ولا لأ ؟
شعرت مريم بالخوف لانها رأته غاضب بشدة فقالت بتلعثم : ل.. لأ.. خالد مش جوزي.
ادهم : يبقى مين السافل اللي اتجوزك ؟
فعقدت حاجبيها وقالت بعصبية : ويهمك في ايه انك تعرف وبعدين انت ماسكني كدا ليه ؟
قالت ذلك ثم حاولت ان تتملص منه قائلة : سيبني بسرعة لان مش من حقك تلمسني يا ادهم.
فضغط ادهم على كتفيها وقال بتهور : ازاي مش من حقي ...انتي نسيتي انك...
فقاطعته بقولها : اني طليقتك مش كدا ؟
تركها فوراً بعد سماع ذلك وكأنه كان منوماً مغناطيسياً وقد استيقظ اخيراً اما هي فأضافت : جرى ايه ، دلوقتي عقلك رجعلك واستوعبت اننا متطلقين ؟!
اغمض ادهم عيناه بشدة وتشنج وجهه فظهرت عظام فكه وهو يضغط على قبضته اما هي فسألته بحدة : ممكن اعرف انت ليه عملت المهزلة دي ؛ يعني استفدت ايه بعد كل اللي عملته دلوقتي ؟
فنظر إليها وقال : انا حر.. اعمل كل اللي انا عايزه وانتي ملكيش دعوة.
أومأت برأسها وقالت : كويس... اعمل كل اللي انت عايزه وبراحتك خالص بس خليك بعيد عني.
ثم ادارت ظهرها وارادت ان تغادر ولكن رنين هاتفها اوقفها ، فاخرجته من جيبها وعندما قرأت الاسم اجابت بسرعة باللغة الإنجليزية : اجل سونيا... ما الامر ؟
فقالت سونيا بنبرة باكية والتي كانت معلمة الاطفال في الروضة : اوه مريم ... انه ابنكِ ادهم ... لقد... لقد...
سيطر القلق على مريم وسألتها بقلق شديد : ما الذي حدث لأبني.. تكلمي !
في تلك اللحظة صدم ادهم عندما سمع ان لديها ابن اما سونيا فقالت : لقد كان يلعب ولكنه وقع من فوق الأرجوحة وتعرض لإصابة خطيرة في ساقه لذا نقلناه الى المستشفى التي بقرب الروضة ...ومع الاسف هو بحاجة للدم بسرعة لذا يجب على افراد عائلته ان يتبرعوا له حالاً ...هذا ما قاله الطبيب.
اوقعت مريم الهاتف من يدها ووضعت يديها على فمها وسرعان ما نزلت دموعها فاقترب ادهم منها ثم ربت على كتفها وسألها بقلق : في ايه يا مريم ، انتي كويسه ؟
ابعدت يده عنها وركضت بسرعة الى داخل الشركة اما هو فلحق بها وهو يناديها ..فصادفت خالد بطريقها ، وقد شعر بالقلق فوراً عندما رأها تبكي فاوقفها قائلاً : مالك يا مريم ، ليه بتعيطي ؟
فامسكت بقميصه وانفجرت بالبكاء قائلة : ابني يا خالد...ابني !
فسألها بخوف : حصله حاجة ؟
مريم ببكاء : دلوقتي سونيا اتصلت وقالت انه وقع وهو بيلعب وانهم نقلوه المستشفى .
فقال خالد بهلع : بتقولي ايه ، طيب هو.. هو كويس ؟
ازدادت مريم ببكائها وقالت : هي قالت ان حالته خطيرة وانه محتاج دم بسرعة والمصيبة انا زمرة دمي AB ومختلفة عن زمرة دمه...هنعمل ايه دلوقتي ؟
خالد : متخفيش.. اكيد الدكاترة هيلاقوا حل .
قال ذلك ثم مسح دموعها فاقترب ادهم منهما وسألها مجدداً : ايه اللي حصل يا مريم ؛ هو انتي عندك ابن ؟!
التفتت اليه وسرعان ما شع شعاع الأمل في وجهها فتشبثت بذراعه فجأة كما لو انها صمغ وقالت ببكاء وتوسل : ارجوك يا ادهم ...ابني محتاج دم ومحدش هيقدر ينقذه غيرك... علشان كدا انت لازم تروح معايا المستشفى حالاً.
فنظر ادهم اليها بغرابة وسأل بشك : ا.. ازاي محدش هينقذه غيري ، وانتي عرفتي دا ازاي ؟
ازدادت بالبكاء قائلة : علشان.... علشان اكيد انت عندك نفس زمرة دمه ...لانه...لانه...
قالت ذلك ثم انفجرت بالبكاء فامسك ادهم بكتفيها واخذ يهزها قائلاً بصراخ : لانه ايه... انطقي !
فقال خالد دون تردد : لان ابنها يبقى ابنك كمان وهو محتاجلك دلوقتي .
في تلك اللحظة اتى كمال ومحمود وسمعا ما قاله خالد فصدما وخصوصًا كمال الذي لم يكن يتوقع حدوث كل هذا ... اما ادهم فتسمر بمكانه وكأن صاعقة رعدية قوية قد صعقته بشدة ، أتسعت عيناه وترك مريم ثم عاد للخلف بخطوتين وقال بصوت يكاد يختفي : ق... قولت ...ايه !
اما كمال فقال : يا نهار اسود.
وتشبثت مريم بقميص ادهم واخذت تهزه قائلة : ارجوك مش وقت انك تنصدم دلوقتي... انت لازم تنقذه ابوس ايدك يا ادهم.
فنظر اليها بعيونه التي تجمعت بها الدموع وقال بعدم تصديق : ابني !!!
فصفعته بكل قوتها امام نظر الجميع الذين صدموا وخصوصاً محمود وقالت بصراخ : فوق بقى معندناش وقت للكلام دا دلوقتي .
في تلك اللحظة امسك خالد بكتفها وقال : ارجوكي اهدي يا مريم... وبالراحة على الراجل مش كدا ....هو دلوقتي عرف ان عنده ابن وفوق كل دا محتاج دم يعني اكيد صدمته كبيرة .
فاقترب كمال وامسك بذراع ادهم ثم قال : ادهم... انت كويس !
عاد ادهم الى وعيه وسأل : هو فين ؟
ثم امسك بكتف مريم وصرخ عليها قائلاً : انطقي !
اجابته بنبرة مرتجفة : في المستشفى اللي جنب الروضة.
فأمسك بذراعها وضغط عليها بشدة ثم نظر إلى خالد وقال : المفاتيح...اديني مفاتيح عربيتك.
خالد : مفيش داعي انك تتعب نفسك ، انا هوصل....
صاح به ادهم بزمجرة : بقولك اديني المفاتيح بسرعة !
فقال كمال : ادهم... ارجوك اهدا لان مينفعش تعمل كدا.
ادهم : ملكش دعوة يا كمال.
قال ذلك ثم نظر إلى خالد واضاف : لو مش هتديني مفاتيح عربيتك دلوقتي انا هقلب المكان دا فوق دماغك انت سامع ؟
فاخرج خالد مفاتيح سيارته من جيبه واعطاها لأدهم قائلاً : على فكره تهديداتك دي ما بتجبش معايا نتيجة... انا هديك المفاتيح علشان خاطر مريم لان ابنها الوحيد في خطر وانا مش عايز يجراله اي حاجة.
فاخذ ادهم مفاتيح السيارة منه وضغط على يد مريم التي كانت تبكي ثم قال : تعالي.
وبعدها اخذها وتوجه بها إلى موقف السيارات فوقف ينظر من حوله وسألها : اي وحده عربيته ؟
اشارت بيدها نحو سيارة سوداء وقالت وهي تبكي : اللي واقفة هناك.
فوجه جهاز التحكم عن بعد نحو السيارة واصدرت صوت يدل على انها فتحت ابوابها ثم سحبها من يدها والشرار يتطاير من عيناه وبعدها افلت يدها وصعد قائلاً : اركبي.
فصعدت بجانبه دون تردد وسرعان ما انطلق بالسيارة بأقصى سرعة ممكنة مما جعلها تتشبث بالكرسي لأنه لم يعطيها مجال لكي تضع حزام الأمان فسألها دون ان ينظر : انهي طريق ؟
فقالت : اللي على اليمين .
أنحرف بالسيارة لدرجة انها كدات ان تنقلب بهما وبعدها سألها مجدداً : ودلوقتي اروح منين ؟
مريم : افضل ماشي على طول وبعدها لف على جهة الشمال.
عودة إلى شركة خالد......
كان كمال يدور كالمجنون غير مصدق الامر فقال : ازاي حصل كل دا ؛ هو ادهم اتجوز مريم بجد وكمان عنده ابن منها طيب ليه محدش يعرف ؟
فامسك خالد بذراعه وقال : اهدا يا كمال وخلينا نلحقهم دلوقتي لان شكل ابن عمتك دا مجنون وجايز يأذي مريم في اي لحظة.
رد عليه كمال بعصبية : ادهم مش مجنون يا خالد...من فضلك متقولش عليه كدا.
فتنهد خالد وقال : طيب مش مجنون ؛ يلا خلينا نمشي .
- وبالفعل ذهب كل من كمال ومحمود برفقة خالد الى المستشفى بأحدى سيارات الشركة ، اما عند ادهم وريم... فكانا قد وصلا إلى المشفى بالفعل فنزلا من السيارة وركضت هي الى قسم الطوارئ وخلفها ادهم وعندما وصلا كانت سونيا هناك ؛ هرعت مريم نحوها وسألتها بلهفة وهي تبكي : ما الذي حدث لأبني يا سونيا واين هو الان ؟!
أجابتها سونيا الشقراء ذات العيون الزرقاء والتي كانت ترتجف : لقد... لقد ادخلوه الى العملية منذ قليل ولحسن الحظ انهم تمكنوا من ايجاد كيس دم في بنك الدم ولكن الطبيب قال ان كيساً واحداً لن يكفي.
هوت مريم على الارض بعد ان خارت قواها واخذت تبكي فكان على ادهم ان يتصرف لذا امسك بكتفيها وسألها : زمرته ايه ؟
فنظرت إليه بعيونها الباكية وقالت : A+
ادهم : زمرتي A+ ؛ هتتوافق مع زمرته.
قال ذلك ونظر إلى سونيا ثم سألها : اين استطيع التبرع بالدم ؟
اجابته : اذهب من هذا الاتجاه نحو الغرفة التي في نهاية الرواق.
فركض نحو الغرفة التي ارشدته سوينا عليها ووجدت ممرضة تحضر اكياس دم لاحد المرضى الاخرين فقال لها : ارجو المعذرة ولكن اخبروني بأنني استطيع التبرع بالدم هنا.
فنظرت اليه وسألته : ومن الشخص الذي ستتبرع له يا سيدي ؟
ادهم : انه ذلك الطفل الصغير الذي اصيب في الروضة .
الممرضة : حسناً... تفضل بالجلوس هنا من فضلك.
ادهم : حسناً.
- وبالفعل جلس وبدأت الممرضة تسحب منه الدم... اما مريم فكانت جالسة امام غرفة العمليات وهي تبكي بشدة بينما كانت سونيا جالسة بجانبها و تهدئ من روعها وفي تلك الثناء وصل كل من خالد وكمال ومعهما محمود الذي لم يكن يفقه شيئاً من كل ما حدث سوى ان ادهم تزوج من مريم وعندهما ابن ؛
ركضوا ثلاثتهم نحوها بسرعة اما هي فنهضت ورمت نفسها على خالد وهي تبكي قائلة : شفت اللي حصل يا خالد... هما دخلوه العملية.
فاخذ خالد يربت على كتفها قائلاً : شششش... خلاص متعيطيش وان شاء الله كل حاجه هتبقى تمام.
اما كمال فسألها : فين ادهم يا مريم ؟
اجابته وهي تشهق : هو راح علشان يتبرع بالدم.
في تلك اللحظة عاد ادهم وهو يضع قطنه بيضاء على ذراعه الأيمن وعندما رأى مريم تسند رأسها على كتف خالد تجمعت الشياطين حوله فرمى القطنه على الارض وتوجه نحوهم كما لو انه تسونامي هائج وبلمح البصر سحبها من يدها لتستقر بجانبه وصاح بخالد قائلاً : متلمسهاش !
تنهد خالد بنفاذ صبر وقال : اظن ان مش من حقك تعمل كدا بعد ما طلقتها.
فنظر ادهم الى مريم التي كانت بين نارين وامسك فكها وسألها بعصبية : حكيتيله على الموضوع دا كمان ؟
فابعدته عنها وصرخت وهي تبكي : كفايه ؛ انت مش شايف الحالة اللي احنا فيها دلوقتي ... ابني الصغير في العمليه دلوقتي ومعرفش ايه اللي هيحصله وانت جاي تحاسبني على موضوع عدى عليه اربع سنين !
وبسبب قولها ذاك ازدادت الحيرة عند كمال ومحمود اما ادهم فصاح بها قائلاً : لو كنت اعرف انك حامل مكنتش طلقتك و مكنش دا حصل اساسا ً، بس انتي خدعتيني وكدبتي عليا لانك اكتر وحده انانية انا شفتها في حياتي ومش هسامحك لانك حرمتيني من ابني كل السنين اللي فاتت.
ازدادت مريم بالبكاء ولم تقل اي شيء اما خالد فقال : كفايه بقى ، انت مش شايف انها تعبانه دلوقتي ؟
فنظر ادهم اليه بنظرة ثاقبة وقال بصوت اشبه لفحيح الافاعي : انت بالذات ملكش دعوة... دي امور عائلية علشان كدا خليك بعيد.
فابتسم خالد بسخرية واردف : بما ان الموضع بقى عائلي يبقى انا مش هسمحلك تغلط في اختي اكتر من كدا.
استغرب ادهم وكمال من قول خالد وسأله الاخير : اختك ؟
فاحاط خالد كتف مريم بذراعه وقال بثقة : ايوا... مريم تبقى اختي الصغيرة وهكسر ايد كل واحد يأذيها.
وبعد قوله ذاك امسكه ادهم من ياقته وسأله بعصبية : هتكسر ايد مين يلاه ؛ انت مش عارف انا مين ؟
فتدخل كمال ومحمود عندما تأزم الوضع بين خالد وادهم الذي اصبح كالاسد الهائج وابعداهما عن بعضهما وصاح كمال بانزعاج : كفايه لحد كدا ، انتوا مش عيال صغيرين علشان تعملوا مشكلة من ولا حاجة.
فقال خالد : قول الكلام دا لأبن عمتك يا كمال مش ليا انا.
اما ادهم فسحب مريم من ذراعها وقال : انتي هتقفي هنا ومش عايز اسمعلك صوت.
فانتزعت يدها من قبضته وزجرته بحدة : متلمسنيش .
في تلك اللحظة خرج الطبيب من غرفة العمليّات فهرع الجميع نحوه وسألته مريم بلهفة : كيف حال ابني ايها الطبيب ؟؟
الطبيب : لحسن الحظ اننا تمكنا من ايقاف النزيف بسرعة والا لكان الأمر سيزداد سوءاً .
فتنفس الجميع الصعداء وسأله ادهم : متى نستطيع ان نراه ؟
الطبيب : هل انت والده ؟
فنظر ادهم الى مريم بنظرة يملؤها الغضب ثم اجاب : اجل... انا والده.
الطبيب : سنضعه في غرفة العناية لفترة قصيرة وبعدها سيتم نقله إلى غرفة خاصة عندها سوف تتمكنوا من رؤيته.
فقال خالد : وهل حالته مستقرة ، اقصد لا يوجد خطر على حياته الان اليس كذلك ؟
الطبيب : لحسن الحظ ان الشريان في فخذه لم يقطع لذا لا يوجد اي خطر على حياته الان ولكن يجب ان نراقبه جيداً فجسده صغير ومن المحتمل ان يدخل في صدمة ما بعد الحادثة ، والان عن اذنكم.
- ثم غادر الطبيب اما مريم فجلست على المقعد بجانب غرفة العمليات واخذت تحمد الله وهي تذرف الدموع لان الخطر قد زال عن ابنها وانحنى خالد على مستواها وامسك يدها قائلاً : خلاص يا مريم...متعيطيش ، اهو ابنك كويس والحمد لله وهيصحى قريب جداً.
ولكنها لم تتوقف عن البكاء ابداً واخذ الجميع يراقبها بصمت وخصوصاً ادهم الذي انتابته رغبة كبيرة في معانقتها ولكنه لم يفعل ذلك لان غضبه منها كان اكبر من اشتياقه لها فسألها بصوت أجش : اسمه ايه ؟
ألتفت الجميع اليه بمن فيهم مريم التي كانت تبكي فنهض خالد ثم نظر اليه واجابه بكلمة واحدة : ادهم.
نظر ادهم الى مريم وضحك كما لو كأنه فقد عقله ثم قال : يا بجاحتك والله ، وكمان مسمياه على اسمي !
فنهضت مريم وقد ضاقت ذرعًا به ثم ضربته بقوة على صدره لدرجة انه عاد للخلف من قوة دفعتها وصاحت به قائلة : امشي من هنا... انا مش عايزه اشوفك ولا عايزه اعرفك ابداً... كفايه اللي حصلي بسببك.
فأمسك بذراعها ولواه حتى اصبح خلف ظهرها و اراد خالد ان يتدخل ولكنه اوقفه بقوله : خليك مكانك.
قال ذلك ثم سحب مريم بعيداً وذهبا الى دَرّج الطوارئ وهناك افلت يدها ودفعها بقوة ثم قال : عايزاني امشي ، عايزه تحرميني من ابني مره تانيه يا مريم ؟
فجلست مريم تبكي على حافة الدرج وقالت : ارجوك كفايه لحد كدا.. انا تعبت من كل حاجة ومبقتش قادره استحمل اكتر من كدا.
قالت ذلك وانفجرت بالبكاء مجدداً فذرف ادخم دمعة وقال بنبرة حزينة : طيب وانا....ازاي قدرتي تبعديني عن ابني ؟
نظرت إليه ولم تنبس بكلمة واحدة فتابع يعاتبها : ازاي قدرتي تعملي فيا كدا يا مريم ، ليه قسيتي قلبك وبقيتي انانية وحرمتيني من ابني كل المدة دي ؟؟
قال ذلك ثم انحنى على مستواها وامسك بكتفيها واخذ يهزها قائلاً : قولي انك كدبتي وانك معملتيش كدا علشان تتجوزي... ارجوكِ يا مريم ريحي قلبي وقولي انك مخبتيش عليا حملك علشان اطلقك وتتجوزي واحد تاني.
فنظرت إليه بعيونها التي تحولت إلى اللون الأحمر من كثرة البكاء وقالت بصوت يكاد يختفي : انا... انا متجوزتش يا ادهم....انا مش متجوزه.
قالت ذلك ثم اغمضت عيناها وبكت اما هو فترك كتفيها ونهض وهو مصدوم وسألها : يعني ايه ؛ انتي كدبتي عليا علشان اطلقك ؟!
أومأت له برأسها دون ان تقول اي شيء فصرخ بها قائلاً : ليه ... ليه عملتي كدا ودمرتي كل حاجة ؟
فقالت بصوتها المبحوح : انا عملت كل حاجة علشان ابني... مكنتش عايزاه يتربى بين اب وام اتجوزوا بسبب الفلوس.
فنزلت دموع ادهم مثل زخات المطر وقال بغضب : ومين قلك اني اتجوزتك علشان الفلوس ، دا انا عملت كدا عشان...
قال ذلك ولم يكمل جملته اما هي فنهضت وقالت : انا عملت كل حاجة علشان ابني ومكنتش عايزه اسبب لحضرتك المشاكل واخليك تحمل همنا ، وقررت اطلع من حياتك واعيش لوحدي انا وابني من غير ما نحملك مسؤوليتنا.
فامسك ادهم ذراعيها مجدداً وضغط عليهما بكل قوة وصرخ بها قائلاً : ومين سمحلك تتخذي قرارات مهمة زي دي لوحدك ؛ مين اداكي الحق علشان تحرميني من ابني انطقي ؟!
تألمت مريم من قبضته فقالت : سيبني يا ادهم...انت بتوجعني.
ادهم : وجعتك ... امال اللي انتي عملتي فيا دا مش بيوجع ؛ ازاي قدرتي تخدعيني بالسهولة دي وانا علشان بحب....
قال ذلك والتزم صمت وهو ينظر اليها ثم دفعها بعيداً عنه واضاف بنبرة انكسار : مش هسامحك يا مريم...دلوقتي هوريكي ايه هو المعنى الحقيقي لغضب ادهم عزام السيوفي وهخليكي تندمي لانك حرمتيني من ابني .
قال ذلك ثم غادر بخطوات سريعة فلحقت به وهي تركض قائلة : هتعمل ايه ؛ اوعى تفكر اني هسمحلك تبعدني عن ابني.
فالتفت اليها وقال : هنشوف يا مريم.
فتسمرت في مكانها بينما تابع هو طريقه نحو غرفة العناية المركزة والغضب الشديد اعمى بصيرته فنظر اليه كل من كمال وخالد ومحمود ومعهما سونيا التي لم تفهم شيئاً مما حدث ولكي يكتمل العرض اتت الهام راكضة فتوجهت نحو خالد دون ان تنتبه لاي شخص آخر وسألته ببكاء : ايه اللي حصل لادهم يا خالد ؛ انا سمعت انه تعور اوي هو كويس ؟
امسك خالد يدها وقال : اهدي يا الهام... هو بقى كويس دلوقتي.
الهم : مريم... فين مريم !
قالت ذلك ثم التفتت حولها وعندما وجدت البقية يحدقون بها اتسعت عيناها بصدمة شديدة وخصوصاً عندما رأت ادهم فوضعت يدها على فمها اما هو فقال : اهي الحكاية وضحت بقى... انتي كمان هنا يبقى اكيد كنتي تعرفي كل حاجة وفضلتي ساكته !
فقالت الهام بتلعثم : انا... مكنتش..
فقاطعها ادهم بقوله : مش عايز اسمع صوتك دلوقتي وهحاسبك بعدين.
نظر اليه خالد وقال : مش شايف انك زودتها اوي...الهام دخلها ايه في الموضوع ؟
فاراد ادهم ان يرد عليه ولكنه صمت عندما سمع مريم تقول : خلاص يا خالد...متعبش نفسك .
التفت الجميع اليها اما الهام فركضت نحوها وعانقتها قائلة : انتي كويسه يا حبيبتي ؟
أجابتها مريم بصوت مبحوح وقد جفت الدموع في عيونها : متقليش يا الهام... كل حاجة هتبقى تمام.
ابتعدت الهام عنها قليلاً وسألتها بهمس : ايه اللي جاب ادهم السيوفي هنا يا مريم ؟
مريم : دي حكاية طويلة.
فاقترب خالد منهما ثم قال : تعالوا...خلونا نقعد ...اكيد انتي تعبانه يا مريم ولازم تستريحي.
قال ذلك ثم امسك ذراعها وقادها حتى جلست على المقعد اما محمود فاراد ان يلطف الجو المتكهرب لذا قال بتوتر : وانا هروح اشتري حاجة ساقعه ... حد عايز اجيبله معايا.
فقال كمال : جيب عصير لمريم ...شكلها تعبانه ولازم تشرب حاجة.
محمود : حاضر.
وفي تلك اللحظة نظر ادهم إلى خالد وقال : تعالى ورايا... احنا لازم نتكلم.
قال ذلك وغادر فتنهد خالد ثم اراد ان يلحق به ولكن مريم امسكت ذراعه وهزت رأسها قائلة : مترحش يا خالد.
فابتسم لها وقال : متقلقيش... هرجع على طول.
قال ذلك ثم نظر إلى كمال والهام واضاف : خلو بالكوا منها.
وبعدها لحق بادهم الى الخارج فوجده واقفاً ويعطيه ظهره وبيده سيجارة كان يدخنها دون توقف فقال : انا بسمعك.
نفث ادهم الدخان من فمه وسأله بهدوء مميت : ايه هي علاقتك بمراتي ؟
ابتسم خالد باستهزاء ورد عليه : مبقتش مراتك... انت طلقتها من زمان.
فالتفت ادهم اليه ورمقه بنظرة مرعبة ولكن قال بهدوء : سألتك سؤال ولو مش عايز تشوف سنانك بيرقصوا قدامك دلوقتي يبقى تجاوب عليه بسرعة.
أتسعت ابتسامة السخرية على وجه خالد واردف : ممكن اعرف انت مفتكر نفسك مين علشان تهددني كل شوية بالطريقة الرجعية دي ؟
فاجابه ادهم وهو ينفث الدخان من فمه : اظن انك عارف انا مين وعارف اني مبهزرش ابداً علشان كدا جاوب على سؤالي بسرعة.
فتنهد خالد وقال : انا هجاوب على سؤالك مش لاني خايف من تهديدك ابداً وانما علشان انا انسان متحضر ومقدر الموقف اللي انت فيه وانك بتمر بحالة نفسية صعبة دلوقتي .
ادهم : متكترش كلام وقول ايه هي علاقتك بمراتي.
خالد : انا وهي زي الاخوات بالزبط...واحنا نعرف بعض بقالنا تقريباً خمس سنين وقابلتها هي والهام هنا في نيويورك وبقينا صحاب اوي وهما الاتنين بيشتغلوا في شركتي.
ادهم : وانت عايزني اصدق الكلام دا ؟
خالد : انت حر لو كنت عايز تصدق او لأ بس انا قولتلك كل اللي عندي.
ادهم : وهي قالتلك عن حكاتي معاها ؟
خالد : طبعاً... هي ما بتخبيش عليا اي حاجة حتى ابنها بيعتبرني خاله ولو مش مصدق تقدر تتأكد من الكلام دا بنفسك .
فرمى ادهم السيجارة من يده ثم دعس عليها بحذايه وقال : انت كداب.
قطب خالد حاجبيه وغمغم : مش هرد عليك لان مستوايا اعلى من كدا.
فانزعج ادهم من كلامه المستفز و انقض عليه ممسكاً بياقته وقال بصوت اشبه للهمس يبعث الرعب بالنفوس : متعصبنيش يا خالد نجم لاني ممكن احرقك دلوقتي ومش هعمل حساب لا لحكومة ولا لاي حد تاني .
في تلك اللحظة شعر خالد بالتوتر فقد ادرك اخيراً من هو امبراطور التجارة ادهم السيوفي الملقب بجبل الجليد وانه استفزه كثيراً لذا اراد ان يهدئ من روع هذا الاسد الهائج الذي انقض عليه في جزء من الثانية فقال : من فضلك سيبني لان اللي بتعمله دا مابيلقش ابداً براجل اعمال محترم .
فشعر ادهم بالرضا لانه استطاع ان يؤثر على هذا المتمرد فتركه وعاد للخلف قائلاً : ودلوقتي هتحكيلي على كل حاجة حصلت مع مريم خلال الاربع سنين اللي فاتوا وبكدا هتبقى صفحتك بيضه عندي.
عدل خالد ياقة قميصك ونظف حلقه قائلاً : هقولك كل حاجة بس بشرط واحد.
رفع ادهم حاجبه وسأله : وايه هو ؟
خالد : مش عايزك تجرح مشاعر مريم مرة تانية لانها مش ناقصه ابداً .
ادهم : انا اللي هقرر لو كنت هجرح مشاعرها ولا لأ .. ودلوقتي اتكلم.
- وبالفعل قام خالد بأخبار ادهم كيف تعرف على مريم والهام وكيف اصبحوا اصدقاء ولكنه لم يخبره عن الجزء المتعلق بحبه القديم لمريم وانه كان يرغب بالزواج منها لانه ادرك ان فعل ذلك فسوف يقتله ادهم لا محالة وخصوصاً لانه كان من الواضح عليه انه شديد الغيرة على طليقته .. كما واخبره ان ابنه ادهم الصغير قد ولد قبل اوانه وان مريم تعتبره كل شيء بالنسبة لها وانه حياتها التي تعيش من اجلها وكم تحبه وتخاف عليه من نسمة الهواء وعندما انتهى اضاف : ودلوقتي بقيت تعرف كل حاجة وازاي عاشت مريم كل السنين اللي فاتت من غيرك.
فقال ادهم وهو يكتف ذراعيه : انا هصدقك... بس لو اكتشفت انك خبيت عليا حاجة كدا ولا كدا فانت بقيت تعرف مين هو ادهم عزام السيوفي وممكن يعمل فيك ايه .
فتنهد خالد وقال : قلتلك ان تهديداتك مش هتنفع معايا فالاحسن انك توفرهم لحد تاني .
رسم ادهم ابتسامة خبيثة على زاوية شفتيه وقال : هنشوف.
ثم ادار ظهره وعاد إلى حيث كان البقية فتنفس خالد الصعداء وكأن حجر كبير قد ازيح عن صدره ثم لحق به الى حيث كانت مريم والبقية جالسين امام غرفة العناية المركزة.
تسارع في الاحداث........
مر الوقت وكأنه دهور على مريم التي لم تجف لها دمعة وهي تنظر إلى ابنها الصغير النائم في غرفة العناية ، بينما كان خالد والهام جالسان بجانب بعضهما ويبدو عليهما التعب اما كمال ومحمود فقد عادا إلى الفندق لان ادهم طلب منهما ذلك ولم يستطيعا المجادلة معه ، وبالنسبة له فكان واقفاً في الزاوية يحدق بها بنظرات لم يستطع اي احد ان يفسر معناها وقد كان عابساً ويعقد حاجبيه بغضب واضح وفي الوقت ذاته كان وجهه حزين جداً ويبدو عليه التعب والإرهاق ، ولكن بغض النّظر عن كل هذا الا ان جزء من قلبه كان يشعر بسعادة لا توصف لانه اكتشف ان محبوته لم تخنه ولم تتزوج من غيره ابداً وما زاد فرحته هو اكتشاف وجود ابنه الذي انجبته هي واسمته بأسمه ايضاً.
فاراد ان يخفف عنها لان حبه لها تفوق على غضبه منها لذا اقترب منها قليلاً ووقف خلفها ثم قال بصوت اشبه للهمس : متخفيش...الدكتور قال ان مابقاش في خطر على حياته وهيصحى بعد ساعتين.
اغمضت مريم عيناها ونزلت دمعتها ولم تعلق بأي شيء ولكن قشعريرة سارت في جسدها عندما شعرت بيده الدافئة تحط على كتفها بلطف وخصوصاً عندما سألها بهمس : لسه كتفك بيوجعك بسببي ؟
استعادت رباطة جأشها ورفعت يدها ثم مسحت دموعها والتفتت اليه وقالت بقوة مصطنعة : من فضلك متلمسنيش ابداً ويا ريت تفضل بعيد عني وانا هبقى كويسه .
فعادت تعابير الغضب تعلو وجه ادهم لانها كانت مصرة على ان تبني جدار محصن يفصل بينهما ولا تريد ان تعطي علاقتهما اي فرصة... ابعد يده عن كتفها و الشرر يتطاير من عيناه ثم قال بانزعاج واضح : الحق مش عليكي .
قال ذلك ثم ادار ظهره وغادر مبتعداً عنها فنهض كل من خالد والهام وتقدما منها وقالت الاخيرة : ليه مصرة انك تعذبي نفسك يا مريم ؛ انتي بتحبيه وبتموتي فيه واضح انو بيحبك كمان يبقى ليه عايزه تبعديه عنك ؟
مريم : مش بيحبني يا الهام وانما عايز يحمل مسؤوليتي انا وابنه... بس مش هسيب اي حد يفرقني عن ابني حتى لو كان الشخص دا هو ادهم عزام السيوفي ذات نفسه.
فقال خالد : عايزه نصيحتي يا مريم بلاش تعملي عداوة مع الراجل دا لان باين عليه مش سهل ابداً وجايز لو كبرتي دماغك هيحرمك من ابنك فعلاً .
ردت مريم عليه بصراخ : ادهم ابني انا ومحدش هيقدر يحرمني منه ...انا اللي حملت فيه سبع شهور وتعذبت لما خلفته مش هو.
فامسكت الهام بيدها وقالت : طيب خلاص يا حبيبتي... متعبيش نفسك والا حتنهاري دلوقتي .
خالد : الهام عندها حق... انا هروح اجيبلك حاجة تاكليها لانك ما كلتيش حاجة من الصبح.
قال ذلك ثم غادر وترك الفتيات لوحدهن... اما ادهم فكان واقفاً في الخارج يدخن السجائر بصمت مرعب بينما كان هواء الصيف العليل يلفح وجهه ، وكان يفكر بعمق وسرعان ما رمى سيجارته وعاد إلى الداخل ثم جلس بصمت على بعد اربعة امتار من مريم التي كانت جالسة وتسند رأسها على كتف الهام .
تسارع في الاحداث......
حل الليل وتم نقل ادهم الصغير الى غرفة خاصة وتجمع حوله كل من امه وابوه بينما غادر كل من خالد والهام لانهما ادركا ان مريم لا تحتاجهما خصوصاً لان حبيبها ادهم كان معها ؛ اما هو فابتسم بحنان بعد رؤيته لطفله الصغير الذي كان نائماً بعمق كما لو انه ملاك فاقترب منه ببطء ثم جلس بجانبه على السرير وقد نسي نفسه ونسي جبروته وقوته عندما سمح لدموعه بالنزول وهو يمسك باليد الصغيرة والتي ذكرته بيده عندما كان صغيراً فهو يشبهه بكل شيء... حتى طريقة نومه كانت نفسها .
قام بتقبيل يد ابنه وهو يغمض عيناه ودموعه لا تتوقف ثم اقترب من وجهه وقبله على جبينه وابتسم عندما تحرك الطفل فمسح على شعره وقال بصوت حنون : دا صغير اوي.
اجابته مريم التي كانت واقفه بقربه : انا خلفته قبل اوانه علشان كدا حجمه صغير.
فنظر إليها وقال : انا عايز ارجعه مصر...جيه الوقت علشان يعرف اصله و بلده الحقيقية.
فقالت مريم بقلق : عايز تاخدو مني ، انت... انت متقدرش تعمل كدا.
نهض ادهم من جانب ابنه ووقف امامها ثم قال : اظن ان دا حقي ، ابني لازم يتربى في بيت ابوه وفي بلده مش بين الاجانب.
مريم : مش هسمحلك تبعده عني يا ادهم.
ادهم : متقدريش تعملي اي حاجة لاني اتخذت قراري ومش هغيره ابداً.
فاخذت مريم تبكي وامسكت ذراعه قائلة : حرام عليك ، ازاي هتقدر تبعد طفل صغير عن امه !
فنظر ادهم الى يدها التي تحاوط ذراعه ثم نظر إلى وجهها واجابها بعصبية : زي ما انتي قدرتي تبعديه عني انا هقدر ابعده عنك ومش هسمحلك تشوفيه مره تانية ابداً .
في تلك اللحظة امسكت مريم بياقته وقالت بنبرة قوية : هقتلك يا ادهم ؛ والله العظيم هقتلك لو جربت تعمل كدا.
فابتسم ادهم شبح ابتسامة وقال : لا والله... طيب انا عندي حل هيرضي الطرفين.
سألته وهي ما تزال تمسك بياقة قميصه : ايه هو ؟
فرفع ادهم يديه ثم امسك كلتا يديها اللتان كانتا تمسكان بياقته وقال وهو ينظر في عينيها : لو عايزه ابنك يفضل في حضنك يبقى لازم تتجوزيني من تاني.
أتسعت عيناها المحمرتين وقالت : ايه !
رد عليها : اللي سمعتيه يا مريم.
يتبع......